(حمار وحلى)، هذه الجملة متبوعة بطعنة سكين نافذة تعيد إلى الأذهان مشهد (أبو ملعقة) إلا أنها في جسد بطيخة ساحلية ريانة، أو خبطة بالكف يحسم صداها ترددك بشأن نضج تلك البطيخة، تلك هي آلية التسويق القديمة والوحيدة التي يحسنها معظم بائعي الحبحب في المنطقة الساحلية بين جدة والقنفذة الذين يناضلون هذه الأيام لتصريف محصولهم السنوي الذي جنوه عقب موسم الأمطار الأخير قبل أن يدركه التلف، أو أن يحبط الكساد كعادته في كل عام آمالهم بتعويض خسائرهم وتحقيق ربح يوازي جهدهم الوافر في أيام خلت. فعلى ضفاف الطريق الساحلي بين جدة والقنفذة وتحديدا في مناطق (حفار، والوسقة، والشواق، والليث) تبزغ كل عام عقب موسم الأمطار مساحات شاسعة من مزارع الحبحب الموسمية والمعتمدة كليا على هطول المطر ووفرته، وغالبا ما تنتج تلك المساحات محصولا كبيرا وبجودة عالية، إلا أن جودة المحصول ووفرته لا تكفي لتحقيق عائد يرضي آمال المزارعين هناك، إذ الأسواق المحلية في تلك المناطق لا تستوعب كل تلك الكميات من الحبحب، ووفرته تؤدي إلى تدني ثمنه بشكل كبير، وأبعد نقطة يمكن أن يصل إليها مزارع بسيط من أهل تلك المناطق، وبإمكاناته المتواضعة لا تتجاوز أسواق جدة أو مكة أو الباحة، إذ لا يكون الوضع هناك أفضل في ظل كثرة الموردين وتنوع الجهات، مثلما أن تكلفة الشحن إلى مدن ومناطق أبعد تكون كبيرة وعوائد البيع لا تكفي لتغطية تلك النفقات وتحقيق ربح جيد بعدها، فضلا عن أن البطيخ سلعة قصيرة العمر ولا تحتمل كثرة التخزين أو الانتظار . وبالتالي يجد المزارع الساحلي نفسه مضطرا لتصريف محصوله بثمن بخس، أو حتى توزيعه مجانا محتسبا جهده وخسارته، والغريب أن ذلك لا يثنيه أن يعيد التجربة في عام قادم مؤملا أن يكون الحال أفضل من سابقه، أو لاعتبارات اجتماعية معروفة هناك لا يحسن معها الزارع أن يمتنع عن زراعة أرضه حين يرى كل من حوله يزرعون ! وأعتقد هنا أن فروع وزارة الزراعة في المنطقة والتي لا يعرف عنها أكثر أهل الديار إلا أنها الجهة التي تمنح (الحراثات) لأصحاب المزارع، و(التطعيمات) لأصحاب المواشي، أعتقد أنه ينبغي لها الإسهام ولو بجهد ضئيل في توعية المزارعين بأهمية تنوع المحاصيل، والبدائل الأخرى الأكثر جدوى وربحية من الحبحب، أو اقتراح آليات تسويق مناسبة سوى جملة (حمار وحلى) أو طعنات السكاكين، أو حتى الأغنيات على غرار (يا عم هب لي حبحبة من بلادك) !