ساهم التطور الكبير في المجتمع من حيث الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أن تتدخل جهة الإدارة في معظم مناحي الحياة العامة بغرض إحداث التطور الإداري لتنظيم معاملات الأفراد ولذلك منحت جهة الإدارة عدة صلاحيات تجعلها أقدر على اختيار الوسائل والحلول المناسبة للتدخل واتخاذ القرار الملائم في ظروف معينة، ضرورة لحسن سير العملية الإدارية وتحقيق غايتها والهدف الذي أنشئت من أجله وإن من بين أهم تلك الصلاحيات التي تتمتع بها جهة الإدارة هي سلطة اتخاذ القرارات المطلقة أو المقيدة، والمقيدة هي التي تطلق على القرارات التي يحددها النظام بحيث لا يكون لها الحرية في الامتناع عن اتخاذ القرار أو اتخاذ قرار آخر وفي حالات أخرى لا يفرض القانون على الإدارة تصرفا معينا إزاء وضع ما فتكون حرة في اتخاذ القرار وهي ما يطلق عليها «السلطة التقديرية».. ومفهوم السلطة التقديرية هي حرية الإدارة في اتخاذ بعض القرارات أو الامتناع عنها، وحرية اختيار الوقت الذي تراه مناسبا لإصداره، ومادام القانون لم يحدد للإدارة في ظروف معينة التصرف بطريقة معينة، فيكون لها حالة إصدارها للقرار أن تزن وحدها ملاءمة قراراتها مع مراعاة المصلحة العامة والظروف والملابسات الخاصة بكل قرار والهدف والغاية من إصداره. وقد منح المشرع لجهة الإدارة السلطة التقديرية في اتخاذ بعض القرارات شعوراً منه بأنها أقدر على اختيار الوقت المناسب للتدخل واتخاذ القرار الملائم في ظروف معينة، وأنه مهما حاول لا يستطيع أن يتصور الحالات جميعها التي قد تطرأ في العمل الإداري ويرسم الحلول المناسبة لها، ويضع لها نصوصا لا يمكن مخالفتها. منح جهة الإدارة السلطة التقديرية في اتخاذ القرارات من ضروريات الحياة الإدارية ومقتضيات العمل، تسهيلاً على الأفراد والمجتمع وحسن سير المرفق بانتظام واطراد بحيث لا تتوقف الجهة الإدارية لعدم قدرتها على اتخاذ قرار ما، لأن المشرع عندما يضع قواعد فإنها تكون عامة ومجردة وليس لكل حالة على حدة، فلا يستطيع أن يتنبأ بجميع الحالات الخاصة التي تحكمها هذه القواعد، فلذلك يجب أن يترك للإدارة معالجة الحالات المستحدثة لديها، ولكن يجب أن يكون استخدام السلطة التقديرية مقيدا بضوابط وشروط، وهي أن تحقق الهدف الذي منحت من أجله جهة الإدارة سلطة تقدير إصدار قراراتها وهو المحافظة على المصلحة العامة، أساس التقيد لكافة القرارات التي تصدرها الإدارة فمتى انحرف القرار عن المصلحة العامة عد القرار معيبا يجب إلغاؤه. لأن من أبرز الآثار السلبية للسلطة التقديرية وإمكانية استغلالها إذا انحرفت السلطة في القرار بحيث يكون إذا تنكبت الإدارة وجه المصلحة العامة التي يجب أن يبتغيها القرار أو أن تكون الإدارة قد أصدرت القرار بباعث لا يمت لتلك المصلحة. ولكن يمكن أن تتم عملية ضبط القرارات سواء (مالياً أو إدارياً) لمنعها من التحول إلى سلطة تعسفية عن طريق الرقابة القضائية والقانونية من خلال هيئة مكافحة الفساد بمراجعة الأنظمة واللوائح والتعليمات وسد الثغرات التي يمكن أن يأتي الفساد من خلالها.