لم يهدأ الخلاف المحتدم حول تأثيرات الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» على واقع الرواية العربية، وحقل الأدب إجمالا، بين المؤيدين والمعارضين لها، بل إنه آخذ في اكتساب المزيد من الحدة التي تباعد بين مواقف الطرفين من الجائزة منذ انطلاقتها عام 2007م وحتى نهايات الدورة الحالية، والتي سيعلن عن الفائز بها مساء الثلاثاء المقبل، حول ذلك، اعتبر الروائي عبده خال في حواره مع «عكاظ» أن اتهام البوكر بأنها أغرت بالرواية الكتاب غير الروائيين، بأنه لا يعد عيبا، بل ميزة تحسب للبوكر في تحريك الراكد والتشجيع على التجريب، موضحا أن تجربة كتابة الرواية مجهدة وشاقة للغاية، ومن يخوضها من أجل أن يحصل على جائزة فسيجرب لمرة أو مرتين على الأكثر ثم يتوقف، ولفت إلى أن الروائي الحقيقي ينكب على إكمال مشروعه الروائي من منطلق عشقه لكتابة الرواية، دون تأثير للجوائز، فإلى تفاصيل الحوار: هناك من يعتقد أن جائزة البوكر أضرت بالأدب والرواية وأغرت بكتابتها من يفتقرون إلى الوعي بتقاليدها من الشعراء والباحثين السياسيين وحتى الفضوليين من الكتاب.. فما رأيك؟ هذا السؤال يذكرني بحراس الأمن الذين يقفون أمام الأبنية التي تكون مقصدا لأي تجمع إنساني، ويقومون بالسماح للأشخاص الذين يحملون بطاقات دعوة بالدخول، وحرمان الآخرين الذين لا يحملونها. الكتابة يا صديقي تنهض على شرط الحرية، ومن وجد في نفسه المقدرة على الكتابة فمن حقه أن يكتب، واتهام جائزة البوكر من هذه الناحية بأنها أضعفت فن الرواية من خلال استقطاب الكتاب لكتابتها لا يعد عيبا أبدا، بل إنني أعتبر هذه التهمة ميزة؛ لأن البوكر حركت الراكد وشجعت الجميع على كتابة الرواية، ولا سيما أن تاريخ الأدب العالمي حافل بالكثير من الأعمال الروائية العظيمة التي لم يكن أصحابها روائيين، مثل هنري شاريير الذي كتب رواية «الفراشة» التي حققت نجاحا عظيما، وكون الرواية قابلة للكتابة من قبل أطياف المبدعين والكتاب، فهذه ميزة، وذلك حقهم، وعلينا ألا نتحول إلى حراس جائرين يمنعون الآخرين من دخول «جنة الرواية» أو طردهم منها، وأود أن أضيف إلى ما ذكرت مسألة مهمة هي أن تجربة كتابة الرواية مجهدة وشاقة للغاية، ومن يخوضها من أجل أن يحصل على جائزة فسيجرب في المرة الأولى ولن يعيدها كرة أخرى؛ لأن الكتابة تتطلب الأخذ بالشروط الأساسية لكتابة الرواية في إخراج عمل مغاير تتوفر فيه خاصية الكشف عن عوالم روحية غير مطروقة، وهذا لا يتاح لمن يريد، لمجرد توفر الرغبة لديه فقط، وهذا ما أكدته تجارب الكثير ممن طمعوا في الحصول على الجائزة ولم يظفروا بها، فجميع هؤلاء توقفوا عن كتابة الرواية عقب التجربة الأولى أو بعد المرة الثانية على الأكثر، أما الروائي الحقيقي فلديه دائما مشروعه الروائي وهو لا يتوقف عن إكماله، سواء حصل على الجائزة أم لم يحصل عليها، الروائي البرازيلي العظيم جورجي أمادو لم يحصل على نوبل للآداب، ورغم ذلك فروياته خالدة وتنفتح على عوالم إبداعية رائعة، وكذلك هنري شاريير كاتب رواية «الفراشة» خرج من سجنه ليكتب رواية ولم يكن مصنفا قبلها ضمن الروائيين المرموقين أو المشهورين، إذن القضية برمتها تكمن في ألا نقف حراسا على بوابة عالم الرواية ونسمح لبعض الأشخاص بالدخول فيما نمنع الآخرين. تأسيس جوائز إضافية في إطار ما ذكرت، هل ترى أن تكالب الكتاب على المشاركة في جائزة البوكر، سواء كانوا روائيين أو غيره، مبرر من الناحية الإبداعية، حتى أن البعض لجأ إلى إنشاء دور نشر وهمية حتى يتمكن من المشاركة بأعماله؟ لو انتقلنا للجانب الاقتصادي وضربنا مثالا بسوق مزدهر أو مدينة اقتصادية ناجحة تتوفر فيها كافة المتطلبات التي يحتاجها الإنسان وتحظى بكثافة شديدة في الإقبال من قبل المتسوقين، ألا يصبح من العدل في هذه الحالة أن يسمح للجميع بتقديم بضاعته، وأن يحظوا بفرص متساوية في هذا الشأن دون فرز أو تصنيف أو تحسب لشيء، ذلك لأن البضاعة الجيدة هي التي تفرض نفسها في النهاية وتحظى بالإقبال عليها، انطلاقا من ذلك وبناء عليه أيضا لا أتصور أن المسؤولين عن جائزة البوكر للرواية يمكن أن يمنحوا الجائزة لعمل رديء، ويعطوه الفرصة بأن يتقدم على عمل جيد، لذلك ليس لدي مانع أن يزدهر مضمار التقدم للبوكر وعلى النقيض مما يرى الآخرون، أعتقد أن التكالب على الجائزة من قبل الكتاب يعطي مؤشرا قويا على حاجة الرواية العربية إلى تأسيس جوائز أخرى ومتعددة، إذا أردنا أن نسهم في ازدهار الرواية العربية، خصوصا أننا كعرب نمثل اثنتين وعشرين دولة عربية، وكل منها تمتلك من المواهب ما تستطيع أن تبهر به الآخرين في طرق عوالم إبداعية جديدة، وأعتقد أننا في سياق البعد الاقتصادي واتفاق وزراء الثقافة العرب في أحد لقاءاتهم السابقة بأن الثقافة سلعة يجب تصديرها، وإذا صدقوا في تبني هذا البعد الاقتصادي للثقافة، فمن الواجب أن تتعدد الجوائز الثقافية المرموقة، حتى تتسنى المقدرة على التسويق لهذه السلعة، مادام قد استقر رأيهم على أن تصبح سلعة. مكابدات الكتابة وهل يقف تأثير البوكر عند دورها كمحفز على كتابة الرواية كما ترى، أم قد يتعدى تأثيرها ليطال علاقة الروائي بالرواية ذاتها؟ وهل يمكن للبوكر أن تخلق روائيا في حالة ارتقاء عمله الأول إلى مصاف أعمال القائمتين الطويلة والقصيرة، كالصحفي المصري إبراهيم عيسى الذي استطاعت روايته «مولانا» الوصول إلى القائمة القصيرة العام الماضي، رغم أنها تعد العمل الأول بالنسبة له في خوض غمار كتابة الرواية؟ هذا السؤال يدفعني إلى إعادة التأكيد على أن الروائي عبارة عن مشروع روائي ضخم لا ينتهي بعمل روائي واحد أو عدة أعمال، أو يمكن يبدأ من الفوز بجائزة أو يستكمل بفضل الفوز بها، فالروائي الحقيقي يظل مشغولا بتلك العوالم التي تسكنه ويستهلك وقته وعمره كله في التعبير عنها، ويتجشم في سبيل كتابتها مكابدات ذهنية ونفسية وعصبية هائلة، وبناء على ذلك، فالعلاقة بين الروائي والرواية تنبع من عشق الروائي كتابة الرواية وليست علاقة طارئة للحصول على جائزة البوكر، وأكرر أن من يكتب لأجل أن يحصل على جائزة فلن يكون كاتبا روائيا، وسؤالك يفترض ضمن إيحاءاته أن هناك من فاز بالجائزة أو اقترب من الفوز، دون أن يكون روائيا في الواقع، ونتائج الجائزة خلال الأعوام الماضية لم تؤكد هذه المقولة، وإنما أسهمت في تقديم أسماء روائية، وآخر الأسماء التي جرى تقديمها الروائي الكويتي سعود السنعوسي الذي فاز بالجائزة العام الماضي عن روايته «ساق البامبو»، لكن المعروف عن السنعوسي اهتمامه بالسرد قبل حصوله على الجائزة، رغم ذلك أشير إلى أنه لو فاز أحد بجائزة البوكر من أول عمل يكتبه، فهذا لا يعني أنه روائي، وخلاصة القول في هذه الصدد أن الحكم لا يكون بحسب التصنيف السابق للكتابة، وإنما فيما كتب وبناء على تحقيقه للمتعة الروائية في القراءة. دوائر الظلال والضوء في ضوء فوزك بجائزة البوكر، هل تذكر لنا تأثيراتها على علاقتك بالرواية؟ فوزي بالبوكر سلط الأضواء على اسمي، ودفع بالكثيرين إلى مراجعة تاريخي الروائي المكتوب، ودفع برواياتي السبع التي ألفتها قبل الفوز إلى الخروج من مناطق الظلال إلى دائرة الضوء، أما بالنسبة لتأثير الجائزة على شخصي فأؤكد أنني لم أسلب من قبل البوكر، وأنفي أنها قد تكون قد شجعتني إلى التفكير في نيل جوائز أخرى، وهي في الحقيقة أثقلتني بالخشية من الأضواء الساطعة التي سلطتها على اسمي وعلى أعمالي، فقبل الجائزة كنت أكتب متحررا من الشعور بوجود عيون تحدق فيما أكتب، وعقب الفوز بالجائزة أصبحت هناك عيون تتربص بي من اتجاهات مختلفة، ولأنني عاشق لكتابة الرواية أردت أن أكتب عن هذا التربص في «لوعة الغاوية» عقب الفوز بجائزة البوكر بثلاث سنوات، وأجزم دائما أن الكتابة حالة عشق متبادلة بين الكاتب وما يكتبه لا تؤثر فيها نشوة الفوز بالجوائز، فالكتابة عشق وتوهج، ومتى انطفأ هذا التوهج عليك أن تتوقف من تلقاء نفسك، والنصيحة التي أسديها دائما أن «من يريد الحصول على جائزة فعليه ألا يكتب». الخيول الرابحة ما توقعاتك للفائز بالبوكر هذا العام؟ دعني أفصح لك عن موقفي من قضية التوقعات، والذي أعارض فيه الاعتقاد الخاطئ للكثيرين الذين يرون أنه يمكن التنبؤ بالفائز بجائزة البوكر. هذه الصورة المادية لا يمكن تطبيقها في واقع الكتابة؛ لأن جائزة البوكر حملت لنا العديد من المفاجآت في تقديم أعمال روائيين لم يكونوا مدرجين ضمن المراهنات أو خيول السباق الرابحة. الفن حالة خلق فضاءات وعوالم جمالية مدهشة تجعل التوقع غير قابل لأن يكون ماديا، إذ أن لكل كاتب بصمة روحية قادرة على خلق ما لا يدركه الآخرون، وبناء على ذلك قد يخالف أحد الكتاب التوقعات بارتياد عوالم روحية لم يرتدها أحد من قبل ويصبح هو الفائز، والشواهد على ذلك كثيرة في قائمة الفائزين بالبوكر خلال السنوات الماضية.