ربما يعتقد البعض أن وزير الصحة القادم هو أكثر وزير صحة له مهمة واضحة في تاريخ المملكة، ولكن الاهتمام بالمشاكل العاجلة قد يكون سببا في انصراف نظره عن مهام أساسية طال تأجيلها، وهذه المشاكل «القديمة» هي - في واقع الأمر - السبب الحقيقي في المشاكل «العاجلة» التي يواجهها القطاع الصحي، ولذلك لا أرى بدا من الخوض في هذا الموضوع الذي قد يراه البعض بديهيا. ومن هذا المنطلق أعددت تصورا مبدئيا بعشرة مهام أساسية، لعلها تكون بدءا للنقاش: 1- إعداد دراسة صادقة ومستوفية بالوضع الصحي الحقيقي في المملكة: فمن المؤسف أنه بالرغم من المبالغ الطائلة التي أنفقتها الوزارة إلا أن الوضع الصحي لمختلف مناطق المملكة لا يزال غير محدد، وكل ما يحدث هو انتظار المشاكل والأوبئة والتعامل معها عندما تنشأ «Management By Crisis»، ولذلك لا بد من نظام متكامل للمعلومات والتخطيط داخل الوزارة، على أن يتم تحديث النظام بصفة منتظمة. 2- دراسة صادقة ومستوفية بأوضاع وزارة الصحة: الإدارية والمالية والطبية والتمريضية، إلخ... مع تحديد ميزانية وبرامج واقعية لكيفية تغطية جوانب القصور في مختلف الخدمات الصحية... وضرورة توزيع الميزانية بموجب الأولويات الحقيقية: الأوليات المبنية على احتياج المرضى، وليس على طموح المسؤولين.. مع إعداد خطة واقعية لكيفية تدريب الأطباء وغيرهم من الأخصائيين العاملين فى مجال الإدارة الصحية حتى يمكنهم تحمل المسؤولية الإدارية.. واختيار أفضل الكفاءات القيادية بدلا من الوضع الحالي. 3- بعد تحديد الأوضاع الصحية الحقيقية ودراسة أوضاع الوزارة فإن الخطوة التالية الطبيعية هي تحديد دور وزارة الصحة: هل وزارة الصحة مسؤولة أساسا عن الرعاية الأولية ؟ هل هي مسؤولة بصفة كاملة عن الرعاية الثانوية في المستشفيات ؟ هل هي مسؤولة أيضا عن الحالات المكلفة كزراعة الأعضاء والسرطانات حيث قد يكلف المريض الواحد عدة ملايين ؟ هل وزارة الصحة مسؤولة بصفة كاملة عن خدمات الطوارئ ؟ ماذا عن الخدمات الصحية أثناء الحج والمشاعر ؟ لا شك أن الوزارة لا تملك الإمكانات للقيام بكل ذلك.. وبالتالي لا بد من تحديد دور وزارة الصحة.. ولا بد من وجود «رؤية» واضحة لما يجب على الوزارة القيام به، وبالتالي تكون هذه الرؤية أساس الأهداف التي تتبناها الوزارة والبرامج والخطط الصحية المختلفة.. ومن غير المقبول أنه - بعد كل هذا الزمن - لا يزال دور وزارة الصحة غير محدد.. 4- وضع إطار «خطة استراتيجية صحية» Strategic Health Care Plan للمملكة توضح فيها الأهداف العامة، مع ترك قدر من المرونة لكل منطقة للتعامل بموجب احتياجاتها قد تختلف عن المناطق الأخرى.. على أن يتم التنسيق بين القطاعات الحكومية المختلفة، وضرورة التنسيق مع القطاع الخاص. 5- يتبع ذلك إعداد خطة سنوية Annual Plan للوزارة يتم تقييم مدى نجاحها بصفة دورية وإصلاح مواطن الخلل فيها بدون تردد، سواء كان الخلل في التنفيذ أو في الخطة ذاتها. 6- قبل ذلك لا بد من مراجعة الخطط الصحية السابقة ودراسة جوانب نجاحها والسبب في ذلك النجاح.. وبالمثل: دراسة جوانب فشل الخطط السابقة وأسباب ذلك الفشل. 7- الحد من مركزية القرار في الوزارة ... وإعطاء قدر من المرونة للمديرين في مختلف القطاعات حتى يمكنهم مواجهة المشاكل بفعالية بدلا من الاعتماد على بيروقراطية عقيمة.. وضرورة تقديم مختلف الحوافز للمتميزين ورفع معنويات العاملين بدلا من الإحباط المستمر الذى يعيشونه. 8- إطفاء الحرائق: تقديم حلول واقعية للمشاكل العاجلة بناء على الإمكانات المتاحة، ولعل أول الحرائق التي يجب إطفاؤها هو قضية انتشار فيرس الكورونا. 9- تطوير قطاعات وزارة الصحة المهملة وإن كانت غاية الأهمية، لكنها منسية لأنه ليس لها «البريق» الكافي: كالرعاية الأولية والتخطيط والطب الوقائي والتوعية الصحية وتحسين الصحة Health Promotion، إلخ... مع ضرورة توفير ميزانية واقعية لهذه القطاعات حتى تقوم بمهامها. 10- الوضوح ثم الوضوح فلا بد من بناء ثقة بين وزارة الصحة وبين المواطنين حتى تنجح برامج الوزارة.. هذا مجرد تصور مبدئي .. ونتمنى للوزير القادم كل التوفيق.