معاناة تكبدها أب ظل يبحث عن تشخيص دقيق لحالة ابنه التي استدعته لأن يزور عدة مستشفيات، وينفض جيوبه في كل زيارة للكشف والتحاليل والأشعات الطبية، والمحصلة بعد رحلة العناء الطويلة، نصائح واستغلال وضرورة إجراء عملية جراحية. قصة هذا الأب المكلوم ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إذ لاحظ على ابنه العاشق للكرة عدم قدرته على مواصلة اللعب لأكثر من ربع ساعة، وتطور الوضع إلى صعوبة في الحركة مع وجود ألم شديد في الرجل، واعتقد في بادئ الأمر أنه شد عضلي أو إجهاد لصغر سن ابنه الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من العمر، لكن تطور الحالة دفعه لاصطحابه للمستشفى، إلا ان الطبيب لم يكلف نفسه إجراء الفحوصات اللازمة، واكتفى بصرف دهانات ومسكنات لم تجد نفعا في إعادة الحركة الطبيعية للطفل، واضطر للعودة للمستشفى وعمل تشخيص آخر ليخرج بنتيجة مغايرة (عيب خلقي في الركبة). دخل الأب مرحلة القلق على فلذة كبده واتجه لمستشفى آخر وعمل تشخيص جديد لتظهر نتيجة جديدة (عظم زيادة في الركبة)، وهكذا تعددت التشخيصات إلى أن وصل لأطباء توافقت نتائج الأشعات الدقيقة بوجود (ورم عظمي) وقرروا إجراء عملية استئصال له، واطمأن قلب الأب بأن الورم من النوع الحميد. باختصار، كل مريض يواجه معاناة مرضية يتنقل من مستشفى لآخر يحمل أشعات وتحاليل بحثا عن تشخيص دقيق وعلاج يزيل المرض الذي يعاني منه، لكن ما يحدث أن كل طبيب لا يقتنع بما يحمله صاحب الحالة من تقارير وأشعات وتحاليل عملها طبيب غيره، بل إن التعليمات التي تبلغ له من إدارة مستشفاه الخاص تستدعي أحيانا عمل كل تلك التحاليل والفحوصات في نفس المستشفى، يعني (ادفع الله لا يهينك)، وإذا كان التأمين الطبي لا يغطي (نفض جيوبك)، هذا هو الحال في المستشفيات الأهلية، ولو عملت وزارة الصحة على إيجاد السجل الموحد للمرضى، لما تحمل المواطن كل تلك التكاليف الباهظة في فواتير العلاج وسهل على الأطباء معرفة سجل المريض الطبي والأدوية التي يتناولها لتفادي التشخيص الخاطئ. ورغم صدور قرار بإنشاء مركز وطني لنظم المعلومات الصحية، إلا أن سجلات المرضى تختلف من مستشفى لآخر وترهق كاهل المواطن للكشف عن سجله المرضي أو تشخيص حالته، وإذا وقعت أخطاء طبية يتطلب الأمر استدعاء نسخة من ملف المريض الذي قد يخضع للتزوير وإخفاء تقارير إدانة مرتكبي الأخطاء ويضيع حق المريض، وهناك حالات كثر ضاعت فيها الحقوق بسبب اختفاء سجلات المرضى. الأطباء وحدهم يدركون أن إيجاد ملف صحي إلكتروني موحد على مستوى المناطق والمحافظات لكل مريض من خلال نظام للربط بين السجلات الطبية الإلكترونية في مختلف القطاعات الصحية، سيقضي على الكثير من السلبيات وسيحدث نقلة نوعية في أنظمة السجلات الطبية التي كانت تدار بطريقة يدوية بدائية لا تكفل حقوق المرضى ولا تساعد الأطباء على معرفة الأمراض التي يعاني منها المراجعون، خصوصا أولئك الذين يتعرضون للحوادث وحالات الإغماء ولا يتمكنون من الرد عند سؤالهم، وقد يؤدي صرف دواء إلى مضاعفات تضر بصحة المريض المصاب. مضى وقت طويل على اعتماد المشروع لكنه تعثر شأنه شأن كثير من المشاريع الصحية، ولكن أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي.