حين يختلف قارئ مع كاتب حول فكرة ما، يتوقع أن يتيح ذلك مجالا للقارئ للتأمل والتفكير حول ما قيل، لكنه عند بعض القراء يتحول إلى مثير للغضب وباعث على الكراهية والعداوة، فيصمون الكاتب بألفاظ لا تليق، ويقذفونه بشتائم يأنف منها الذوق، رغم أن الكاتب لم يزد على أن عرض رأيا قد يجد القبول لدى الآخرين وقد لا يجد. حين يقرأ القارئ لكاتب فلا يسيغ أسلوبه ولا يرتاح لتعابيره، فضلا عن أفكاره، فإن المتوقع أن يهمله وينصرف عنه، لا أن يتخذ من كتابته مبررا لمعاداته والتحريض ضده والاستعداء عليه والاستماتة في قذفه بكل ما يمكن من (أسلحة الدمار)، لكن ما يحدث غالبا هو أن كثيرا من الكتاب الذين يتعرضون للنقد اللاذع من قرائهم، يكونون (في الوقت نفسه) من أكثر الكتاب الذين يحرص القراء على متابعتهم، أي أنه رغم كل ما توصف به بعض الكتابات من الانتقادات، إلا أنها تظل الأكثر جاذبية حتى للمنتقدين لها!! من الملاحظ دائما أن الذين يختلفون مع الكاتب في فكره وفيما يطرحه من آراء يظلون منجذبين إليه، مواظبين على متابعة كتاباته، حتى وإن ادعوا غير ذلك. فما الذي يدفع بأولئك المنتقدين للكاتب إلى الحرص على متابعة ما يكتب! إن ما يتبادر إلى الذهن هو أن ما لا يعجبنا ننفر منه ونبتعد عنه، فما الذي يجعل أولئك المنتقدين يظلون يتابعون ما يعيبونه؟ أليس في هذا ما يحير؟ هنا يمكن التوقف للتأمل في الأسباب!! لِم يحدث هذا؟ هل هي أسرار الكتابة الخفية التي تجعل ما يطرحه الكاتب جذابا حتى وإن بدا معيبا؟ وهل يمكن أن تكون الكتابة معيبة وجاذبة في آن واحد؟ أم أن ذلك لا صلة له بالكتابة في حد ذاتها، وإنما هو يتصل بأسرار النفس البشرية التي لا تقل غموضا وخفاء عن الكتابة، فمن غرائب الطبع عند الناس أن يعيبوا شيئا ثم يركضوا في طلبه؟! وقد يتبادر إلى الذهن أن الناس يتابعون كتابات من ينتقدون كتاباته رغبة منهم في العثور على مثالب يبررون بها ما يطرحون من انتقادات، لكني أستبعد أن تكون تلك الرغبة هي الدافع الوحيد للمتابعة، فما أظنه هو أن الناس رغم كل ما يقولون من انتقادات وإعابة، هم في اللاوعي منهم يجدون فيما يكتب شيئا ما يجذبهم، شيئا مختلفا يشدهم ويسيطر عليهم، حتى وإن كانت عقولهم الواعية ترفض أن تعترف بذلك، فتملي عليهم القول إن تلك الكتابات هي مما لا يستحق القراءة، وأن من واجبهم توضيح ذلك والتحذير منه إنقاذا للناس أن يغروا بما يقرؤون!!.