يأتي حرص قيادة بلادنا بحقوق المواطنين ومن يقيم بها وعلى رأسهم الرجل الإصلاحي الكبير عبدالله بن عبدالعزيز -حفظة الله- استكمالا لوتيرة التطور التدريجي المدروس بعناية وعمق وبما يتوافق مع طبيعة ومرتكزات وثوابت الدين الإسلامي العظيم وطبيعة ومسارات المجتمع ولعل سرعة البت في التعديلات على أهم الأنظمة الإجرائية في كافة الأنظمة العالمية والتي تتعلق بجوهر حقوق الإنسان ليؤكد حرص القيادة على تجسيد العدل كأساس للحكم. فترتيب إجراءات الدعاوى الجنائية والمدنية والمظالم في شكل نصوص واضحة وصريحة بداية من تحريك الدعوى وحتى صدور الحكم القطعي البات، كل ذلك من شأنه كفالة حقوق الأفراد وحرياتهم لعلمهم المسبق بالإجراءات الواجب اتباعها عند صدور مظلمة ضدهم أو حكم يرونه متعسفا، علاوة على ذلك فتلك الأنظمة الإجرائية – نظام المرافعات أمام المحاكم الإدارية ونظام الإجراءات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية – تحتوي على كافة تفصيلات حقوق الأفراد تجاه رجال الضبط الجنائي والتحقيق والادعاء – القضاء الواقف – وكذلك تجاه المحاكم الإدارية والشرعية واللجان والمحاكم المتخصصة. إن الاهتمام بوضع حقوق الإنسان في بلادنا من قبل المهتمين في الحكومة ومن رجال القانون والفقهاء أمر جاد ومستمر بهدف الوصول لوضوح القوانين والإجراءات العقابية وتجديدها وتحديدا في الشق الجنائي المتعلق باهتمام كافة أفراد المجتمع.. إن الهدف الجوهري للإجراءات الجنائية هو صيانة وحماية جملة الحقوق التي تعترف بها القوانين الوطنية والمواثيق الدولية للإنسان من حيث كونه إنسانا. فمنذ أن حرم الأفراد سلطة إقامة قضاء خاص، وحرم المجني عليه من حقه في الانتقام الفردي، أخذت الدولة على عاتقها الالتزام بإقامة العدالة في المجتمع وحسن توزيعها على المواطنين، وهو التزام ليس للدولة الوفاء به إذا لم تعمل على إعطاء الحقوق المقررة قانونا للأفراد له الفاعلية والنفاذ عملا وليس بمجرد صياغة القوانين دون تطبيق على أرض الواقع. وبتطبيق إجراءات القبض والتوقيف الاحتياطي والحكم بشكل سليم وقانوني ووفقا لما تحتويه الأنظمة المشار لها وتمكين المتهم من الدفاع عن نفسه وتوفير الدولة محام للمتهم غير القادر ماليا في القضايا الكبيرة وغير ذلك من الضمانات الإجرائية من شأنه تأكيد سيادة حكم القانون مما يجعل جهات الضبط الجنائي والقضائية (قضاء ادعاء وحكم) تلتزم بقواعد آمرة سندها النظام لا غيره فلا مكان بعد ذلك لاجتهاد فيما يمس حرية الإنسان. إن الباحث عن حقيقة مبدأ الشرعية الإجرائية والموضوعية وتطورها في الفكر الإسلامي والعالمي ووفقا للمبادئ والفلسفات والأيديولوجيات الإنسانية المعاصرة من رأسمالية ووجودية واشتراكية ولا دينية يجد أن عناصرها الأساسية ترتكز على مبدأ السيادة الوطنية، وسيادة حكم القانون، ومبدأ فصل السلطات، واستقلال القضاء وشرعية حقوق الإنسان ووفقا لذلك كانت أهمية وجود نصوص واضحة لا لبس فيها في الإجراء وموضوع الدعوى والحكم مع اعتبار وجوب احترام كل مجتمع لطبيعة وثوابت الآخر واستقلالية الممارسة وفقا لذلك. الشرعية القانونية الإجرائية و الدولة الحديثة تقوم السلطة السياسية في الدول الحديثة والقانونية بمهمة الدولة في أداء وممارسة وظائفها الداخلية والخارجية باعتبارها أهم أداة في الدولة، ويتم تفعيل ذلك العمل عن طريق ثلاث هيئات جوهرية هي الهيئة التشريعية والتي لها سلطة إصدار القواعد القانونية الملزمة في نطاق الدولة والهيئة التنفيذية والتي تتولى تنفيذ ما يصدر عن السلطة التشريعية من قواعد قانونية، والهيئة القضائية والتي تتولى الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد أو بينهم وبين باقي الهيئات، ولهدف تنظيم وتنسيق قانونية عمل هذه الهيئات الثلاث وبما يتفق مع القواعد القانونية الدستورية العالمية أيا كان مصدرها سواء أكان دستوريا أو تشريعا عاديا ومن أجل تحقيق كافة وظائف الدولة الأخرى من أمن ودفاع وصحة عامة وكل ما يتعلق برفاهية أفراد المجتمع كان لا بد من ضمان عدم تداخل واندماج هذه الهيئات في أعمالها، وبالتالي تفعيل (مبدأ الفصل بين السلطات)، الذي تعد الشرعية فيه ركيزة أساسية تتمثل بالتلازم بين أعمال هذه الهيئات وبين القوانين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ومنها الجنائية مع الأخذ في الاعتبار أهمية الموازنة بين حدود الحرية والمصلحة العامة للمجتمع. ويعتبر الجانب الجنائي في شقيه الإجرائي كجزء من التنظيم الموضوعي والمتمثل بتجريم الأفعال والمعاقبة عليها من أخطر الوسائل التي تمارسها السلطة السياسية في الدولة وذلك لمساس التجريم والعقاب بحريات الأفراد مساسا ملحوظا، وبغية توضيح أساس التجريم والعقاب والمنطلق الذي يحدد كل منهما وتأثير ذلك على حرية الأفراد وإيجاد ضمانة أكيدة لهذه الحريات برزت أهمية مبدأ الشرعية في إطار قانون حقوق الإنسان لما له من صلة وثيقة بالتجريم والعقاب، ولعل استقرار مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في مفاهيم الدولة المتحضرة، دعا على توكيده بينها ومن ثم وجد صداه في عديد من المواثيق الدولية، من بينها الفقرة الأخيرة من المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والفقرة الأولى من المادة 15 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والمادة 7 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان.. وتردد هذا المبدأ كذلك في الدساتير الدولية، يندرج تحتها ما تنص عليه المادة الثامنة والثلاثون من النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية الصادر برقم أ / 90 وتاريخ 27/8/1412ه والتي تقرر (العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نص نظامي ولا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي). وينطلق مفهوم الشرعية في الشريعة الإسلامية من الأحكام المنسوبة إلى شريعة الله سبحانه وتعالى وتكون الأحكام منسوبة إلى الله في إحدى صورتين: الأولى ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والثانية أن تكون الأحكام مستنبطة بطريق الاجتهاد وقد عرف الفقه الإسلامي الجنائي مبدأ شرعية التجريم والعقاب سواء بجرائم الحد وهي الحدود المقررة حقا لله، إذ ورد بشأن تحديدها نصوص كحد السرقة في قوله تعالى «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله» المائدة: 38، كما أن الشريعة الإسلامية عرفت مبدأ الشرعية في جرائم القصاص وهي المقدرة حقا للعباد فقط ووردت بشأنها نصوص محددة كقوله تعالى «وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون» المائدة: 45، كما عرفت الشريعة الإسلامية مبدأ الشرعية في جرائم التعازير وهي الجرائم المعاقب عليها عن طريق ولي الأمر في صورة قوانين للمستجدات من الحوادث والأحكام وفيما لم يرد فيها نص من القرآن أو السنة فسلطة القاضي التقديرية وفق ضوابط فقهية هي من يحدد ذلك، ومثال ذلك الأخذ بالسوابق القضائية ولعل الوضع التطويري لدينا يحتم استمرار إصدار قوانين للمستجدات من النوازل تفاديا لخلق تكييفات وتوصيفات مختلفة للوقائع وغير متناسقة مع العدالة. مبدأ الشرعية الجنائية والأنتقادات يكاد يجمع علماء القانون الجنائي على أن أي فعل لا يعد جريمة يوجب العقاب إلا إذا نص القانون على ذلك .. وهذا ثابت من تعريفات الفقهاء لهذا المبدأ .. فقد عرف عند من أطلق عليه مبدأ الشرعية أنه: (حصر مصادر التجريم والعقاب في نصوص القانون، فتحديد الأفعال التي تعد جرائم وبيان أركانها، وتحديد العقوبات المقررة لها سواء من حيث نوعها أو مقدارها كل ذلك من اختصاص الشارع)، ومؤدى هذا المبدأ أن على المشرع أن يحدد سلفاً ما يعتبر من الأفعال الصادرة عن الإنسان جريمة، فيحدد لكل جريمة أنموذجها القانوني كما يحدد لكل جريمة عقوبتها. وآخر اتجاه فقهي قانوني لمدلول مبدأ الشرعية ينسجم ويتلاءم مع التطورات الحديثة قرر أن يكون التجريم والعقاب بالحد الذي لا يؤدي إلى تعسف السلطة التشريعية في التجريم والعقاب وذلك حماية لمصلحة المجتمع وتقليل الفجوة التي يمكن أن تحصل بين القانون والمجتمع فقد يفرض المشرع قيمة أخلاقية لا تتفق وأخلاق المجتمع أو أن يحدد عقوبة لا تتناسب مع الجرم المرتكب فالمدلول التقليدي لمبدأ الشرعية أصبح لدى مؤيدي هذا الاتجاه غير متفق مع الفكر الديمقراطي الحديث للشرعية وإنما يجب تكملته لكي يكون معبرا بصدق عن مصالح المجتمع الذي سوف يطبق فيه. وعلى الرغم من أن المبدأ يعد من المبادئ الدستورية المتفق عليها إلا أنه كان محلا للجدل الفقهي القانوني حول تقديره باعتباره أحد المبادئ الأساسية في التشريعات الجنائية إذ لم يسلم هذا المبدأ من النقد الذي تمثل فيما يلي: 1- يؤدي هذا المبدأ بالتشريع الجنائي إلى العجز عن مواجهة تطور الحياة وتغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية لأن المشرع عند صياغة النصوص المتضمنة للتجريم والمقررة للعقاب لا يمكن أن يحيط سلفا بكل ما قد تتمخض عنه ظروف الحياة الاجتماعية وهذا من شأنه الإضرار بالجماعة. 2- تعارض المبدأ مع نظام تفريد العقاب، إذ يعاب على المبدأ أنه يفترض الجريمة كياناً قانونياً متجرداً عن شخص مرتكبها ويحدد العقوبة وفق الأضرار المادية للجريمة لا وفق الخطورة الكامنة في شخص مرتكبها لأن المشرع يضع نصوصاً يحدد فيها العقوبة على قدر جسامة الجريمة وليس في وسعه أن يجعل العقوبة ملائمة لظروف مرتكبيها لأنه لا يعرف أشخاصهم ولا يستطيع العلم بظروفهم. 3- أن المبدأ لا يتفق مع الاتجاهات الدستورية الحديثة في تفويض السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية اختصاص إصدار قرارات لها قوة القانون. 4- مخالفة مبدأ الشرعية لمبادئ الأخلاق على أساس أن المشرع لا يمكنه أن يحصر جميع الأفعال المنافية للأخلاق على المستوى الفردي ليجرمها ويضع لكل منها عقوبة مناسبة، ولذلك رأى خصوم المبدأ وجوب التغلب على هذه العقبة عن طريق إباحة التجريم والعقاب بطريقة القياس فهذه الطريقة تطلق حرية القاضي في التجريم ضمن إطار الشريعة مما يضع في يده وسيلة لمجابهة الأعمال الجرمية التي يقدم على ارتكابها الأفراد إضرارا بالغير مستفيدين من غياب النص لتلافي العقوبة. 5- على الرغم من أن هذا المبدأ يوفر العدالة عندما يعلم الفرد مقدما أنه يرتكب فعل من الأفعال المعاقب عليها إلا أن هذا القول يعارض رأي من يذهب إلى حتمية الجرائم وعدم اختيار الفرد فيها لأن أصحاب هذا الرأي يرجعون وقوع الجريمة إلى أسباب وعوامل متى ما توافرت كان وقوعها حتميا، حيث يعتبر الجبريون السلوك الإنساني ظاهرة طبيعية نفسية وبدنية خاضعة لقوانين الطبيعة ومن ثم فهو نتيجة حتمية لتلك الظواهر فالجريمة وفقا لهذا المذهب ليست ثمرة حرية اختيار الفاعل إنما هي نتيجة لتفاعل عوامل ذاتية تنتمي لتكونه العقلي والنفسي والبدني وعوامل خارجية تنتمي للبيئة الاجتماعية. 6- قيل أيضا في انتقاد هذا المبدأ إنه لا يمكن لجميع الناس أن يطلعوا على العقوبات والجرائم المنصوص عليها في القانون حتى يتجنبوها، لذلك فإن هذا المبدأ لا يحقق المساواة بين الأفراد في المجتمع ولا يحقق العدالة. وفي مقابل هذه الانتقادات فقد تولى مؤيدو هذا المبدأ التصدي والرد عليها مضيفين إلى حججهم ما يؤيد ضرورة الأخذ به وقد تمثلت هذه الردود بالآتي: 1- القول إن هذا المبدأ يؤدي بالتشريع إلى الجمود والعجز نتيجة لثبات القواعد الجنائية بسببه قول مردود حيث يمكن مواجهة الحالات الجديدة المتطورة بواسطة التشريع دائما وملاحقة المستجدات. 2- لا تعارض بين مبدأ الشرعية وبين تفريد العقاب لاعتراف المشرع للقاضي بسلطة تقديرية يستطيع من خلالها أن يحدد عقوبة تتلاءم وظروف الجاني ومنها أن ينص القانون على عقوبات مختلفة مخيرا القاضي في تطبيق أي منها بما يلائم وظروف الجاني. 3 - إن مبدأ الشرعية يتفق مع الاتجاهات الدستورية الحديثة التي منحت للسلطة التنفيذية حق التشريع سواء بتفويض من السلطة التشريعية أو مباشرة منها في الظروف الاستثنائية. 4- يوفر المبدأ جملة من الأهداف فهو يقوم بكفالة حقوق الأفراد وحرياتهم لعلمهم المسبق بما هو مباح من الأفعال وما هو محظور عليهم وبذلك يمارسون حقوقهم وحرياتهم دون خوف من تعسف القضاة، كما أن المبدأ يحقق المصلحة العامة لأنه يؤدي إلى وحدة الأحكام الجنائية وتحقيق العدل والمساواة بين أفراد المجتمع، كما أنه يعد ضمانة للمجرمين إذ يمنع تعسف القاضي من إنزال عقوبة أشد من العقوبة المقررة وقت ارتكاب الجريمة. 5- إن القول بحتمية الجريمة وإنكار مبدأ حرية الاختيار كما سبق لدى الفاعل يقود إلى نتيجة خطرة أخرى مفادها أن لا محل لامتناع مسؤولية الفاعل إذا انتفت حرية الاختيار لديه طالما كان وجوده مبعث خطر على المجتمع فالمصاب بعاهة عقلية يكون مسؤولاً عن الخطورة الكامنة في شخصه وليس ما يميزه عن العاقل إلا الاختلاف في نوع التدبير الذي يتخذ قبل كل منهما وليس طبيعته فكلاهما في جميع الأحوال أهلا ومحلاً للمساءلة الجزائية، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فقد جرت التشريعات الجزائية على نحو يشبه الإنفاق فيما بينها على اعتبار أن مناط المسؤولية الجزائية هي الإدراك والإرادة وبهذا لم يعد للانتقاد السالف الذكر والذي وجه إلى مبدأ الشرعية بهذا الخصوص محلا. 6- إن هذا المبدأ يحقق العدل والمساواة بين جميع الأفراد حيث يجعلهم سواسية أمام القانون، لأن المشرع قد نص على التجريم والعقاب مسبقا وبطريقة عامة ومجردة دون أن يعلم سلفا على من سوف يطبق هذا النص في المستقبل وبهذا لا يكون هناك أي اعتبار لمن يخالف النص العقابي سواء من ناحية مركزه الاجتماعي أو صفته، كما أن القول إنه ليس في وسع جميع الأفراد أن يطلعوا على القانون وأن يفهموه مردود عليه أنه لو فرضنا وحدث ذلك ولم يتمكن البعض من العلم به ففي ظل غياب القانون أو بمعنى آخر عدم تطبيق المبدأ وعدم النص على الأفعال التي تعد جرائم والعقوبات التي توقع على من يأتيها يتعذر على جميع أفراد المجتمع في هذه الحالة العلم به وليس بعضهم ولا يخفى على أحد ما في ذلك من ضرر بالغ بحقوقهم وحرياتهم، كما أن الكثير من حسني النية قد يفاجأون بالعقاب على أفعال كانوا يضنوها مباحة، فضلا عن ذلك أن هناك قاعدة قانونية تنص عليها معظم القوانين قوامها أن الجهل بالقانون لا يعتبر عذراً إلا في حالة القوة القاهرة. هذا وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت لهذا المبدأ فقد اتفق أغلب الفقهاء القانونيين ومنظمات حقوق الإنسان على ضرورة بقائه في قانون العقوبات، وقد ورد التأكيد على ذلك في العديد من المؤتمرات الدولية كمؤتمر جمعية قانون العقوبات الدولية المنعقد في باريس عام 1936 ومؤتمر جمعية القانون المنعقد في لاهاي عام 1937 كما أكد على ذلك المؤتمر الدولي الرابع للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة المنعقد في ميلانو عام 1956م إذ جاء في قراراته (أن الروح الحقيقية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة يجب أن تتجلى في الأهمية الكبرى التي تعلقها على وسائل الوقاية من الجريمة، وأن أعمال الوقاية لا يمكن ممارستها إلا مع الاحترام التام للكرامة الإنسانية وذلك بالتمسك التام بمبدأ قانونية الجرائم والعقوبات وفي إقامة الضمانات التي من شأنها أن تؤمن حقوق الفرد بصورة عملية). من كل هذا يتضح ضرورة بقاء هذا المبدأ باعتباره مبدأ قانونيا ودستوريا كما رأينا بل وعلاوة على ما تقدم فقد جاء النص عليه في المادة (11) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/9/1948 التي نصت على أن: «كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يثبت ارتكابه لها قانونا في محاكمة علنية تكون قد وفرت له جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه ولا يدان أي شخص بجريمة بسبب أي عمل لم يكن في حينه يشكل جرما بمقتضى القانون الوطني أو الدولي، كما لا توقع عليه أي عقوبة أشد من تلك التي كانت سارية في الوقت الذي ارتكب فيه الفعل الجرمي» ... وفي عام 1966 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي عدت سارية المفعول في عام 1967 حيث نصت في المادة (9) منها «لا يجوز القبض على أحد أو حبسه بشكل تعسفي كما لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا على أساس من القانون وطبقا للإجراءات المقررة فيه». إن مبدأ الشرعية القانونية أصبح دولياً بالنص عليه في هذه الاتفاقية لأنها ملزمة لكافة الدول الأعضاء في الأممالمتحدة، كما أنه لضمان تطبيق مضمون مبدأ شرعية التجريم والعقاب ونتائجه في المملكة فإن الأمر يقتضي لإكمال العمل الإجرائي المبدع المتجدد أن يتم التفكير والعمل لإصدار قانون موضوعي يوافق واقعنا وذلك لكفالة حقوق الأفراد وحرياتهم وذلك عند المسبق بما هو مباح من الأفعال وما هو محظور عليهم وبذلك يمارسون حقوقهم وحرياتهم دون خوف أو رهبة، كما أن المبدأ يحقق المصلحة العامة لأنه يؤدي إلى وحدة الأحكام الجنائية وتحقيق العدل والمساواة بين أفراد المجتمع، كما أنه يعد ضمانة للمجرمين إذ يمنع تعسف القاضي من إنزال عقوبة أشد من العقوبة المقررة وقت ارتكاب الجريمة. وليثق الجميع أن ما يحدث في بلادنا من قفزات نوعية في مجال الإجراءات العدلية وحقوق الإنسان وما يحفظ مقدرات المجتمع والأجيال القادمة منبعها داخلي بحت هدفه سيادة الحق والقانون للجميع ولا مكان لدولة بحجم بلدنا العظيم أن يكون تطورها في أي مجال كان ردات فعل لما يحدث من انتقاد غير منصف ومسيس من بعض الكتاب الغربيين المعاصرين والمنظمات الحقوقية، وعلى من أراد الحق منهم- وهم كثر كما رأيت في بعض المؤتمرات العالمية- الفهم الدقيق للمستجدات الواقعة في المملكة والعلم بحقيقة وجوهر وأهداف ومنطلقات فقه الواقع الإسلامي في التجريم والعقاب وصلاحيته لكل زمان ومكان، وكذلك التمعن في اختلاف الفلسفات الفكرية حول مبدأ الشرعية بمفهومه الحياتي الواسع وعبر مختلف الثقافات، أما من انطلق منهم من توجهات سياسية وتحكم فليس مجالنا الاهتمام به فالعلم والحق وتطور مجتمعنا هو هدفنا ومقصدنا الذي ندين الله به في الدنيا والآخرة وفق الله بلدنا العزيز وأهله لكل خير وأدام وحدتنا وعزتنا. باحث في مجال حقوق الإنسان والعدالة الإنسانية