«افتح لها شباك مسجدك العتيق... يبوح عش الوحي بالمعنى، تبيض آيات التقى، ويعانق الصوت المبهر حيرتي فأطيل ترتيل السماء محدقا، يا كوثر العشاق هل من شربة تغني ظماي أم أبقى على باب الشكوك معلقا، لهفي على تاريخ أبجد وانعتاقات الزبرجد حيث اصطفاف الروح جنب الروح والسمار ما بين الخيام يدوزنون الليل كي يبقى بعين العاشقين محلقا، فاصبر كما تؤمر وهاجر للقرى من أمها، وزع هواك على هواك وكن في عشقهن ممزقا». يشتغل الحس الصوفي في الشعر على باطن الأمور، إذ ليست الأشياء هناك على ظاهرها، وبقدر ما يعايش المتصوف عالم الحقيقة إلا أنه يعيش الخيال أملا في الكشف وتحقيق نبوءات استباقية. والصوفية تقوم على منهج الإلهام وترقب الكرامات، والشاعر عبدالعزيز أبو لسة مع حداثة تجربته إلا أنه يوغل في فلسفة صوفية تحيل الروح إلى مسجد والجسد نافذة الفؤاد، بما يتيح مروره من معارف وأفكار وأخيلة، وبكل ما جادت به آيات التقى من بياض إلا أن البحث عن فضاءات أرحب وأنقى جزء من واجب الصوفي بحكم الطريقة، فبقدر ما يكتشف ويكشف يظل معنيا بتوليد السؤال: أبو لسة يقدر طول المسافة بين عشقه الظامئ وبين النبع، وبما أن الرواء مستحيل يبقى لديه حس الخروج من دائرة الروح ومحورها «مكة» لتتوزعه القرى وينهكها قدر ما تنهكه بأسئلة تتوالد حتى يتمزق شوقا في سبيل الوصول للكمال المحال، ولعل النزعة الصوفية عند هذا الشاعر تتقاطع مع السريالية الموغلة في غموض محرض على التأويل، وهذا ما نلمسه في مجموعته الأولى «أول القمح آخر العنب»، ولا يغيب عن القارئ الشفيف حجم تأثر مفردات ولغة أبي لسة بالشاعرين العملاقين محمود درويش ومحمد الثبيتي.