10.1 تريليونات قيمة سوق الأوراق المالية    1% انخفاضا بأسعار الفائدة خلال 2024    تستضيفه السعودية وينطلق اليوم.. وزراء الأمن السيبراني العرب يناقشون الإستراتيجية والتمارين المشتركة    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    البرهان يستقبل نائب وزير الخارجية    كاساس: دفاع اليمن صعب المباراة    قدام.. كلنا معاك يا «الأخضر»    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة    جواز السفر السعودي.. تطورات ومراحل تاريخية    حوار «بين ثقافتين» يستعرض إبداعات سعودية عراقية    5 منعطفات مؤثرة في مسيرة «الطفل المعجزة» ذي ال 64 عاماً    التحذير من منتحلي المؤسسات الخيرية    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    استشهاد العشرات في غزة.. قوات الاحتلال تستهدف المستشفيات والمنازل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مترو الرياض    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    مشاهدة المباريات ضمن فعاليات شتاء طنطورة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    الأمير فيصل بن سلمان يوجه بإطلاق اسم «عبد الله النعيم» على القاعة الثقافية بمكتبة الملك فهد    جمعية المودة تُطلق استراتيجية 2030 وخطة تنفيذية تُبرز تجربة الأسرة السعودية    نائب أمير الشرقية يفتتح المبنى الجديد لبلدية القطيف ويقيم مأدبة غداء لأهالي المحافظة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    المملكة ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن فلسطين    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الترجمة ليست خيانة.. ولا أعترف بالجندر في الأدب
نشر في عكاظ يوم 24 - 05 - 2014

تضطلع الترجمة بالدور الأساسي في التواصل الإنساني بين البشر منذ أقدم العصور، وتطورت الترجمة وتبلورت مناهجها بالتوازي مع التطور الحضاري للمجتمعات الإنسانية، إذ كانت على الدوام أحد أهم أدوات تشكيل البناء الحضاري لأي ثقافة، ولقد فطن العرب والمسلمون إلى أهمية الترجمة منذ وقت مبكر حيث اعتمدوا عليها كرافد رئيسي في تشييد حضارتهم، وما زالت الترجمة تستحوذ على اهتمام العرب في العصر الحديث، وتشكل جزءا من إشكالات واقعهم الفكري والثقافي.. حول ذلك أوضحت مديرة المعهد العربي العالي للترجمة التابع لجامعة الدول العربية الدكتورة إنعام بيوض في حديثها مع «عكاظ» أن اللغة العربية تتمتع بثراء لغوي لا محدود وقادرة على استيعاب كافة التطورات التي تطرأ على مجالات النشاط الإنساني، رافضة اعتبار الترجمة خيانة، عازية ضعف الترجمة إلى تقييد المترجم بالقواعد العلمية، فإلى تفاصيل الحوار:
كيف كان تكوين الدكتورة انعام بيوض، وهل أثرت البيئة الشامية عليك؟
تكوين أي إنسان نابع من الوسط الذي نشأ فيه. والفضل في بروز مواهب أي إنسان أيضا يرجع للبيئة التي تربى فيها.. كان والدي يقرض الشعر من وقت لآخر وكان محبا للفن والأدب وقارئا نهما. والدتي أيضا شجعتني وكان لها فضل في دفعي نحو النجاح، لقد عبدت لنا الطريق بتربية حكيمة وسليمة. كانت هناك بيئة فاعلة ومؤثرة على بروز مواهبي، لقد أوصلني والدي إلى سلم النجاح بعد أن لمس ميولي للفنون والشعر والقراءة بشكل عام. فبفضل الله ثم الوالدين الكريمين استطعت أن أجلس أمام المرآة وأحاورها بنفس متفتحة وبخيال مدهش.
البيئة كما ذكرت تلعب دورا مهما في رسم شخصية كل إنسان.. هل كان للبيئة الدمشقية التي كنت تعيشين فيها دور في صقل شخصية إنعام الفنانة والكاتبة والمترجمة؟
طبعا البيئة لها دور أساسي ومهم مثلما أشرت له في تشكيل ونحت شخصية الإنسان. والبيئة الدمشقية كان لها الأثر الكبير في حياتي وفي تشكيلي من الداخل. دمشق كانت حاضنة لكل الأديان والطوائف وكانت تزهو نقاء وأدبا وثقافة.. فلا يمكن أن تجد بيتا لا يحتوي كتابا أدبيا أو رواية أو قصة أو ديوانا شعريا.. هكذا كانت دمشق، تصنع جو التسامح والمحبة وترخي ظلها المتسامح وتبعث الأمان في النفوس.
كل ذكرياتي تطعمها تلك الأيام الدمشقية التي نحتت في طفولتي حضورا متجذرا.. الآن أدرك أن تلك الطفولة التي قضيتها في دمشق كانت حافلة، تمتزج ببراءة الطفولة وبأحلام كثير منها تحقق بفضل المثابرة والعمل الدؤوب.. فالشعر صرت أتنفسه والأدب أتذوقه والفنون التشكيلية أتوق لمرسمي لأعانقها والترجمة أتقن فنونها وليس صعبا أن يحمل الإنسان مواهب متعددة ويتقنها بل الأجمل عندما يسير بخطى ثابتة نحوها.
بداياتك الشعرية كانت مبكرة.. وكانت أول قصيدة تنشر عبارة عن اعترافات طفولية.. هل تعتبرين القصيدة ذاتها بداية لمشوار الدكتورة إنعام بيوض؟
الطفولة هي التي تشكل شخصية الإنسان. كل شيء ينتهي بعد ست سنوات كما يقول كما يقول علماء النفس. كل شيء يحفر في شخصيتنا في طفولتنا نتذكره بدقة. كان لي ميل للكتابة وللأدب، فكنت أكتب القصائد وكان بعضها يلحن في المناسبات كعيد الأم مثلا.. أتذكر أن أول قصيدة نشرت لي كانت في سن الثالثة عشرة ونشرت في مجلة جزائرية تعنى بالأدب بعنوان «لا سماح» كانت قصيدة طفولية وتحمل بعض الأشياء، أي اعترافات طفلة مراهقة. واليوم عندما أعود إليها وأقرأها أشعر بذلك الصدق الذي هو أهم ما ميز هذه القصيدة والعفوية التي لا تلزمك بمدارة الأشياء الشاعرية والجميلة التي تحملها دواخلك. فشيء مهم أن يكون هذا الصدق موجودا وممزوجا بتلك الحساسية المرهفة في التعامل مع اللغة العربية. وشيء مهم أن تشعري أن هذه هي بدايتك وهي الانطلاقة لك.
يقال في الأوساط الثقافية إنك تتقنين اللغة بشكل يجعل من يسمعك يغرم بها.. ما السر يا ترى؟
اللغة أعتبرها «نوتات» ترسم في القصيدة أو حتى في حديثي بها وتنسجم مع الرنين الذي يعود صداه بداخلي مع موسيقية في الصوت. هذه اللغة التي عشقتها بشوفينية أو ببعض الشوفينية.. والتي تغير عشقي لها اليوم وأصبح بشكل آخر يعني بشكل أكثر عقلانية وأكثر ترشيدا.. أنا أدرك جيدا معنى اللغة وضرورتها في بناء التكامل الشخصي والمجتمعي والحضاري للشعوب. اللغة العربية التي يراها البعض قاصرة في تبليغ المعنى والرسائل.. هي تحمل من الثراء ما يعجز العقل عن وصفه.
لكن هناك من يستشرف مستقبلها ويقول إنها لغة مهددة بالتمزق أو الانحسار. هل تعتقدين أن العولمة قد تتجاوز اللغة العربية وتكون سببا لما سبق ذكره؟
لا ليس هذا بالضبط.. اللغة تنقرض أو تضمحل عندما يكف الناطقون بها عن استعمالها، أو تستعمل في مجالات تواصل محصورة تتناقص في تعاملاتها، ولا يتم تواترها للأجيال أي من جيل إلى جيل. بمعنى عدم وجود متكلمين جدد من الكبار أو الصغار. هنا يمكن أن يتشكل الخطر على اللغة وأي لغة كانت ليست فقط العربية.
هناك بعض الأوساط الاستشرافية تقول إن «مطحنة» العولمة سوف تأتي على اللغة العربية بل إنها ستسحق حتما جل اللغات، مهما بلغت درجة تحصينها، لذلك أرى أن التعامل مع مثل هذا الاستشراف يحيلنا إلى نوع من الحيطة ليس خوفا على مستقبل اللغة العربية لأننا لسنا نحن صانعي مصائر اللغة بقوانين لكي ننقذها من الانقراض ولكن نحن نحميها عندما نحررها وعندما لا نخاف عليها.
لكن قد تكون إشكالية المصطلحات عائقا في «عولمة» اللغة العربية بالحجم الذي تسير عليه اللغة الإنجليزية مثلا خاصة في تفاوت حركة البناء «المصطلحي».
صحيح، يمكن أن يقع التفاوت أو التشويش في المصطلحات الخاصة باللغة المحكية، وأقصد هنا تلك التي يستعملها الناس في مواقع أو أقاليم محددة بدولة أو مقاطعة معينة.
العربي يعيش لغته بطمأنينة المالك المتمكن.. ألا ترين أن هناك بعض من يعيش قهرا لغويا فرضه عليه مستعمر ما يحاول أن يرسخ لغته؟
هذا صحيح.. وإن كان هذا القهر اللغوي بدرجات متفاوتة، فهو موجود ويخضع له المتحدث للعربية، فيعيش لغته في حالة من الاستنفار والتوجس والريبة. التوجس خيفة من فقدانها ثانية، والريبة من أن تخذله أمام لغة قوية تصنع العصر وتسابقه.. لكن ثراء اللغة العربية مذهل. مذهل للإدراك بدون أن نكون «شوفيينين» وبشكل لا يوصف.. مذهل للوصف والعمق.. ومذهل للتعامل واقعيا بها.
معنى ذلك أن البيئة لعبت دورها في إثراء هذه اللغة.
طبعا.. الثراء الكبير الذي تتمتع به اللغة العربية ناتج عن بيئة معينة ومعايشة لأحداث معينة.. أي البيئة الصافية، الرقراقة التي نشأت فيها اللغة العربية والتي ميزها التجريد الصوفي تقريبا أو الجانب الروحي.. فاللغة العربية نشأت في بيئة صحراوية بها كثبان على امتداد البصر وسماء صافية وكل الأشياء التي تنقلنا أو تربطنا بهذا الواقع الرملي ساهمت في هذا الثراء اللغوي.
هناك علاقة بين الإنسان واللغة، فهل علاقة الإنسان باللهجة هي التي أثمرت لغة محكية ومقننة وفق قواعد أم أنها قفزت على بعض أصولها؟
علاقتنا كعرب باللغة هي علاقة معقدة جدا، من ناحية نحن نتحدث لهجة وصلت إلينا بالتواتر وهي لهجة قريش. ومن ناحية أخرى هذه اللهجة كان يتحدث بها القبائل أو مجموعة من القبائل واختلطت ووصلت إلينا بلغة سلسة هي اللغة التي صرنا نتحدث بها اليوم وأيضا هي لغة القرآن ولغة الأدب والثقافات. طبعا هذه اللغة كانت شفاهية غير مدونة لأن التدوين كان قليلا، فالتغيير في اللغة لن يكون إلا كما تقتضيه «اللغة» في حد ذاتها ووفق الإطار الزماني والمكاني.
ثم يجب أن نقتنع أن العامية التي نستعملها اليوم علينا أن نطورها. فلا نعتقد أن اللهجات العامية منبوذة وغير قابلة للتطور.. فاللغة تلجأ في المحكيات إلى نوع من التحايل للتغلب على الصعوبات اللفظية. مثلا في استعمال المثنى.. نرى أن استعمال المثنى في اللغة العربية من المحيط إلى الخليج قدا ختفى.. وهذا أيضا دليل على أن اللغة تتطور وأن هذا المثنى لا يضفي جديدا بل يفك احتباسا لغويا كنا قد وقعنا فيه.
هل هو جانب خفي للغة العربية الذي يدفع بحركية الفكر وتطوره؟
أجل هو جانب من اللغة العربية الذي ينم عن نضجها وعلينا إدراكه، لأنه ذو دلالة بالغة الأهمية في حركة الفكر العربي بشكل عام، حيث تظهر تجليات اللغة العربية في قدرتها على التعبير عن مختلف معطيات حضارتنا على مر القرون إلى يومنا هذا. العالم اللغوي الفرنسي «جوزيف فندريس» شرح في معرض حديثه عن غلبة بعض اللغات على المستوى العالمي وأشار إلى أن الانتشار السريع للغة العربية يرجع إلى قيمتها واستبعد عنها الذاتية عنها.
إذا سلمنا بهذه القيمة الذاتية، فما جدوى تقنين القواعد وترسيم الحدود النحوية.. وهل العربية بحاجة إلى ذلك؟
توضع القواعد لتوضيح الفهم.. نحن نتبع القواعد حتى لا نقع في الخطأ. فإذا كان المثنى قد اختفى منذ قرون في اللغة وفي كل المناطق العربية دون استثناء.. فهذا لا يشكل «نكثا» حقيقيا في اللغة.. كل ما يعطيه المثنى هو يدل أن العمل قام به اثنان وأننا نتحدث عن اثنين فهل نعتبر أن هذه إضافة معنوية كبيرة للغة العربية وفي حال غيابها هل تفقدها قيمتها؟.. اللغات ذكية وعندما يتحدث الناس بصيغة معينة، فسيكون ذلك وفق ذكاء مستكين أو مستتر، فالمتحدثون لهم طريقة في التعامل مع اللغة وفي جعلها تتلاءم مع احتياجاتهم.. فلغتنا مكتفية بذاتها نحن لا نحتاج إلى أي شيء حتى في علوم الإنسانية لدينا رصيد كبير، أي يمكن أن نجدد مصطلحات قابلة للاستعمال وفق الصعوبات المستجدة.
ولماذا محاولة إلصاق «تهمة» محدودية اللغة العربية في استيعاب الحداثة والتكنولوجيات.. هل ترين أنه يمكن أن تتجاوز العربية حدود المصطلحات لتبنى حركية التفاعل مع المستجدات؟
ليس في اللغة محدودية.. اللغة العربية بريئة من كل الاتهامات هي وعاء يحتوي فكرنا وتتسع هذه اللغة اتساع فضاء الأرض ولكن عندما يكون ذهننا محدودا وضيقا، فبتأكيد سوف تنكمش هذه اللغة وتتضاءل إلى أن تصبح لغة محدودة.
أرى أن التركيز على المصطلحات في الأدب يسجننا داخل قاموس معين، فقد نكتشف علما جديدا بالابتعاد عن ذلك. ولنا مثال في الأدب الفرنسي، حيث أدخل جولفار الكثير من علم الخيال والمصطلحات العلمية الموجودة في الأدب الفرنسي.. ولكن هذا نوع خاص من الأدب.. فعندما نأخذ الأدب الإنساني الموجود فيه بشكل عام والذي يعالج المشاكل الإنسانية الحميمة لا نجد فيه مصطلحية كبيرة.. بمعنى أن المشكلة في الأدب هي القدرة عن التعبير عن أدق الأحاسيس وهنا تكون اللغة قادرة على هذا التعبير وهذا معناه أنها بخير وأنها معايشة للتجربة الإنسانية.
حصلت على جائزة مالك حداد للأدب عن رواية «السمك لا يبالي» في 2003.. لكن بعدها لم نقرأ كثيرا لإنعام.. هل العمل الأكاديمي ومسؤولية المعهد العربي للترجمة سبب في قلة الانتاج الادبي لك؟
طبعا جائزة مالك حداد هي جائزة قيمة وهي أفضل جائزة في الجزائر أسستها أحلام مستغانمي زميلة الدراسة في الثانوية وصديقة أعتز بها كثيرا وأفتخر بها كأديبة عربية فجرت صندوق القراءة أو علبة القراءة السحرية عند القراء العرب.. أحلام ظاهرة فريدة من نوعها في العالم العربي وأحييها على العمل الذي قامت به.
وقد كرست نفسها للأدب وهذا شيء جميل وما فكرة عمل جائزة في موطنها الجزائر إلا دليل قاطع على حبها لنشر الأدب واكتشاف المواهب.. جائزة مالك حداد هي من الجوائز القيمة في العالم العربي.. وطبعا ككل الجوائز، غالبا ما يكون لها سلاح ذو حدين قد تكون وسيلة للانطلاق ودافعا لتفجير المواهب وقد تكون نوعا من المسؤولية التي تجعل الفائز بها يتريث في الأعمال الأدبية.
هل تشعرين بفرق مثلا عندما تقرئين لكاتبة أو كاتب.. أي هل تشعرين بهذا الأدب الجندري الذي يحاول البعض رسمه؟
أنا شخصيا لا أفرق بين أدب نسوي وأدب رجالي.. الأدب هو أدب، أدب إنساني مهما كان يعني أنا أفضل أن أقرأ روايات لا أعرف من كتبها ولا أعرف إن كان رجلا أو امرأة.. وتشعرني تلك الرواية بأنها نابعة من عمق إنسان واحد، أصيل وصادق.. أما أن نسميه أدبا نسويا فذاك يعني كأننا نقلل من أهمية هذا الأدب وكأننا نقول للقارئ «لا تؤاخذنا، فهذا أدب نسوي».
هناك من ركب الموجة خاصة في الغرب حيث يتاجرون بفكرة أن المرأة مهمشة وهو الذي أدخل هذه الفكرة.. فكرة أدب نسوي في حين نحن لسنا بحاجة إلى ذلك.. أدبنا يعبر عن واقعنا، فأحلام مستغانمي كتبت رواية بطلها رجل وليس امرأة وبالتالي أين النسوية في كتابة أحلام مثلا؟.. بمعنى أن الشاعرية التي تملكها أي روائية يمكنها أن تضاهي بها شاعرية اي روائي رجل.
فالهشاشة يمكن أن يتصف بها الأديب والأديبة.. فهذا الوهن الجميل موجود لدى كل الأدباء والفنانين.. فعندما ندخل أعماقهم أو إلى قلوبهم ونتحسسها نرى تلك البلورة.. البلورة الرقيقة التي يمكن تهشيمها بالنفخ عليها.. انظري مثلا إلى الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا كان يملك هذه الهشاشة بشكل مرعب يعني بشكل حتى عندما نقرأ قصائده بعد موته الآن نشعر وكأن القصيدة تتدفق إحساسا وشاعرية.. أو ماركيز مثلا عندما يتحدث عن الحب في زمن الكوليرا.. تكتشفين تلك الهشاشة التي تميط اللثام عن أعماق تحمل من الضعف الإنساني ما يجعلك تتماهين في القصيدة أو الرواية حد الذوبان وتنصرف أمامك وهنا جميلا.
عالم الترجمة أصبح عالمك الخاص من خلال إشرافك على المعهد العربي للترجمة التابع للجامعة العربية.. كيف ترين الترجمة في العالم العربي وكيف تفسرين مقولة «الترجمة خيانة»؟
طبعا الترجمة ليست خيانة إطلاقا ولا يوجد لها علاقة بالخيانة بل نحن شديدو الدقة على حسب الترجمة التي نريدها. هناك أنواع من الترجمة يمكن أن تكون ترجمة أكاديمية ذات طابع أكاديمي.. أما فكرة الترجمة خيانة، فقد جاءت من كلمة «فرايتوري» وهي كلمة إيطالية تعني في الأصل المترجم الخائن وهي ليست لها علاقة بالتجربة. ففي الأساس أن سليمان القانوني عندما كان يأتيه سفراء من إيطاليا وأوروبا كانوا دائما يعتبرونهم خونة أو جواسيس، فكانوا يقولون «فرايتوري» أي المترجم خائن وبالتالي كانوا لا يثقون في الوثائق التي تأتيهم من المترجمين.. ومن هنا جاءت فكرة «الترجمة خيانة» وليست من عملية الترجمة ولكن الناس أخذوا هذه المقولة هكذا.
مثلا عندما أقرأ لماركيز وأريد أن أترجم له يجب أن أعرف لماذا استعمل هذا الفعل وليس ذاك.. لماذا وضع هذه الصفة وليست تلك.. كيف استطاع أن يقرض بين نقيضين لغويين وكيف وظفهما.. هذا ما يجب أن يعرفه المترجم إذا أراد أن يترجم عملا ما ويجب أن يكون مخلصا للكاتب وأن تكون ترجمته ما نسميها بالترجمة الدلالية التي تحترم فكرة الكاتب، فتكون ترجمة تواصلية لنص الكاتب وهناك من يريد أن يكون وفيا للقارئ وبالتالي يطبع كل الأمور ويعطي مقابلات ويأتي بنوع من التصرف يعني الآن بالنسبة حتى لمناظري الترجمة هناك من يرى بضرورة الاحتفاظ بالطابع الاستغرابي والاغرائي.
هل تقرئين الأعمال المترجمة أم تفضلين قراءة العمل بلغته الأصلية وهل تستشفين فرقا في متعة القراءة بين الأصل والترجمة؟
أنا من النوع الذي يحب أن يقرأ العمل باللغة الأصلية مثلا إذا حاولت أن أقرأ الترجمات، فسأشعر بنوع من التشوه المهني لأنني أفضل أن أقرأ الأعمال بلغاتها الأصلية ولكنني أقرأ الترجمات بنوع من الفضول ونوع من التشوه المهني لأنني أريد أن أرى كيف قام المترجم بالتغلب على هذه الصعوبة أو تلك وكيف نقل هذا الإحساس أو ذاك.
أقرأ الترجمات من منطلق نقلي وليس من منطلق استمتاعي.. الاستمتاع يكون بالعمل الأصلي المكتوب باللغة الأصلية وعندما يتعذر فهم اللغة نذهب باتجاه الترجمات.
الكثير من الأعمال المترجمة لا ترقى لمستوى الأعمال الأصلية.. بل هناك من الترجمات ما أخلت بالنصوص الأصلية وحرفتها عن معناها.. هل يمكن أن تكون هناك «مدونة» تضبط مهنة المترجم في إطار احترافي؟
اليوم الترجمة أصبحت علما كبقية العلوم.. تدرس في الجامعات ولنصل إلى ما تتحدثين عنه يجب أن ندخل الترجمة في باب الاحترافية. أن يكون هناك مترجمون محترفون، درسوا الترجمة ويعرفون قواعدها ويحترمون ضوابطها، ويمكن أن تكون الترجمة تحت إشرافهم الخاص. وبالتالي المترجم المحترف والدارس للترجمة والدارس لعمليات ونظريات الترجمة لا نخاف عليه ولا نشك في ترجمته للنصوص لأنه سيلتزم بترجمة محترفة. لكن هذا لا يعني أننا نغلق الباب أمام المبدعين. فهناك مبدعون يتقنون لغتين ويمكنهم أن ينقلوا لنا إبداعا جميلا وراقيا من لغة إلى أخرى. وهذا ما نسعى إليه في معهد العالم العربي للترجمة.. يعني ألا نقفل باب الترجمة على المترجمين المبدعين لأنهم يمكن أن يطلعوا على وسائل الترجمة وعلى أساليب الترجمة وأن يدخلوا في دورات الترجمة ويصقلوا موهبتهم ويصبحوا مترجمين ناجحين.
هل المعهد العربي للترجمة استطاع أن يستجيب لمتطلبات العالم العربي في الترجمة؟
المعهد جاء استجابة لحاجة أساسية ولكن هذه الحاجة تم التعبير عنها عام 1982 أي أنه حاجة قديمة نوعا ما لأن 25 سنة أو أكثر لم يتجسد فيها المشروع إلى غاية 2003 حيث تم إحياء أو بعث الفكرة من جديد وتم الاستقرار على الجزائر على أن تكون مقرا لهذا المعهد، بعد أن اقترحت الكويت مقرا له.. وبما أن الجزائر في تلك الفترة لم تكن لديها أية مؤسسة متخصصة تابعة لجامعة الدول العربية فاستقر الرأي على أن تكون الجزائر مقرا له. في 2005 بدأ استقبال الطلبة وبدأ التدريس به.
المعهد تابع للجامعة العربية ويستقطب طلبة من كل البلدان العربية، كيف لمعهد تابع للجامعة العربية ويعاني من الدعم المالي أن ينجح؟
نعم هناك مشكل كبير في مسألة التمويل يعني أولا الجامعة العربية أساسا تعاني من مشكلة تمويل ولكنها تعاني منها بشكل أخف يعني تصل درجة التعداد عندهم إلى 60 و80% وهذا شيء بالنسبة لمؤسسة عربية مقلق نوعا ما. كان من المفروض أن تكون موازنتنا جزءا من موازنة الجامعة العربية ولكنهم قرروا أن تكون لهم موازنة مستقلة عن موازنة المعهد العربي وأن تكون لكل دولة حصة بنفس نسبة حصتها في جامعة الدول العربية، فللمعهد موازنة خاصة وكل دولة تدفع بنسبة حصتها في الجامعة العربية كل دول العالم العربي طبعا.. هناك دول ليست معنية ولكن الدول الأساسية كالمملكة العربية السعودية مثلا تدفع 12% والعراق 12% وليبيا 12% وسوريا 1% والجزائر 8%.. كل دولة بنسبة حصتها في الجامعة العربية.
من المفروض أن يكون بنسبة احتواء المعهد من 200 إلى 300 طالب يعني من المفروض عرب وأجانب كل الجنسيات العربية يعني من بداية المعهد لحد الآن عندنا 13 جنسية عربية يعني الذين درسوا عندنا في المعهد والحمد لله كلهم خرجوا بشهادات.. الذين جاؤونا مثلا من الدول التي لا تتقن الفرنسية تخرجوا بلغة فرنسية فالطالب يجب أن يتخرج بثلاث لغات أجنبية وليس بلغتين كما هو في الجامعات الأخرى.. لأن هذا هو المعيار العالمي.كل مترجم هو متقن للغتين إتقانا تاما ومتقن للغة أخرى ساكنا، بمعنى لغة ساكنة هي التي يمكن أن يترجم منها إلى اللغة العربية فهما وترجمة.
هناك طلاب جاؤوا من اليمن ومن المملكة العربية السعودية حيث كانت اللغة الأجنبية الانجليزية، فتخرجوا بلغة ثالثة وهي الفرنسية وكانت لغتهم ممتازة.. الطلبة الذين تخرجوا من المعهد هم يعملون اليوم في مؤسسات دولية وقد استفادت الإمارات كثيرا من الدفعات المتخرجة من المعهد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.