كانت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله المبضع في موضع الجرح ففي تاريخ الإنسانية تظل شخصيات جسدت دور المخلص لأممها أجلى تمثيل حين ادلهمت خطوبها، وطوقتها الفتن، وأوهت قواها الدسائس والمحن.. شخصيات استثنائية بكل معاني هذه الكلمة، نافذة البصيرة، قوية العزم.. كلمتها تقوم مقام السيف مضاء وعزيمة، وسيفها قائم على ميزان العدل بين إحقاق الحق وإماطة الباطل. ومن لها إلا عبدالله بن عبدالعزيز اليوم، وكل الأرض العربية مزق وأشلاء، أكلتها أضراس الحرب التي لا طائل منها، وخرقت نسيجها دعاوى الطائفية والمذهبية، كل يرفع راية الدين ليقاتل به أخاه المسلم دون حرمة مرعية، أو وازع من ضمير حي.. لتجيء هذه الكلمة بشارة بعد أن طوف على الناس شبح الخوف والذعر، وهم يصبحون كل صباح على جرائم فظيعة ترتكب باسم الدين ممن يتسمون به لافتة فقط، وينقضون عراه سلوكا وفعلا لا توصيف له غير أنه جرم لا يقره شرع، ولا تقبله النفس السوية، والطوية السليمة. جاءت كلمة الملك عبد الله حاسمة، كأنصع ما يكون الحسم، وضعت النهج الذي سيكون عليه الحال وقد استفحل الأمر ولم يعد للصبر عليه موضع، فلم يعد ثمة ما يدعو للتريث في مواجهتها بأنجع ما تكون المواجهة، بخاصة وأنه حفظه الله قد جلى للناس أمرها وكشف طويتها، وشخص مكوناتها، قائلا: «.. قد رأينا أن في عالمنا اليوم بعض المخدوعين بدعوات زائفة ما أنزل الله بها من سلطان، واختلطت عليهم الأمور فلم يفرقوا بين الإصلاح والإرهاب، ولم يدركوا أنها دعوات تهدف إلى خلخلة المجتمعات بتيارات وأحزاب غايتها زرع الفرقة بين المسلمين، ونسوا مقاصد هذا الدين العظيم أن يكون المجتمع الإسلامي أنموذجا للترابط والصفح والتسامح..». إن في هذا التوصيف الجامع ما يكشف حقيقة هذه الجماعات المتناسلة من رحم التطرف البغيض، فالأمور عليها مختلطة بين الدعوة إلى الإصلاح بوصفه حقا مشروعا وبابا مفتوحا لطرح الآراء والمقترحات الهادفة والبناءة لصالح الأمة، وبين دعوى الإرهاب الآخذة بأسباب العنف سبيلا، والتدمير غاية، والمحصلة التي تنتهي إليها إزهاق الأرواح البريئة، وترويع الآمنين، ونشر الفساد والبغي في الأرض، وأخطر ما في دعواها تلبسها بالدين، لتجد العون في مشروعها البغيض هذا من نفوس توطنت على العنف، ملؤها الحقد الناجم عن اختلال نفسي في تركيبتها، وإلا كيف يطيق سوي سليم العقل أن يقدم على مثل هذه الجرائم التي نشاهدها على مواقع التواصل الاجتماعي، إن النفس السوية يعز عليها ويصيبها الهلع من مجرد مشاهدة مناظر بهذه الفظاعة والبشاعة والدمامة، فكيف تجرأ من قام بها والتلذذ بتصويرها وبثها على الملأ ؟ على أي نهج وشريعة يستند هؤلاء الأوباش في صنيعهم البغيض هذا، ألم يقرؤوا آيات الوعيد الناهية عن سفك دم المسلم، ألم يطالعوا تحذير المصطفى صلى الله عليه وسلم من انتهاك حرمة المسلم : «مايزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما». أخرجه البخاري. إنها وضعية لا يصلح معها إلا ما أعلنه خادم الحرمين الشريفين طي كلمته الرصينة التاريخية: «إن المملكة بما أتاها الله من فضل بخدمة الحرمين الشريفين وبما أوتينا من إيمان بثوابت هذا الدين الحنيف، نرفض الإرهاب بكافة صوره وأنماطه، ولن نسمح لشرذمة من الإرهابيين اتخذوا هذا الدين لباسا يواري مصالحهم الشخصية ليرعبوا المسلمين الآمنين، أو أن يمسوا وطننا أو أبناءه أو المقيمين الآمنين فيه. كما أننا ماضون بعون الله تعالى في مواجهة ومحاربة كل أشكال هذه الآفة التي تلبست بنصرة تعاليم الدين الإسلامي، والإسلام منهم براء، وإننا بما أوتينا من عزيمة وبتكاتف هذه الأمة العظيمة سندحر هذه الآفة في جحورها المظلمة، ومستنقعاتها الآسنة». إن المرحلة المقبلة تتطلب عملا كبيرا من كافة قطاعات المجتمع، ففي ضوء هذه الكلمة التاريخية، ستكون المملكة المرتكز في دحر هذه الآفة، ولعل العبء الاكبر يقع على العلماء على وجه التحديد، فهم المعنيون على تفنيد مرتكزات هذه الآفة الإنسانية، وبيان مخالفتها الصريحة للنهج الإسلامي بالحجج والبراهين الدامغة، لتسلبها الأرضية التي تتوهم الوقوف عليها، وتنير الطريق لمن التبس عليهم ووقع في شراك هذه الآفة، كما أن الصحافة بكل نوافذها والإعلام بكل وسائله سيكون عنصرا مهما في هذه الحرب الواجبة على هؤلاء المارقين، إذ يتوجب عليها أن تضع برامج تنزل كلمة خادم الحرمين الشريفين على أرض الواقع بما يحكم الحصار من كل النوافذ على هذه الآفة، والقضاء عليها قضاء مبرما ونهائيا. كما على جميع أقطار المسلمين، والحكّام فيها أن يدركوا حجم الخطر، وليعلموا أن التكاتف والتعاضد في هذه المرحلة من أوجب الواجبات التي يمليها الواجب والضمير، فهذه الآفة لن تكون محصورة في منطقة واحدة، وستنتقل من مكان إلا مكان حاملة معها أدواءها المقيتة، بما يستوجب أن تأخذ جميع الأقطار حيطتها وحذرها، وأن يكون نهج الحسم والبتر الفوري هو ديدنها، فما ترك المعتدي والساعي في الأرض فسادا من فرصة غير ما صدع به خادم الحرمين الشريفين : «سندحر هذه الآفة في جحورها المظلمة، ومستنقعاتها الآسنة».