قبل ثلاثة أعوام عين الدكتور جابر عصفور وزيرا للثقافة في حكومة أحمد شفيق، وتعرض حينها لهجوم قاس من بعض المثقفين الذين رأوا أنه لا يليق بتاريخه أن يكون وزيرا على دم الشهداء، فتقدم باستقالته معللا ذلك لظروف صحية. وفي حكومة إبراهيم محلب الأخيرة، عاد الدكتور جابر عصفور (70 عاما) لحقيبة وزارة الثقافة مرة أخرى، ومع ما يحظى به من مكانة ثقافية كقامة فكرية ونقدية على الصعيدين المصري والعربي والتركة الثقافية الصعبة التي ورثها، فإن اختياره وزيرا للثقافة صادف تباينا ملحوظا في مدى قبول الشارع الثقافي المصري بين الترحيب الشديد والحماس لعودته والإيمان بقدرته على العبور بمصر من أزمتها الثقافية، وبين الرفض اعتراضا على تقدمه في العمر من ناحية، واعتباره من الحرس القديم من ناحية أخرى. وسط التأييد والرفض، فإن جابر عصفور يرى في تكليفه بحقيبة الثقافة أنه يتولى مهمة وطنية لتأسيس وضع سليم للثقافة المصرية خلال الفترة القادمة، وهو ما عبر عنه في تصريحاته، مستندا في قدرته على الأداء الاكفأ على خبرته القديمة حين تولى رئاسة المجلس الأعلى للثقافة خلال الفترة 1993 إلى 2007م، والمركز القومي للترجمة، ثم مسؤول مركز «رامتان» متحف طه حسين في الهرم. ورحب كثير من المبدعين الذين تحدثت إليهم «عكاظ» بهذا الاختيار ورأوه موفقا اعتمادا على خبراته الطويلة في العمل الإداري داخل مؤسسة الثقافة، ولعلاقته الممتدة بالمثقفين، فيما انتقد البعض الآخر عمله السباق في نظام الرئيس مبارك بجانب كبر سنه. في هذا السياق، وصف الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي، تكليف عصفور بحقيبة الثقافة بالاختيار الجيد، بوصفه ناقدا كبيرا وتوسع نشاطه الفكري والثقافي، لكنه يأخذ عليه عد م الإلمام الكافي بإبداعات الشباب. ورحب الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، بتولي العصفور حقيبة الثقافة، وقال: إنه رجل مثقف ومستنير وله خبرة ثقافية وإدارية واسعة، فيما طلب منه إعداد خطط ثقافية تراعي احتياجات المستقبل الثقافية. ويرى الكاتب المسرحي محمد أبو العلا السلاموني، أن اختيار عصفور وزيرا يعد مكسبا للثقافة المصرية، بما يتمتع به من خبرة إدارية تمكنه من تأسيس الأعمدة الرئيسة التي ستنهض عليها الثقافة المصرية مجددا. وأيده في هذا الرأي الدكتور أنور مغيث، مدير المركز القومي للترجمة، مؤكدا أن عصفور قيمة فكرية وجامعية، فضلا عن خبرته الطويلة داخل وزارة الثقافة ومستشهدا بنشاطه وجهده الملموس خلال المناصب التي تولاها داخل مؤسسة الثقافة من قبل. وانتصر الشاعر المصري شعبان يوسف لاختيار عصفور لحقيبة الثقافة، معللا ذلك بما يملكه عصفور من وجهة نظر تناهض المشروع الإخواني، وتدافع عن التيار المدني العلماني العروبي القومي. من جهته، أكد الأديب مكاوي سعيد، أن عصفور، هو الأقدر على الإدارة الثقافية لمصر في ضوء خبرته الممتدة داخل المجلس الأعلى للثقافة، لكنه دعا عصفور إلى ضرورة البعد كل البعد عن أصحاب المصالح، وأن يبذل أقصى جهده لمواجهة الهجمة المحتملة من جانب من ينصبون أنفسهم رقباء على الإبداع، كما حذر من انحياز الدكتور عصفور للنظام الحاكم على حساب المثقفين. ويعترض الأديب الشاب وجدي الكومي على اختيار عصفور لحقيبة الثقافة من منطلق خوفه من أن يؤدي تاريخه مع النظام القديم إلى الحيلولة دون إعادة هيكلة وزارة الثقافة، أو جعلها مواكبة للتغيرات الجديدة في المجتمع، مضيفا: إن مصر تحتاج وزيرا يخوض معارك تنويرية تبدأ من قاع المجتمع وتخاطب رجل الشارع وليس النخبة. واعتبر الشاعر والمترجم رفعت سلام، اختيار عصفور لحقيبة الثقافة مؤشرا على عودة الحرس القديم، لافتا إلى أن جابر عصفور وزير ثقافة مبارك، الذي حلف اليمين والثورة مشتعلة في كل الميادين.