وودي ألن وودي ألن مخرج سينمائي وكاتب سيناريو وممثل وكاتب للنقد السينمائي والرواية والقصة. فنان متعدد غلبت شهرته السينمائية بحكم فوزه بجوائز الأوسكار أربع مرات وجوائز أخرى مرموقة في معظم المهرجانات السينمائية، منجزه ككاتب، لكنه مع ذلك يعتبر كاتبا بارعا؛ لأن قصصه ورواياته وسروده الذاتية لا تقل عن أعماله السينمائية إبداعا وجمالا. هنا في هذه الزاوية التي يخصصها ملحق «عكاظ» للقصة القصيرة العالمية. نقدم قصة (الراسب) من مجموعته القصصية «الموقع الجهنمي». *** عندما فتح بوريس إيفانوفيتش الرسالة وقرأ محتواها على زوجته «أنا» امتقعا سوية. لم يقبل ابنهما ميشا ذو الثلاث سنوات في أفضل مدرسة حضانة في مانهاتن. «هذا مستحيل!» صاح بوريس إيفانوفيتش مذعورا. لا، لا. لا بد أن خطأ قد وقع. قالت زوجته بازدراء. بعد كل شيء، إنه طفل لامع ولطيف واجتماعي. يتكلم بطلاقة ويتدبر أموره في التلوين، بدقة. ويستطيع تركيب لعبة السيد بطاطس جيدا. سكت بوريس إيفانوفيتش ضائعا بين أحلام يقظته. كيف سيستطيع لقاء زملائه في «بيار ستيرن» بينما فشل الصغير ميشا للدخول إلى الحضانة العظيمة؟ يسمع سلفا سيمينوف يلطمه بصوته الساخر: لا تعرف كيف تتدبر أمورك. يجب حتما أن توظف علاقاتك ولا تتردد أن تدس بضع أوراق مالية هنا وهناك. يا لك من أحمق يا بوريس إيفانوفيتش! لا، لا ليس هذا. بادر بوريس إيفانوفيتش محتجا. أعطيت المال للجميع، بدءا بالمديرة إلى منظفي النوافذ. ومع ذلك رفضوا ابني. هل توفق في المقابلة الشفهية؟ سأله سمينوف. نعم. رد بوريس. لكن مع بعض الصعوبة في تركيب المكعبات... إذن هذا هو: متوسط في الألعاب التركيبية. قال سيمينوف باستخفاف. هذا يدل أن لديه مشاكل عاطفية. من سيقبل أبلها لا يستطيع تركيب حصن منيع؟ لكن لماذا مناقشة سمينوف؟ فكر بوريس إيفانوفيتش. بعد كل شيء، ربما لا يجب أن نترك الرياح فرصة نشر الخبر. مع ذلك، في يوم الإثنين التالي، عندما دخل بوريس إيفانوفيتش إلى مكتبه، كان من الجلي أن الجميع يعلم بما جرى. كذبة كبيرة في مكتبه. ظهر سيمينوف كالعاصفة. هل أدركت ؟ بدأ سيمينوف. أن ابنك لن يقبل في أي جامعة محترمة. في كل الأحوال حتى في تلك الرفيعة المستوى. فقط من أجل هذا؟ يا ديميتري سيمينوف. تعتقد حقا أن الحضانة يمكنها أن يكون لها تأثير على الدراسات العليا؟ اسمع، لا أريد أن أعد لك الأسماء، لكن هذا يعود إلى سنوات خلت أحد رجل أعمال المصرفيين لم ينجح في إدخال ابنه إلى مدرسة حضانة مرموقة. على ما يبدو حدثت فضيحة مع الطفل الذي كان يرسم بأصابعه. وما دام الطفل قد رفض من طرف المدرسة التي اختارها والداه، فقد اضطر إلى، إلى... إلى ماذا؟ قل لي يا ديمتري سمينوف. لنقل أنه لما بلغ الخامسة اضطر للتسجيل في... في مدرسة عمومية. يا للحظ العاثر! تألم بوريس إيفانوفيتش. عندما بلغ الثامنة عشرة رفاقه القدامى جميعهم دخلوا جامعة أستانفورد. أضاف سيميوف. ومادام المسكين لم ينل شهادة روض الأطفال كيف لي أن أقول؟ بمستوى جيد، لم يقبل في النهاية إلا في مدرسة للحلاقة. سيضطر لقص الشوارب؟ صاح بوريس إيفانوفيتش متخيلا ميشا المسكين بوزرته الزرقاء منهمكا في الحلاقة للأثرياء. ونظرا لعدم تمكنه من اكتساب المعارف الأساسية في المواد مثل تزيين أصيصات الياغورت أو كولاج باللواصق، فإن الفتى لم يكن مهيأ إطلاقا لمواجهة مصاعب الحياة. واصل سيمينوف. النتيجة كانت أنه شغل وظائف ثانوية، ثم بدأ يسرق بعض الأشياء، من مشغليه. لأنه لم يكن يأخذ الأمور على محمل الجد. في تلك الفترة أصبح سكيرا. بطبيعة الحال، الاختلاس أدى إلى السرقة وهذا كله انتهى أن اقترف جريمة قتل. خلال شنقه اعترف الفتى أن كل شيء انقلب على عقبه في اليوم الذي رفض فيه من دخول روض جيد. في تلك الليلة لم يستطع بوريس إيفانوفيتش النوم. رأى حضانة «أوبر إيست سايد» بحجرات الدراسة المنشرحة والمضاءة. وتراءى له أطفال الثلاث سنوات بملابسهم الأنيقة منهمكين في التقطيع والتلصيق قبل أن يستمتعوا بوجبة طعام خفيفة مكونة من عصير برتقال وحلوى صغيرة على شكل سمكات حمراء أو حلوى لذيذة بالشكولاته. وإذا منع ميشا من هذا كله، حينئذ ستكون الحياة بل الوجود بكامله بلا معنى. تخيل ابنه وقد أصبح رجلا يقف أمام مسؤول عن شركة مرموقة مختبرا معارفه في ميدان الحيوان والأشكال وفي موضوعات كثيرة من المفروض معرفتها بدقة. أوه، تلعثم ميشا وهو يرتعش. إنه مثلث لا، لا إنه مثمن. وهذا، أرنب أوه، لا، أعتذر. إنه كنغر. وكلمات بيرويت، كاوكاويت؟ سأل المسؤول. هنا، عند سميث بارني، المسؤولون جميعهم يحفظونها عن ظهر قلب. لكي أكون نزيها، سيدي الرئيس المدير العام، لم أحفظ جيدا أبدا هذا النشيد. ولأن مقدم الطلب اضطر للاعتراف، فإن رسالة التحفيز وجدت طريقها إلى القمامة. وعلى مدى الأيام التي تلت الرفض. فقدت أنا إيفانوفيتش نشاطها وأخذت تتشاجر مع المربية متهمة إياها بفرش أسنان ميشا أفقيا وليس من الأسفل إلى الأعلى. توقفت عن تناول الطعام في وقته وأخذت تبكي عند طبيبها النفسي: «لا بد أني خرقت الشريعة كي يحدث لنا شيء كهذا. تأوهت. لا بد أني ارتكبت خطيئة معينة...» اعتقدت أن حافلة هامبتون حاولت دهسها، وعندما ألغي حساب الامتياز خاصتها لدى أرماني دون سبب معقول. انسحبت داخل غرفتها. وفي الوقت الذي بدت فيه الوضعية مأزومة هاتف بوريس إيفانوفيتش صديقا محاميا كي يخبره أن هناك بصيصا من الأمل. اقترح عليه أن يتناولا الغداء في مطعم السيرك. وصل بوريس إيفانوفيتش متنكرا لأن المرفق منع من دخوله منذ أن أعلن على العموم قرار الحضانة الرافض لابنه. هناك شخص يدعى فيودورفيتش قال شامسكي ملتهما طابق القشدة المحلاة بملعقة كبيرة. يمكنه أن يضمن لصبيك مقابلة ثانية. وبالمقابل ستزوده سراب معلومات فقط عن بعض الشركات التي ستعرف أسهمها صعودا أو نزولا في البورصة. لكن إفشاء الأسرار يعتبر جرما! تعجب بوريس إيفنوفيتش. نعم إذا خضعت للقوانين الفدرالية. عقب شامسكي. معلومة واحدة ستساعد على قبول ابنك في حضانة مرموقة. وبطبيعة الحال ستكون هبة منك محل تقدير أيضا. ليس هناك ما يريب أؤكد لك ذلك. أعلم أنهم يبحثون عن شخص يدفع لهم فاتورة الملحقة الجديدة. في هذا الوقت بالذات تعرف أحد الندل على بوريس إيفنوفيتش رغم أنفه المزيف وباروكته، فانقض عليه المستخدمون واقتادوه قسرا خارج المطعم. هكذا إذن! توعده صاحب الفندق. تعتقد أن بهذا يمكنك التلاعب بحرصنا. أخرج! أوه، بخصوص ابنك فنحن نعلم مستقبله جيدا. اعلم أننا ما زلنا نبحث عن مساعد للندل. في ذلك المساء. أخبر بوريس إيفانوفيتش في البيت زوجته أنه أصبح من اللازم بيع بيت «أمنغانست»، لجمع المبلغ الضروري لتقديم الهبة. ماذا تقول يا عزيزي ؟ بيتنا في القرية؟ صاحت «أنا» كبرنا في هذا المنزل، أنا وأخواتي. كان من حقنا كي نذهب إلى الشاطئ أن نخترق مطبخ جيراننا. أراني رفقة عائلتي نتدحرج بين رمال شيريوس قبل أن نهرول للغطس في المحيط. القدر أراد أن تموت فجأة سمكة «ميشا» ذلك الصباح، وفي الوقت الذي تحدد فيه موعد مقابلته الاستدراكية. لم تكن هناك علامات قبل الحادث، لأن سمكة الأكوريوم لم تكن مريضة، ففحوصاتها الطبية الأخيرة كانت حسنة. بطبيعة الحال، فالفتى كان حزينا. وخلال المقابلة امتنع عن ملامسة الأدوات المدرسية. وعندما سئل عن عمره. أجاب بفظاظة: «وفيما يعنيك هذا أيها السمين؟» فرسب من جديد. أصبح بوريس إيفانوفيتش وأنّا بلا مدخرات مالية، فاستقروا في ملجأ للذين بدون مأوى. صادفوا عائلات عديدة هي أيضا رفض أبناؤها من دخول مدارس النخبة. ويحدث أن يتقاسموا الطعام فيما بينهم، ويتبادلوا بحنين ذكريات ركوب الطائرات الخاصة وقضاء الشتاء بمار ألارغو. اكتشف بوريس إيفانوفيتش وجود أشخاص أكثر تعاسة منه، أناس بسطاء طردوا من السكن المشترك بسبب دخلهم القليل. كان هناك جمال على وجوه هؤلاء الأشخاص المسحوقين بالآلام. «الآن أصبحت أومن بشيء. قال لزوجته ذات يوم جميل. أعتقد أن للحياة معنى وأن الناس جميعهم، أغنياء وفقراء، حتما سينتهي بهم الأمر للإقامة بعيدا، لأن مانهاتن أصبحت لا تطاق. القصة القصيرة المقبلة: (الوشاح) لأندريه شديد