صحيح أن المرض النفسي ليس مثله مثل العوارض الجسدية الأخرى التي تعالجها أقراص ومضادات حيوية أو حقن، يحتاج المعتل بهذا المرض إلى وثبة نفسية وتدخل وجداني يعيد إليه ما فقده من إحساس ومشاعر ولا نقول العقل.. عدد من نساء يعانين من أمراض نفسية مختلفة بين انفصام ووسواس قهري واضطرابات في المدينةالمنورة، زوجة وغمامة سوداء نماذج كثيرة من مريضات نفسيات دخلن إلى القائمة على غير إرادتهن مثل السيدة (ت) وهي تشكو ظلم الابن العاق الذي رمى بها في المستشفى انحيازا وانتصارا لزوجته.. تقول: بعد رحيل زوجي تعبت من أعباء المسؤولية فظللت أعاني من صداع مزمن، وراجعت مستشفيات وبدلا من أن يواصل ابني علاجي في عيادة المخ والأعصاب جاء بي إلى مستشفى الصحة النفسية بأمر زوجته، تكفكف (ت) دموعها وتهمس: أنا الذي ربيت وتعبت وسهرت، لم أتوقع أن يصل به الجحود إلى إلقائي في المستشفى وأنا في كامل قواي العقلية، توسلت إليه أن يتركني في بيته كي أرعى أولاده «أحفادي» لكن القسوة والعقوق والزوجة كانت حاجزا بيني وبينه. تستطرد السيدة (ت) وتقول: إنها حاولت كثيرا الاستعانة بوساطات وأناس خيرين كي يعود إلى رشده، لكنه رفض التفاهم معهم، (نسي ولدي كل شيء فعلته من أجله، أنجبته وربيته وكبرته وعلمته بعد أن توفي والده وهو صغير في السن كل ذلك لم يثمر معه بسبب الغمامة السوداء التي حالت بيننا، أنا لست مريضة وأتحدى كل الأطباء في إثبات مرضي، الذي يبقيني هنا هو عدم رغبة ولدي استلامي، مضى علي هنا (8) سنوات ولا أعرف عن أولاده «أحفادي» شيئا سامحه الله) وجبة ضرب يومية حكاية سناء يرويها زوجها ويقول: إن شريكة حياته كانت تدرس انتسابا في كلية، وتعرضت إلى مزحة ثقيلة من زميلتها في الجامعة، وأصيبت بشتات عقلي وتوهان وحالة نفسية سيئة استمرت معها لفترة طويلة، وما زالت تعاني الأمرين في منزلها ومع أطفالها بسبب الصدمة العصبية التي عاشتها وتعيشها. وفي حالة أخرى تشكو (خ) من جحود وظلم أخيها من أجل الإرث وتقول: ظل أخي يضربني لأذهب معه إلى المحكمة لتحرير وكالة عامة ليأخذ نصيبي من إرث أبي، لم أوافقه على طلبه فكان يضربني في الصباح والمساء إلى أن زرع في داخلي الخوف فأصبحت لا أعي شيئا، وأخيرا انتهى بي المطاف في المستشفى بعدما اتهمني أنني حاولت قتل أولاده، وأنا الذي لا أستطيع إيذاء نملة، ثم استطاع انتزاع وكالة مني بعد أن أثبت للغير أني مريضة نفسية، وأنا الآن بالغة الرشد وبإمكاني تصريف أموري وعند استدعاء الأطباء له لاستلامي رفض المجيء وأصبحت نزيلة كما ترون وأنا بكامل قواي العقلية. إحساس مؤلم بالتهميش المستشارة النفسية هدى القايدي تتحدث عن المرض النفسي وتداعياته وتقول: إنه ليس كالأمراض العضوية المتاح الشفاء منه بمضاد أو شراب مسكن، بل يحتاج لعلاج طبي وآخر أسري ولا ينجح الطبي دون الآخر، لأن وجود العائلة بجانب المريضة أمر يجعلها مرغوبة ويشعرها بالاهتمام وأنها شيء كبير لدى أسرتها، والعكس سيزيد من ألمها ومرضها واستفحاله ووصول الحالة إلى الانتحار لشعورها بالتهميش وعدم الاهتمام وإحساسها أنها عالة على أهلها.