بعد فترة قصيرة نسبيا لا تتجاوز الستة أشهر من الآن ستدخل خطة التنمية العاشرة موضع التنفيذ في المملكة، وفي تقديري فإن ما ينبغي أن يشغلنا بشأنها حكومة ومجلس شورى ومواطنين هو مدى كفاءتها، واختلاف منهجيتها، وقدرتها على تحقيق أهدافها مقارنة بسابقاتها من الخطط الخمسية التسع التي يعتقد الكثيرون بأنها وإن كانت قد حققت بعض الإنجازات المهمة إلا أنها لم تصل بالتنمية الوطنية إلى المستوى المأمول منها خصوصا وأننا بعد خمس سنوات من اليوم تقريبا؛ أي عندما تشارف الخطة القادمة على الانتهاء في نهاية عام 2019م ستكون الكثير من المستجدات الرئيسية قد أخذت مكانها محليا ورسمت واقعا جديدا قد يختلف كثيرا عن ظروفنا وتحدياتنا الراهنة؛ اقتصاديا واجتماعيا وديموغرافيا هذا إضافة إلى المتغيرات المتوقع حدوثها على المستويين الإقليمي والدولي والتي سيكون لها تأثيرها علينا. ويأتي النمو المرتقب على عدد السكان السعوديين في مقدمة المتغيرات الداخلية المؤكدة الحدوث خلال سنوات الخطة القادمة حيث تقدر الزيادة السكانية بأكثر من مليوني نسمة على الأقل مقارنة بتعدادهم الحالي وبنسبة نمو إجمالي قد تتراوح بين 12 إلى 15% وذلك وفقا لمعدل النمو السنوي المرتفع الذي يبلغ حاليا نحو 2.5%، الحقيقة المؤكدة السابقة ستفرض علينا تحديا كبيرا وعبئا إضافيا، كفيل بمفرده بضرورة مبادرة وزارة الاقتصاد والتخطيط إلى تطبيق رؤية وآليات مختلفة في تصحيح خطة التنمية العاشرة التي قطعت الوزارة حتى الآن شوطا كبيرا في إعدادها؛ الرؤية الجديدة المطلوبة قوامها تعزيز التنمية الإقليمية المتوازنة عبر تفعيل وزيادة دور إمارات المناطق في توجيه وإدارة التنمية المحلية. وانطلاقا من كون الخطة قد أصبحت في حكم الجاهزة تقريبا، فإن المأمول الآن هو أن تبادر الوزارة إلى إدخال التعديلات اللازمة عليها وذلك قبل الإعلان عنها رسميا وعلى نحو يأخذ في الاعتبار الملاحظات القيمة التي أبداها مؤخرا العديد من عضوات وأعضاء مجلس الشورى، مع ضرورة أن يراعي التعديل المقترح متطلبات الزيادة السكانية المتوقعة واحتياجاتها المتنامية، وفي مقدمتها، تحسين مستوى المعيشة، والارتقاء بكفاءة الخدمات الأساسية، وزيادة القيمة المضافة لمواردنا الطبيعية، وتنويع مصادر الدخل الوطني، مادعاني لهذا التصور اليوم هو كون نتائج خططنا السابقة على مدار الخمسة وأربعين عاما الماضية لم توفق في تحقيق بعض تلك الأهداف بالشكل المطلوب، ولم تتمكن من مواكبة نمو الطلب المتسارع على الخدمات الأساسية، وتطوير البنى التحتية، وتحديث العديد من الأنظمة والهياكل المؤسسية للعديد من أجهزة الدولة، وإعتماد أنظمة الجودة في أجهزة الحكومة، وزيادة كفاءة وفاعلية كل من أجهزتنا الرقابية ومؤسسات المجتمع المدني. لذلك فإنني أعتقد جازما بأن أمام وزارة الاقتصاد والتخطيط فرصة مواتية خلال الأشهر الستة القادمة المتبقية على بدء العمل بالخطة الجديدة لتجاوز بعض الملاحظات على مسودة الخطة من أجل معالجة أسباب المعوقات التنموية والتخطيطية، والتعلم من الأخطاء السابقة إضافة إلى اعتبار ذلك مؤشرا على الرغبة الجادة في التطوير، وكلما سارعت وزارة الاقتصاد والتخطيط إلى إجراء التعديلات المطلوبة، والإفصاح عن مكامن القصور في خططنا الماضية لاسيما الخطة التاسعة؛ ولم تتردد في الإفصاح عنها بشفافية، مع بيان الإجراءات التي ستتخذها لمعالجتها في الخطة الجديدة، كلما نجحت الوزارة في كسب المزيد من ثقة المواطنين، وزادت من قدرتها على تجنب ارتكاب نفس الأخطاء السابقة في المستقبل. ولعل إصغاء الوزارة بإيجابية للانتقادات الموضوعية على الخطة العاشرة سواء ما تردد منها في مجلس الشورى أو ما يتم نشره في وسائل الإعلام، واعتبارها أن ذلك النقد الذي تم توجيهه إلى مشروع الخطة هو بمثابة مؤشر قوي الدلالة على حاجتها للمزيد من التطوير؛ فإن ذلك سيحسب للوزارة، وسيعكس بالتأكيد اقترابها أكثر من طموحات قيادتنا الرشيدة، وتفهمها لمطالب المواطنين؛ ليس ذلك وحسب بل إن من شأن ذلك مساعدة الوزارة على تحسين قدرتها على ابتكار الحلول الأكثر ملاءمة لطبيعة تحدياتنا التنموية. وقد يكون من المفيد استعراض بعض أبرز الانتقادات على مسودة الخطة العاشرة وفي مقدمتها خلوها من هدف مهم هو تحقيق التأمين الصحي للمواطنين، وعدم إيلائها أهمية كافية تجاه تمكين بعض شرائح المجتمع كذوي الاحتياجات الخاصة، والمتقاعدين، والنساء المطلقات والأرامل المعيلات والمعلقات، وغياب أهداف واضحة تعالج ظواهر اجتماعية واقتصادية مهمة ومتزايدة كالارتفاع المستمر على الأسعار، وارتفاع نسب الطلاق، وتنامي العنوسة، والتمييز الاجتماعي بكافة صوره، وعدم تضمينها مبادرات وبرامج محددة لتشجيع البحث العلمي، ونقل المعرفة، وتطوير البنية التقنية في البلاد، وحفز الاستثمارات الأجنبية «الواقعية»، ورفع معدلات إنتاجية مواردنا البشرية. ختاما، فإن من الضرورة إجراء تقييم «مستقل» لنتائج وإنجازات خطط التنمية السابقة بناء على مؤشرات ومعايير قياس رقمية وكمية معروفة دوليا، لأن إعادة إنتاج خطة جديدة ترتكز على ذات المفاهيم والأساليب السابقة التي قد تكون غير فاعلة سوف يكرس المزيد من أوجه القصور وذلك على الرغم من بعض التقدم المحدود الذي تم إحرازه خلال الخطط السابقة بشكل عام، إلا أن التعامل بانفتاح مع مكامن الخلل التي أعاقت نجاح تخطيطنا التنموي السابق في تحقيق العديد من أهدافنا الوطنية الاستراتيجية يظل عنصرا أساسيا في تلافي الأخطاء.