كان مؤسس هذه البلاد المباركة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود يحب مدينة جدة وأهلها الكرماء الطيبين.. وكان يحرص على زيارتها وزيارة بعض أسرها في بيوتهم مثل بيت آل نصيف وآل زينل وآل باناجه.. ولقد اتخذ يرحمه الله من بيت نصيف سكنا له مدة عشر سنوات.. كما كان يوجه المسؤولين آنذاك بالاهتمام بمدينة جدة والعمل على تطويرها. ولقد تواصل الاهتمام بمدينة جدة من قبل أبنائه الملوك البررة من بعده.. حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي أولى مدينة جدة اهتماما كبيرا.. وتشهد المدينة في عهده ازدهارا تاريخيا حافلا بالمشاريع الكبرى.. وفي إطار ذلك اهتم يحفظه الله بالمنطقة التاريخية.. فلقد تبنى مشروعي ترميم أول مسجدين تاريخيين في جدة على نفقته الخاصة وهما مسجد الشافعي ومسجد المعمار. ولذلك لم أستغرب كلام الأمير سلطان بن سلمان الرئيس العام للهيئة العامة للسياحة والآثار.. عندما قلت له: لقد أفرحت أهالي مدينة جدة بقيادتكم للجهود الوطنية التي أثمرت أخيرا بانضمام «منطقة جدة التاريخية» لقائمة التراث العالمي بعد موافقة لجنة التراث العالمي على تسجيلها، كأول منطقة على البحر الأحمر يتم تسجيلها. أجابني سموه قائلا : «أنا فرحت معهم.. أنا واحد من أهل جدة المميزين الرائعين.. إنني أحب جدة وأهل جدة». واستطرد سموه قائلا: «إن القادم هو الأهم.. هناك مشاريع واستثمارات قادمة تستهدف المحافظة على المنطقة التاريخية وتطويرها وتنميتها.. ستأخذ طريقها الى التنفيذ قريبا بمشيئة الله تعالى». انتهى. والحقيقة هي أن الأمير سلطان بن سلمان أولى منطقة جدة التاريخية عنايته منذ سنوات طويلة سابقة حتى لتوليه مهام الهيئة العامة للسياحة وذلك انطلاقا من اهتمامه الشخصي بالآثار والتراث العمراني.. ولقد نافح كثيرا بفكره المنفتح عن مشروع المحافظة على المنطقة التاريخية في جدة والعمل على تطويرها. وأستطيع أن أقول إن الأمير سلطان بن سلمان.. وهو أول رائد فضاء عربي مسلم.. استطاع أن يحلق بمنطقة جدة التاريخية في سماء العالمية بإعلان انضمام المنطقة التي تستحق فعلا إلى قائمة التراث العالمي.. ذلك أن حصول ذلك لم يكن بالأمر السهل إطلاقا بل تطلب جهودا كبيرة ومتواصلة من العمل. نقول هذا مع التأكيد على أن هناك جهودا وطنية تضافرت وساهمت في تحقيق هذا الإنجاز بدور فاعل من قبل سمو أمير المنطقة وسمو محافظ المنطقة ومعالي أمين مدينة جدة وغيرهم. وما أود قوله هو أن العمل لم ينته.. بل ربما يكون قد بدأ.. ذلك أن منظمة التراث العالمي سوف تتابع وتراقب وتبعث فرقا للتأكد من الالتزام بالمعايير وتنفيذ المتطلبات.. وبصرف النظر عن ذلك فإن المنطقة التاريخية بجدة بحاجة ماسة إلى أعمال تطويرية ومشاريع تنموية تحقق أهداف المحافظة عليها وتنميتها.. وتحويلها إلى منطقة سياحية تاريخية جاذبة. إن المنطقة التاريخية بجدة بحاجة ماسة إلى تطوير البنية التحتية.. وتحسين الخدمات الأساسية.. تماما كما هي بحاجة إلى مشاريع سياحية تحول المنطقة إلى محور سياحي يستقطب السياح على الصعيد المحلي وكذلك العالمي.. لاسيما أن بها المقومات الطبيعية المطلوبة لتحقيق ذلك. ولا ريب أن صدور نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني الذي أقره مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 26 شعبان 1435ه.. سوف يساهم بشكل كبير في تمكين جهود المحافظة على تراث المنطقة وتطويرها. هذا إلى جانب (مشروع الملك عبدالله للعناية بالتراث الحضاري) الذي اعتمده مجلس الوزراء مؤخرا. يقول الدكتور سعد بن عبدالعزيز الراشد الأستاذ المتخصص ومن أبرز رواد التاريخ والآثار في المملكة إن تسجيل جدة في قائمة التراث العالمي لم يكن بالأمر السهل، وما هو إلا خطوة أولى للمحافظة والتطوير والتوظيف للمباني التاريخية وتوفير الخدمات والمرافق وحسن الإدارة وتنظيم المعارض والفعاليات الثقافية والتراثية. ويقول وهو من عشاق مدينة جدة ومنطقتها التاريخية إن تاريخ جدة بعبقه وحلاوته وتراثها الثقافي النفيس جدير بأن يكون للأدباء والمفكرين وعشاق الفن مشاركة قوية والمزيد من العمل الدؤوب لجعل هذه المدينة نابضة بالحيوية والنشاط.