ربما لا يفرق بعض الخطباء هداهم الله بين منبر الجمعة وبين منبر من لا منبر له، فيتصورون حين يعتلون هذا المرتقى الصعب أنهم ملاك قناة فضائية يحق لهم أن يقولوا كل ما يطيب قوله وأن يسدد سهامه على جميع من حوله دون مراعاة لمشاعر مستمع ولا لمستوى وعي المتلقي، ولذا تجدهم يشططون كثيرا ويغلظون القول عند الدعاء في الخطبة الثانية خصوصا «اللهم أهلك أعداء الدين» ولو أخذنا مصطلح أعداء الدين بموضوعية وتحليل واقعي سنجد أن من المسلمين اليوم من هم أعداء للدين بسبب فهمهم القاصر لكتاب الله ومقاصد شرعه وسيرة نبيه عليه الصلاة والسلام، ولم أجد في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أدعية مأثورة على الناس سوى دعائه على ظلمة من بعض أحياء العرب آذوا صحابته، ولست أدري من شرع كل هذه الأدعية بالذل والهوان على بني الإنسان لا لذنب جناه سوى أن يعتنق إلى الله طريقا آخر يراه صوابا كما نرى طرقنا صائبة، وبما أن الدعاء عبادة، فليس من العدل أن نستثمر هذا اليوم الأثير عند المسلمين في استفزاز مشاعر بعضنا أو مخالفينا، لأنه ما منا إلا وهو مقصر ومفرط وظالم ومشرك أحيانا، أعني الشرك الأصغر، وربما يكفر أحدنا كفر نعمة، فالدعاء على المشركين أو الكافرين أو الظالمين بالهلاك في كل الأحوال مجانبة لمفاهيم الدين الحنيف الذي جاء رحمة للعالمين وهداية للبشر، وهل سيأثم خطيب ما لو دعي بالهدى والتوفيق والصلاح وشرح الصدور للحق لجميع الخلق؟ لا أتصور ذلك فالنبي عليه السلام فيما جاء عنه دعا «اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين» وأعلم أن وزارة الشؤون الإسلامية تولي هذا الجانب اهتماما واسعا وتؤكد في تعاميم دورية ألا يتجاوز الخطيب في الدعاء إلا أن حرص بعض الخطباء وحماسهم وحبهم لدينهم قد يخرجهم عن النص.. وأستعيد هنا قول الشاعر (رام نفعا فضر من غير قصد، ومن البر ما يكون عقوقا).