قال خبراء في المعلوماتية وسوق التقنية، ان التوسع في تطبيق تقنيات الحكومة الالكترونية لا يزال يصطدم بمعوقات بشرية وفنية. واوضحوا في الندوة التى نظمتها «عكاظ» ضرورة التركيز على تأهيل الموارد البشرية وتعزيز ثقة المواطنين في النظام الذى يعمل من اجل مصلحته وتخفيف معاناته في مراجعة القطاعات الحكومية المختلفة. وانتقدوا استمرار وضع بعض المسؤولين الحكوميين العراقيل امام المنظومة التى رصد لها مجلس الوزراء 3 مليارات ريال من اجل التطبيق خوفا من فقد سلطاتهم وصلاحياتهم، مشيرين الى اهمية تفاعل بعض الجهات الاخرى ذات العلاقة بالمشروع وفي صدارتها البريد بمشروعه للعنونة البريدية. وطالبوا بضرورة تعزيز التقنية بالنسبة للمواطنين مشيرين الى ان استخدامات الحاسب الآلى ما زالت تقليدية للغاية. وأشاروا الى ان التطبيق الصحيح يحتاج الى استراتيجية طويلة الأمد والتركيز على نوعية الخدمة المقدمة وليس الكم، موضحين ان المشروع يحقق العدالة بين المواطنين ويقضى على الفساد الذى قد يكتنف المعاملات، وفي ما يلى نص الندوة. كيف تنظرون إلى دور الحكومة الالكترونية في دعم الأعمال ومواجهة التحديات؟ محيي الدين حكمي نائب امين الغرفة التجارية في جدة: لا جدال على الدور الهام للحكومة الالكترونية في تسهيل الأعمال والمعاملات في القطاعين العام والخاص، ولايخفى على أحد أن الكثير من الفرص الاقتصادية كان يتم صرف النظرعنها نتيجة التعقيدات التي تصاحب المشاريع وخاصة في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أما الآن فقد أدت الخدمات الالكترونية إلى فتح المجال للبدء في تنفيذ الكثير من المشاريع بدون تعقيد، في ظل التشجيع الذى تحظى به من القطاع الخاص. محمد الخزاعي مدير عام التطوير وتقنية المعلومات في هيئة تطوير المشاعر المقدسة: الحكومة الالكترونية تتعلق بعدة محاور أساسية، هى المواطن والشركات والموظف الحكومي، وبالنسبة للمواطن والمقيم، أرى أن الحكومة الالكترونية، تحقق العدالة بين الأفراد نتيجة تقديم الخدمة على نفس المستوى وتكافؤ الفرص مع سرعة الانجاز وراحة العميل في الوقت ذاته، أما بالنسبة للحكومة فإن الحكومة الالكترونية تساعد في تسريع الإجراءات والقضاء على البيروقراطية، ويشترط لنجاحها إعادة هندسة الاجراءات لرفع كفاءة الأداء. وحول العائد الايجابي لتطبيق الحكومة الالكترونية على الدولة، فقد ساهمت في الحد من الفساد، ورفعت مستوى الشفافية والنزاهة. كما يساهم ذلك التوجه أيضا في توفير قاعدة معلومات هامة للدولة من أجل معالجة الكوارث والأزمات لا قدر الله. كيف تعاملت الغرف التجارية مع الحكومة الالكترونية؟ محيي الدين: بدأنا في عام 2007 بحصر الخدمات الالكترونية التي بلغت قرابة 65 خدمة للمنتسبين، وبدأنا بأهم خدمة وهى تجديد العضوية، وكان ذلك أول تجربة لنا مع خدمة سداد، أما القفزة النوعية الثانية فكانت عام 2010 بإطلاق خدمة التصديق الالكتروني، الذى أصبح من الممكن إجراؤه من أى مكان. ورغم البداية الحذرة، حتى لا يؤثر تطبيق الحكومة الالكترونية على دخل الغرفة المالي، وجدنا أن تقديم التسهيلات للمشتركين يزيد من قوائم المنتسبين، وبالتالى معدل الايرادات. الحذر الإلكتروني ولماذا كان الحذر من التعامل الكترونيا مع الجهات الحكومية؟ محيي الدين: الحذر لم يكن من القطاع الخاص فقط، ولكن كان بشكل عام وذلك لاعتماد الغرف بشكل أساسي على الايرادات من الاشتراكات والتصاديق، وقد اكتشفنا أن الخدمة الالكترونية تحقق دخلا إضافيا للغرفة ربما يفوق الخيال. محمد الخزاعي: تطبيق الحكومة الالكترونية في البداية شهد منافسة بين بعض الجهات المختلفة، ومنها على سبيل المثال، أمانات جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة، وكانت أمانة العاصمة المقدسة قد سبقتهم في تقديم أول خدمة الكترونية لرخص المحلات في عام 2003، وتجدر الاشارة هنا الى ان بعض الخدمات الالكترونية أطلقت قبل برنامج «يسر» الذى خصص له 3 مليارات ريال، ولم تكن هناك ردة فعل واضحة سواء داخل الجهات الحكومية أو لدى الجمهور وذلك لعدم اكتمالها خاصة فيما يتعلق بكيفية السداد، وتستحق وزارة الداخلية من خلال شركة «علم» الثناء والتقدير على تجربتها وجرأتها العالية في طرح هذه الخدمات مبكرا. عراقيل التطبيق ما أبرز العراقيل التى تحول دون اكتمال منظومة الحكومة الالكترونية؟ الخزاعي: من الطبيعى ان يواجه تطبيق الحكومة الالكترونية تحديات كبيرة، ولعل في صدارة ذلك الموظف الحكومي الذى قد يعتقد أن تلك الخدمات تقلل من صلاحياته وأهميته، لكن مع تطور الوقت ظهرت الكثير من الشخصيات الداعمة لهذا المشروع. د. سالم باعجاجة استاذ المحاسبة في جامعة الطائف: في بداية الامر كان الموظفون الحكوميون وخاصة القدامي لديهم حساسية من التعاملات الالكترونية وذلك لضعف خبراتهم، ولذلك يجب تقديم دورات لهم في مجال تقنية المعلومات والحكومة الالكترونية. وفي الحقيقة أن التعاملات الالكترونية لا تحتاج سوى الى ممارسة فقط، وأتفق مع الاستاذ الخزاعى في ان بعض الموظفين أبدى تحفظا تجاه التعاملات الالكترونية في البداية خشية انتفاء جميع الصلاحيات من يديه.، حيث من المعروف ان الموظف كان يمكنه عرقلة المعاملات اليدوية لسبب أو لآخر، اما الالكترونية فلا يستطيع اتخاذ قرار ما بتعطيلها. وعلى مديري الادارات ورؤساء الاقسام تقديم النصح للموظفين وتحفيزهم لتطبيق الحكومة الالكترونية كبدل لاستخدام الحاسب الآلى. استراتيجيات التطبيق ما أبرز استراتيجيات تطبيق الحكومة الالكترونية؟ محيي الدين: يعتمد ذلك التحول على تغير فكرة العمل اليدوى الى الكتروني، وقد استغرقنا فترة من 3 4 سنوات من أجل بناء البنية التحتية للمشروع قبل بدء الحكومة الالكترونية خاصة أن لدينا قرابة 1.5 مليون عضوية سنوية. وأثناء التحول التدريجي برزت أمامنا مشكلتان أساسيتان، الاولى ضعف معرفة المستخدمين انفسهم للتقنية لا سيما أن 85% منهم من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ولاتتوفر لديهم أجهزة الحاسب الآلى، اما المشكلة الثانية فهى التخوف من أن تحل التقنية محل الموظف، ومن هذا المنطلق برزت أمامنا استراتيجيتان الاولى تعتمد على الاقناع من خلال بناء فريق عمل يدعم المشروع، والثاني اجبار الموظفين على تنفيذ المشروع. وهناك نوعان من الموظفين، الاول يرى ان التقنية تعيق العمل والثاني يرى انها تفقده سلطته اى مصدر قوته، وبالتالى لا بد من إجباره على استخدام التقنية. تجربة المملكة كيف تقيمون تجربة الحكومة الالكترونية في المملكة؟ محيى الدين: على مستوى دول الخليج، اعتقد ان التقييم يصل الى 8 من عشرة، اما على مستوى العالم فحوالى 6 من عشرة، وبعض الغرف قطعت شوطا كبيرا باعتبارها جزءا من الحكومة الالكترونية ولديهم الامكانات حتى يصبحوا جزءا من المنظومة الكاملة. الخزاعي: قياسا بالفترة السابقة، هناك تطور ملحوظ في انهاء الكثير من الخدمات عبر الانترنت، وتظل الكثير من الخدمات فرعية، وبكل الاحوال لا يمكن أن تصل الخدمات الاساسية الى 1700 خدمة كما هو معلن. د. سالم باعجاجة: الاهمية لا تكمن في الخدمات وانما في نوعيتها ومخرجاتها، وفي اعتقادي ان 80% من اركان الحكومة الالكترونية قد اكتمل خلال السنوات الاربع الاخيرة. نظام يسر كيف تنظرون الى الجوانب التى ينبغى مراعاتها في نظام «يسر» للتعاملات الالكترونية؟ الخزاعي: لا شك ان المقومات الاساسية للحكومة الالكترونية تشريعية وتنظيمية وفنية، ونظام التعاملات الالكترونية الذى صدر في عام 1428ه أدى إلى تقنين التعاملات الالكترونية ومكافحة جرائم المعلوماتية، ولعل ذلك مثل انطلاقة في تقديم الخدمة مقارنة بالفترة السابقة. ما أبرز متطلبات نجاح الحكومة الالكترونية؟ د. فهد العيتاني استاذ بجامعة الملك عبدالعزيز: تحقيق النجاح المنشود في هذا الجانب يستلزم وجود نظام قانوني فاعل لمنع الاختراقات وقد صدر ذلك بالفعل منذ 6 سنوات، وكذلك وجود نظام مدفوعات الكترونية، ورغم ان المملكة تعد رائدة في هذا المجال الا ان هناك انظمة الكترونية لم يكتشفها المواطن بعد. ونتطلع أيضا الى وجود أنظمة خدمات بريدية متطورة مع البدء في تطبيق نظام تحديد المواقع الكترونيا، وعلى الرغم من تحويل البريد الى مؤسسة الا ان الخدمة ما زالت غير متاحة في جميع مناطق المملكة الى الآن. ولنجاح النظام يجب أيضا توفير نظام للتوثيق الالكتروني عبر المركز الوطنى للمعلومات مع وجود نظام تعليمي عام متقدم من اجل الترويج للخدمات الالكترونية حيث ما زال استخدام الحاسب الآلى تقليديا في المملكة. د. سالم: لإنجاح مشروع الحكومة الالكترونية يجب تأهيل الموارد البشرية والشباب على التعاملات الالكترونية، وتعزيز خبرة المواطنين في تعاونهم وتنمية الابتكار. د. فهد: ما زلنا نعاني من تدنى مستوى الموثوقية والثقة في التعاملات الالكترونية على الرغم من وصول امن المعلومات الى درجة متقدمة، ورغم ان الطلاب يمثلون شريحة سكانية كبيرة الا ان 2% منهم فقط هم الذين يستطيعون استخدام وسائل التقنية المتطورة، ومن العراقيل أيضا وجود بعض المسؤولين في الادارات الحكومية لايؤمنون بالتوجه الحديث نحو تطبيق الحكومة الالكترونية، وربما يعتقد البعض ان ذلك الامر مخالف للشريعة او العادات. وما زالت بعض الجهات تعاني ايضا من عدم اكتمال وجاهزية بعض المشاريع الالكترونية. وفي ظل التفاوت في التطبيق، نجد وزارة الداخلية تفوقت في هذا المجال في ظل وضوح اهداف الخطة الوطنية بالنسبة لها. محيي الدين: نحتاج الى المزيد من تفاعل الجهات الاخرى، مثل البريد في تطبيق نظام العنونة الدقيق، وفي اعتقادي ان تطبيقه على الوجه الأكمل من شأنه أن يحقق نقلة كبيرة في مستوى الاداء. ولعل من العوامل التى تشجع على التحول التقني ارتفاع حجم سوق البرمجيات في المملكة الذى سيصل الى 204 مليارات دولار في عام 2018، كما ان هناك دراسات اخرى تشير الى ان العالم الرقمي سينمو 10 مرات بحلول عام 2020، ومبيعات الهواتف الذكية بنسبة 100%. وكل هذه المؤشرات جيدة وتدفع باتجاه الاستثمار في التقنية. المشاركون في الندوة: م. محمد الخزاعي مدير عام التطوير وتقنية المعلومات في هيئة تطوير المشاعر المقدسة. م. محيي الدين حكمي نائب أمين غرفة جدة. - د. فهد العيتاني أستاذ بجامعة الملك عبدالعزيز. - د. سالم باعجاجة استاذ المحاسبة في جامعة الطائف.