تسببت الأمطار التي هطلت بغزارة على العاصمة المقدسة والتي شملت محافظتي الجموم، وبحرة، والمراكز التابعة لهما باحتجاز عشرات السيارات وشلت حركة المرور لساعات طويلة. ففي حي العمرة والبحيرات والنوارية ارتفع منسوب المياه إلى مترين في مناطق متعددة وخاصة أسفل جسر البحيرات مسببا (تكوم) مجوعة من السيارات جراء السيول الجارفة من عدة أودية، دون إصابات تذكر أو وفيات، الأمر الذي استنفر جميع الأجهزة الحكومية من أجل فك الاحتجازات المرورية، والسيطرة على تنظيم وتسهيل حركة السير للمتجه إلى طريق المدينةالمنورة، وطريق مكةالمكرمة، وقد استمرت حتى ساعات الفجر الأولى من يوم أمس. «عكاظ» وقفت على موقع تجمع السيارات تحت جسر البحيرات، ورصدت مجموعة من المشاهد ولقاءات مع بعض المواطنين و المقيمين خلال جولتها في منطقة العمرة والبحيرات والنوارية، و زهرة العمرة . البداية كانت مع المواطن عبدالعزيز اللحياني الذي قال: كنت في رحلة عائلية لمحافظة الطائف، ووصلت إلى مكةالمكرمة قرابة الساعة العاشرة مساء و هالني مشهد الاختناقات المرورية التي لم أر مثلها في حي البحيرات، الأمر الذي كلفني عدة ساعات في زحمة السير، في ظل تعطل مئات السيارات تحت جسر البحيرات هذه أول مرة أشاهد منظر تراكم السيارات بهذا الشكل. وأبان أن هذه المنطقة لم تشهد حدوث تجمع لمياه السيول قبل ذلك منذ إنشاء جسر البحيرات، حيث إن مياه السيول كانت تنساب وبشكل طبيعي إلى الضفة الأخرى من الحي، وألمح إلى أن تجمع مياه السيول بهذا الشكل المخيف ربما بسبب الأرصفة التي أنشأتها بلدية العمرة مؤخرا، مبينا أن جسر مستشفى مكة الطبي لم يشهد تجمعا للمياه بهذا الشكل المخيف . وقال الشاب محمد الصاعدي، وهو أحد الذين جرفتهم مياه السيول من نادي الوحدة الرياضي إلى جسر البحيرات: أحمد الله عز وجل الذي أنجاني من موت محقق، حيث كنت في سيارتي أمام نادي الوحدة عند الساعة العاشرة والنصف مساء، وبدأت قطرات المطر تنهمر بتدفق سريع، وماهي إلا عشر دقائق حتى رأيت مياه السيول تتدفق وبسرعة هائلة وغير متوقعة كالموج الهائج من كل الاتجاهات، فشعرت بسيارتي تتحرك ولم يعد باستطاعتي السيطرة عليها حتى شعرت بارتفاعها عن مستوى الأرض، وبدأ الارتفاع بالتزايد حتى وصل إلى مترين تقريبا في مشهد لم أشاهده من قبل وأصبحت تطفو كقطعة (الفلين) تترنح وعلى ارتفاع المترين متجهة نحو جسر البحيرات، وما كان مني إلا قول(اللهم سلم سلم). وبعد تنهيدة ونشوة الفرح بالنجاة يكمل الصاعدي: عندها شاهدت الموت يلوح بيديه أمامي ودعوت الله كثيرا أن ينجيني وينجي السيارات الأخرى التي كانت بجانبي لم أعد أفكر بسلامة سيارتي نهائيا. وأضاف: وبعد عدة دقائق استقرت سيارتي على إحدى السيارات المحتجزة عند أسفل الكوبري، وخرجت من السيارة متوجها إلى أعالي كوبري البحيرات أترقب حالة الخوف والهلع الذي أصاب الناس. من جهته، قال محمد الجابري، شاهد عيان، كنت برفقة أحد الأصدقاء وقت هطول الأمطار الغزيرة، وفي لحظات معدودة شاهدت تدفق مياه السيول تحت جسر البحيرات، وكان منظر السيارات وهي تطفو وأصحابها عالقون فيها مشهدا لا أنساه ما حييت، ويكمل محمد فألهمني الله على مغادرة السيارة أنا وصديقي والتوجه إلى أعلى الجسر، وبقيت سيارتنا عالقة في مشهد لم تألفه عيني قبل ذلك في ذات المكان، وألمح الجابري أن سبب تجمع المياه بسبب الأرصفة الجديدة والتي كانت عائقا أمام تصريف السيول المنحدرة من حي الندوة الأمر الذي أدى إلى تجمع المياه وارتفاع منسوب الماء إلى عدة أمتار في تقديره . وأضاف الجابري هناك سبب آخر وهو تجمع الألواح الخشبية و أكياس البلاستيك على مناهل تصريف السيول، ما أدى إلى تجمع المياه بشكل غير معهود . وختم الجابري حديثه بحمد الله على سلامته وسلامة صديقه من شبح الغرق، الذي كاد يودي بحياتهما والحمد لله على ذلك ثم التقينا بالشاب هيثم الصاعدي، حيث قال والخوف قد ملأ ملامحه: كنت متوجها إلى حي البحيرات لأزور أحد الأصدقاء وفي بداية هطول الأمطار لم يدر بخلدي أن تكون الأمطار بتلك الغزارة، وخلال دقائق معدودات رأيت أمواج السيول تتلاطم من جميع الجهات وكأنه فيضان يتجه إلينا من جميع الجهات وبدون مقدمات. وقال: رأيت حاويات النظافة الحديدية تتدحرج كالعلب الكرتونية من داخل الأحياء السكنية وباتجاه مجمع المياه الذي استقر أسفل الجسر، فخشيت على حياتي فترجلت عن سيارتي باحثا عن أي مكان مرتفع حتى أنجو بنفسي تاركا محفظة نقودي وأجهزة الجوال داخل السيارة التي استودعتها الله حتى كتب الله لي عمرا جديدا والحمد لله على كل حال. وأضاف هيثم: أن هيجان السيول أذهله، فلأول مرة يرى سيلا جارفا بهذا الشكل في منطقة نعرفها منذ قديم بأنها آمنة من ركود وتجمع المياه فيها بهذه الصورة. وأضاف: أن تزاحم السيارات كان سببا في إعاقة الطريق أمام سيارات الإسعاف، ودوريات المرور لفك الاختناقات المرورية التي استمرت لعدة ساعات متواصلة. وقال المواطن عبدالله الحربي: لقد هالني تكدس السيارات فوق بعضها البعض، في منظر لم أره من قبل وخاصة تحت جسر البحيرات ،الأمر الذي أصابني بالخوف . وأضاف: رأيت الناس يخرجون من سياراتهم مسرعين نحو قمة الجسر في منظر مرعب. وأشاد الحربي بدور بعض شباب الحي بتدخلهم السريع في محاولة لإخراج الأسر العالقة داخل سياراتهم ومحاولتهم انتشال الأطفال والنساء إلى المناطق الآمنة في صورة تجسد روح المبادرة والعمل التطوعي الميداني للشباب السعوديين. واقترح الحربي تشكيل لجنة عاجلة مكونة من عدة جهات حكومية لإعادة النظر في الأرصفة الجديدة، وإعادة تقييمها و ذكر أن جسر البحيرات ولأول مرة في تاريخه الممتد إلى 30 سنة مضت، وعلى الرغم من هطول أمطار ربما تكون أغزر من هذا المطر لم تتجمع مياه السيول بهذا الشكل المخيف. مبينا أن هناك حاجة إلى الوقوف لمعرفة أسباب احتجاز مياه السيول .