من نافلة القول أن استقرار الأنظمة وانسجام منظومتها يمثل أهم ركائز أي دولة تنشد التطور والتقدم، ولن يكون في مقدور هذه الدولة تحقيق هذه الغاية إلا إذا كان الأمن مستتبا، والعدل مبسوطا، وقيادتها تعمل بروح الفريق الواحد في نكران للذات، بإخلاص النية لله أولا، وذلك من باب التكليف وليس التشريف. ما أعظم قيادتنا حين استشعرت هذه الغاية منذ انطلقت رايتها في سبيل التوحيد، فكان لها التوفيق والسداد في ذلك، لتشهد هذه الربوع الغالية منذ إعلان التوحيد حركة دؤوبة من التطور والتقدم والنماء، بما وضع مملكتنا في موضع من تسمع كلمته، ويُحسب له الحساب الأوفر في كل ميدان؛ سياسيا كان ذلك أم اقتصاديا أو فكريا أو أي مجال آخر من المجالات الإنسانية.. نهض إلى ذلك أبناء المؤسس في تعاقب حقبهم، فرحم الله من سلف منهم إلى رب غفور رحيم بعد أن أدى فرضه كأحسن ما يكون الأداء، لتحفظ لهم ذاكرة التاريخ صنيعا عصيا على النسيان. وها نحن اليوم نستظل في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والمملكة تمضي في تطور وتقدم كما العهد بها، في زمن بات يشهد تحولات خطيرة ونذرا محدقة، لتبقى المملكة وحدها الركيزة التي إليها يلجأون، والحضن الذي به يلوذون. ولئن كانت سنة الترتيب في هرم الدولة قد مضت على سنة راتبة في العهود السابقة، وقد تأخرت بعض الشيء في هذا العهد الميمون، بما فتح المجال أمام الواشين وأصحاب النفوس المريضة لإطلاق سموم الشائعات، فإن البيان الذي صدر يوم أمس الأول عن الديوان الملكي وقضى بتنصيب صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا لولي العهد، على أن تتم مبايعة سموه وليا للعهد في حال خلو المنصب، أو ملكا في حال خلو المنصبين، وفق ما خرج به اجتماع أعضاء هيئة البيعة بناء على رغبة ولي أمر الوطن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، تاركين لأعضاء الهيئة إبداء آرائهم حيال هذا الاقتراح، هذا القرار أقل ما يوصف به أنه جاء تأكيدا على مدى حرص ولي أمر الوطن على طمأنة الشعب على حاضرهم ومستقبلهم في ظل الظروف السياسية التي تعيشها المنطقة العربية بأسرها، وفق ما يحدث ويدور من أحداث وإرهاصات لن يدفعها ثمنها في نهاية الأمر إلا هذه الشعوب المغلوبة على أمرها. وكما احتفلت المملكة العربية السعودية قبل سنوات في عام 1419ه لتأكيد الشعور بالعمق التاريخي والجغرافي لبدايات التوحيد على يد مؤسس هذا الكيان الكبير ولبدايات تأسيس الدولة السعودية الثالثة يأتي هذا القرار التاريخي الهام اليوم، والذي اعتبره من وجهة نظري أنه يؤسس للدولة السعودية الرابعة في نسختها الجديدة، والتي يؤكد مكانتها الدولية ويزيد القناعة بأن المملكة تقوم على ثوابت محددة تشكل هويتها الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا كله يجعل مسؤوليتها مضاعفة وكبيرة أمام تحديات الزمان والأيام؛ لذا فهي دائما في سباق معه وقد كان لها الفوز دائما ولله الحمد لتحقيق الاستقرار الذي هو مطلب شعبي قبل أي شيء آخر، ليطمئن الناس على حاضرهم ومستقبلهم ويؤكد على مكانة المملكة على الخارطة الدولية وصلابتها ومدى قوتها وتماسكها على الرغم من الأحداث التي تدور من حولها. كما أن هذا القرار من شأنه أن يعزز من دور المملكة الإقليمي والعالمي اقتصاديا وسياسيا ويدعم تطلعاتها بما يتناسب ومكانتها وما حباها الله به من ثروة دينية وبترولية تؤثر في ميزان القوى العالمي، من واقع أنه يؤكد على استقرار المنظومة السياسية، ومضيها على نسق منضبط ومتزن ومتوائم. والجميل في هذا القرار التاريخي الحكيم أنه جاء ليؤكد بأن كل ما يقال عن بلادنا إنما هو من باب التخرصات الزائفة والشائعات المغرضة، فالواقع أن المملكة تجسد روح الاستقرار السياسي وما يتبعه من استقرار اقتصادي يؤثر على الداخل والخارج معا، فالسعودية تملك خصائص كثيرة تختلف فيها عن كل دول الدنيا. هذه الخصائص تحتم أن تكون مستقرة آمنة مطمئنة، وهو ما تؤكده على مقولة الباحث وضاح شرارة: «إن المجتمع السعودي المعاصر على الرغم من التحولات الاجتماعية الهائلة التي عرفها على مدى تاريخه لا يتوحد إلا في الدولة والسلطة، فالدولة فيه لا تزال صانعة المعنى كما كان يحسب ابن بشر»، وهذه حقيقة نؤمن بها ولا ننكرها. إن جواز العهد بالأمر إلى من يقوم بأمر المسلمين يأتي في معنى الاستخلاف، وله أدلة كثيرة في ديننا الإسلامي الحنيف. نهنئ أنفسنا بهذا الاختيار الموفق لابن من أبناء المؤسس، فمقصد هذا الاختيار نقرأه جيدا في صيانة أمن الوطن واتقاء الشرور والفتن والانقسامات التي أوردت غيرنا موارد الهلاك والشقاء، ونسأل الله العظيم أن يحفظ لنا ولي أمرنا الذي أعطى الكثير وقدم لشعبه كل ما يستحقه من تنمية وأمن واستقرار، وما هذه الخطوة المباركة والقرار الحكيم إلا تتويجا لهذه الجهود لمزيد من قوة وتماسك هذه الدولة وتثبيتا لأركان الحكم فيها وإسكاتا لأصوات المغرضين ومن في قلوبهم مرض بما ينعكس خيرا وأمانا على الناس أجمعين. حفظ الله لنا ولي العهد الأمين، ووفق الله صاحب السمو الملكي الأمير مقرن وشد عضده بإخوته البررة، لما فيه خير الوطن ومواطنيه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.