في هذا الشهر الفضيل.. شهر رمضان المبارك بنفحاته الروحانية الإيمانية.. شهر البر والخير والوفاء والعرفان.. نتذكر شخصيات كانت يوما بيننا ملء السمع والبصر.. عطاء وعملا.. يجسدون نموذجا وطنيا إبداعيا.. خدموا أمتهم وأخلصوا لقيادتهم.. حتى غيب الموت الحق هذه الشخصيات لتنعم بمشيئة الله تعالى في دار خير من دارنا.. فالموت قضاء نافذ وأمر حاتم. هذه النماذج الوطنية المضيئة تواجدت على امتداد مسيرة هذه البلاد المباركة في مختلف مجالات العطاء والعمل.. ولكنني أود حصر حديثي هنا عن ثلاثة رواد في القطاع الصحي.. غابوا عنا إلى دار البقاء بعد أن خدموا بلادهم ومجتمعهم خدمات جليلة وحققوا إنجازات كبيرة في مجال عملهم حتى توفاهم الله إلى واسع رحمته بمشيئته تعالى. أولهم الدكتور عدنان بن رشيد جمجوم.. وكان أستاذ علوم الجراحة العامة بكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز.. تعلم على يديه الكثير من الأطباء والطبيبات الذين يعالجون المرضى اليوم في مستشفياتنا بتميز واقتدار. كما قام بإجراء آلاف العمليات الجراحية ومعالجة آلاف المرضى في المستشفى الجامعي وفي مستشفيات وزارة الصحة. ولقد شغل الدكتور عدنان جمجوم يرحمه الله منصب مدير عام الشؤون الصحية بمنطقة مكةالمكرمة لسنوات قدم خلالها عصارة فكره وجهده.. متميزا بإخلاصه في عمله وسعة صدره وفكره الثاقب وعلاقاته الطيبة مع الجميع فكان يحظى بمحبة واحترام كل من تعامل معه. ولقد حقق العديد من الإنجازات وأسهم في تطوير الخدمات الصحية بمنطقة مكةالمكرمة.. وكان دوره بارزا في تطوير الخدمات الصحية المقدمة لحجاج بيت الله الحرام في مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة.. حيث كان يواصل الليل بالنهار عملا في المشاعر المقدسة خلال مواسم الحج. وبعد أن ترك الشؤون الصحية تولى رئاسة نادي الاتحاد بجدة ثم انتخب رئيسا لهيئة أعضاء الشرف بالنادي.. حتى انتقل إلى رحمة الله تعالى بعد صراع مع المرض لم يمهله طويلا.. تغمده الله بواسع رحمته وجزاه خير ما قدم لأمته ووطنه. الشخصية الثانية هي الدكتور عمر محمد الباز يرحمه الله كان أحد أبناء الوطن المميزين المخلصين.. حصل على درجة الدكتوراه في جراحة العظام من ألمانيا.. وعاد بعدها لخدمة وطنه ومواطنيه.. حيث عمل استشاريا في جراحة العظام بمستشفى الملك فهد بجدة.. ثم أصبح مديرا للمستشفى.. وأسس قسم جراحة العظام بالمستشفى وقاده ليكون من أفضل أقسام العظام في المملكة. كرس الدكتور عمر الباز يرحمه الله حياته لعمله الطبي فأبدع فيه وأصبح من أساطين جراحة العظام على مستوى العالم العربي.. ولقد عاصرته عندما عملت نائبا له في إدارة المستشفى.. حيث كان في أكثر أيام العمل يدلف إلى المستشفى في الثامنة صباحا ولا يغادره إلا في نحو العاشرة ليلا.. حرصا وإخلاصا وعطاء نادرا.. ولقد عالج الدكتور الباز آلاف المرضى.. وأجرى العديد من العمليات الجراحية النادرة وابتكر جهازا طبيا نوعيا يستخدم في عمليات جراحة العظام.. ولم يتخل عن عمله الطبي أو عن رئاسة قسم جراحة العظام بالمستشفى حتى عندما تولى إدارة المستشفى. الشخصية الثالثة هو الدكتور عبدالرحيم محمد عقيل.. وكان يرحمه الله من أوائل شباب منطقة جازان الذين درسوا الطب خارج المملكة.. حيث درس الطب في جامعة الاسكندرية.. ثم عاد إلى البلاد ليتولى منصب مدير عام الشؤون الصحية بمنطقة جازان التي كانت تعاني من أمراض وبائية ومستوطنة في السبعينيات الميلادية.. كما كانت تفتقر إلى أدنى مستويات الخدمة الصحية. ولقد حمل الدكتور عبدالرحيم عقيل يرحمه الله على عاتقه لواء مكافحة الأوبئة.. وتطوير الخدمات الصحية.. واستطاع بالفعل القضاء على الأوبئة.. وأشرف على إنشاء المستشفيات والمراكز الصحية في مختلف أنحاء منطقة جازان.. فهو المؤسس الحقيقي للخدمات الصحية في منطقة جازان.. وقبله لم تكن هناك مستشفيات ومراكز صحية فعلية.. ولازالت المستشفيات التي أنشئت تحت إشرافه مثل مستشفى الملك فهد.. لازالت تشكل محور الخدمات الصحية في المنطقة حتى يومنا هذا. ولا ريب أن تحقيق هذه الإنجازات الكبيرة تطلب الكثير من التضحيات ومن الكفاح والعمل والجهد والعرق.. الذي بذله الدكتور عبدالرحيم عقيل يرحمه الله ومن عمل معه خلال فترة توليه مهام الشؤون الصحية بالمنطقة.. نسأل الله سبحانه في شهر الرحمة والمغفرة أن يدخل هؤلاء الذين خدموا وطنهم ومجتمعهم بإخلاص كبير أن يدخلهم في رحمته وواسع مغفرته إنه سميع مجيب.