قال الشيخ محمد بن أحمد الفيفي، عضو الدعوة بوزارة الشؤون الإسلامية: ابتليت الأمة في بعض الأمصار من محدثات في طريقة الدعاء أو في ألفاظ الأدعية حتى رأينا وسمعنا ألواناً منها صعب علينا إحصاؤها فضلاً عن إنكارها، وربما توارثها الناس جيلاً بعد جيل إلى أن استقر الأمر عند بعضهم أنها من السنَّة وهي ليست كذلك فإذا تُركت قال: تُركت السنّة، قال ابن مسعود رضي الله عنه: «كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير ويربو فيها الصغير ويتخذها الناس سنّة فإذا غُيرت قالوا: غُيرت السنّة قيل: متى ذلك يا أبا عبدالرحمن؟ قال: «إذا كثرت قراؤكم وقلت فقهاؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت أمناؤكم والتمست الدنيا بعمل الآخرة» (وتفقه لغير الدين). رواه الدارمي (1/64) (والحاكم 4/514 - 515) بسند صحيح. وعند الطبراني بسند جيد «بادروا بالأعمال ستاً - في رواية: أخاف عليكم ستاً - «وذكر منها» ونشوا يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليغنيهم وإن كان أقلهم فقهاً» صحيح الجامع 2812. فمن تلك الأمور المحدثة: أولاً: التغني بالدعاء والتطريب والتلحين وهو أمر مُحدث ويدل لذلك:: وقال: إن الأصل في العبادات المنع والتوقف لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري، فليس المنع مقتصراً على أصل العبادة فحسب بل حتى في صفتها ووقتها وعددها وزمنها ومكانها وهيئتها، ولا دليل على صفة التغني بالقنوت فكيف نتعبد الله بما لم يشرع لنا، ولو كان خيراً لسبقونا إليه ونقل إلينا. وإن الأمر بالتغني والترتيل إنما ورد في تلاوة القرآن لما روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) فلم يقل: يتغن بالدعاء وإنما بالقرآن، وقال عليه الصلاة والسلام: «زينوا القرآن بأصواتكم» ولم يقل: زينوا الدعاء... وذكر شيخ الإسلام أن إدخال الألحان في الصلوات هي من طريقة النصارى حيث قال في الفتاوى 28/611: «وكذلك إدخال الألحان في الصلوات لم يأمر بها المسيح ولا الحواريون» ( ا.ه) وخير شاهد على هذا في العصر الحاضر ما تبثه بعض القنوات والإذاعات من الأدعية البدعية والابتهالات الملحنة. وانك لو سألت الخطيب على المبنر هل تتغنى بالدعاء؟ لقال: لا، ولو سألت المصلي هل يتغنى بالدعاء في سجوده؟ لقال: لا، ولو سألت المصلي الذي في المسجد ينتظر الصلاة: هل تتغنى بالدعاء؟ لقال: لا، إذاً فما الذي خصَّ دعاء القنوت بهذا التغني والتلحين والترتيل الذي نسمعه اليوم دون بقية الحالات؟؟ فإن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات ولا تجمع بين المختلفات. (مذكرة التغني بالقنوت/ ماهر القحطاني، بتصرف). وأن التغني والتطريب بالدعاء من أسباب رده وعدم قبوله لأنه اعتداء في الدعاء، قال الكمال بن الهمام الحنفي «ومما تعارف عليه الناس في هذه الأزمان من التمطيط والمبالغة في الصياح والاشتهار لتحريرات النغم إظهار للصناعة النغمية لا إقامة العبودية؛ فإنه لا يقتضي الإجابة بل هو من مقتضيات الرد... فاستبان أن ذلك من مقتضيات الخيبة والحرمان) فيض القدر للمناوي 1/229. وقال: ولا أرى أن تحرير النغم في الدعاء كما يفعله بعض القراء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى السؤال والدعاء وما ذاك إلا نوع لعب، فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة أدى سؤاله بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والتطريب والترجيع كالتغني نُسب البتة إلى السخرية واللعب إذ مقام طلب الحاجة هو التضرع لا التغني. ا.ه ولك أخي الكريم أن تتأمل وأنت تسمع بعضهم وهو يدعو وكأنه يقرأ القرآن بالتجويد والقلقلة والآخفاء والإظهار، ويراعي المد المتصل والمنفصل. حتى إنك ترى بعض المصلين عند سماعه للقنوات لا يفرق بين القرآن وبين الدعاء. وأضاف الشيخ الفيفي: وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة برقم (21263) وتاريخ 20/12/1420ه بما نصه: وعلى الداعي ألا يشبِّه الدعاء بالقرآن فيلتزم قواعد التجويد والتغني بالقرآن فإن ذلك لا يعرف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا من هدي أصحابه رضي الله عنهم. قلت: وما دام أنه ليس من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام ولا صحابته الكرام فكيف يسوغ لنا أن نحدث في دين الله ما لم يأذن به الله؟ ألا فليسعنا ما وسع سلفنا الصالح رحمهم الله، وعلينا بالسنَّة فإنها سفينة نوح من ركبها نجا ومن حاد عنها غرق وهلك، والعياذ بالله. ثانياً: من المحدثات: رفع الصوت بالدعاء وهو فعل منكر لأمور: أن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنكر على الصحابة عندما رفعوا أصواتهم بالدعاء، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس إربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً بصيرا وهو معكم والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته. قال الحافظ في الفتح 6/135: قال الطبري: فيه كراهية رفع الصوت بالدعاء والذِّكر، وبه قال عامة السلف من الصحابة والتابعين. ا.ه. وقال شيخ الإسلام في الاستقامة 1/322: إن رفع الأصوات في الذكر المشروع لا يجوز إلا حيث جاءت به السنّة كالأذان والتلبية ونحو ذلك، فالسنّة للذاكرين والداعين ألا يرفعوا أصواتهم رفعاً شديداً.... قود قال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعاً وخُفْيَة إنه لا يُحبُّ المُعتدين} (الأعراف 55) وقال عن ذكريا: {إذ نادى ربه نداء خفيّا} (مريم 3) وقال تعالى: {واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين} (الأعراف 205) وفي هذه الآثار عن سلف الأمة وأئمتها ما ليس هذا موضعه كما قال الحسن البصري رفع الصوت بالدعاء بدعة وكذلك نص عليه أحمد بن حنبل وغيره. وقال الألوسي في روح المعاني ج 8/ص139: وترى كثيراً من أهل زمانك يعتمدون الصراخ في الدعاء خصوصاً في الجوامع حتى يعظم اللغط ويشتد، وتستك المسامع وتستد، ولا يدرون أنهم جمعوا بين بدعتين: رفع الصوت في الدعاء، وكون ذلك في المسجد، وروى ابن جرير عن ابن جريج: أن رفع الصوت بالدعاء من الاعتداء المشار إليه بقوله سبحانه: {إنه لا يُحب المعتدين} ا.ه وأخرج البخاري في صحيحه 5/2331: عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تُخافت بها} أنها قالت: أنزلت في الدعاء. ثالثاً: من الأمور المحدثة في الدعاء: السجع: فقد كرهه السلف ونهوا عنه، قال ابن عباس رضي الله عنهما لمولاه عكرمة: (انظر السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب...) رواه البخاري. وهو أيضاً من أسباب عدم الإجابة؛ ولذلك قال القرطبي 7/226 (ومنها أن يدعو بما ليس في الكتاب والسنّة فيتخير ألفاظاً مفقرة، وكلمات مسجعة قد وجدها في كراريس لا أصل لها ولا معول عليها فيجعلها شعاره، ويترك ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل هذا يمنع استجابة الدعاء) ا.ه رابعاً: من الأمور المحدثة: الإطالة في الدعاء: فقد جاءت السنّة في التحذير منه والحث على الاقتصار على الجوامع والكوامل من الدعاء وترك الأدعية المطولة، بل فهم السلف الصالح أن التطويل في الدعاء هو نوع من الاعتداء كما جاء في سنن أبي داوود أنّ سعد بن أبي وقاص سمع ابناً له يدعو ويقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا، فقال: يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون قوم يعتدون في الدعاء، فإياك أن تكون منهم إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر. صححه الألباني 2/77. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك) رواه أبو داود وصححه الألباني 77/2. وقال عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها: (عليك بجمل الدعاء وجوامعه قولي: اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل) الحديث .. رواه ابن ماجه والبيهقي وصححه الألباني 4047. أفلا نستحب يا أمة محمد ما كان يحبه عليه الصلاة والسلام من الجوامع؟ أفلا نعمل بوصية رسول الله لعائشة - وهي أحب النساء إليه - بجُمَل الدعاء؟ وتأمل أيها اللبيب قولها رضي الله عنها وهي تسأل الرسول عليه الصلاة والسلام فنقول: أرأيت إن وافقت ليلة القدر ماذا أقول؟ قال: قولي: اللهم إنك عفوٌ تُحب العفو فاعفُ عني. رواه الترمذي: صحيح الجامع 4423. وقال: وإنك لتعجب عندما تسمع بعض الأئمة في قنوتهم وهم يتكلفون الوصف في الدعاء حيث يقول مثلاً (اللهم ارحمنا إذا ثقل منا اللسان، وارتخت منا اليدان، وبردت منا القدمان، ودنا منا الأهل والأصحاب، وشخصت من الأبصار، وغسلنا المغسلون، وكفننا المكفنون، وصلى علينا المصلون، وحملونا على الأعناق، وارحمنا إذا وضعونا في القبور، وأهالوا علينا التراب، وسمعنا منهم وقع الأقدام، وصرنا في بطون اللحود، ومراتع الدود، وجاءنا الملكان.. إلخ) حتى جعلها موعظة يرقق بها القلوب ويزداد عجبك عندما تسمع بُكاء الناس ونشيجهم وهم يُؤمِّنُون على هذا الدعاء، بل ويتسابقون على التبكير إلى هذا المسجد والصلاة خلف هذا الإمام، وقد تسمع من بعض الأئمة وهو يدعو على الأعداء فيقول (اللهم لا تدع لهم طائرة إلا أسقطتها، ولا سفينة إلا أغرقتها، ولا دبابة إلا نسفتها، ولا فرقاطة إلا فجرتها، ولا مدرعة إلا دمرتها، ولا.. ولا.. إلخ) وكأنه يُملي على الله كيف يفعل بالأعداء، فضلاً عن أنه قد أقحم قنوت النوازل مع قنوت الوتر مع أن لكل وقته وأحكامه وأدعيته التي وردت في السنة، فتنبه!! بينما كان يكفيه أن يقول اللهم عليك بهم أو اللهم انتقم منهم ونحو ذلك. وانظر أيها الحبيب ماذا يقول أنس رضي الله عنه وهو يصف دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) (متفق عليه). وقال أما الخامس من الاعتداء في الدعاء أيضاً تلك الأدعية التي تحوي في ثناياها ألفاظاً أو جملاً محذورة أو مُوهمة ومخالفة للشرع بل في بعضها ما يقدح في التوحيد ويخدش في الإيمان فمن ذلك: - قول بعضهم في الدعاء (في السماء مُلكك، وفي الأرض سلطانك وفي البحر عظمتك..) وقد سُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن هذه العبارة فكان الجواب: «أما العبارة المذكورة في السؤال فتركها أولى، لأن فيها إيهاماً فقد يظن منها بعضهم تخصيص الملك بالسماء فقط، أو السلطان بالأرض فقط، وهكذا. وعظمة الله وملكه وسلطانه وقهره عام في جميع خلقه». ا. ه. 369/26. - قول بعضهم (يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون.. إلخ). جاءت هذه الرواية عند الطبراني وفيها عنعنة هشيم وهو مُدلس، وشيخ الطبراني يعقوب بن إسحاق، قال الهيثمي: لم أعرفه. السلسلة الضعيفة 10/128. ٭ قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله (14/143) في جوابه عن حكم مثل هذا الدعاء فقال: «هذه أسجاع غير واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيما ورد عنه من الأدعية ما هو خير منها من غير تكلف. والجملة الأولى: (يا من لا تراه العيون) إنْ أراد في الآخرة أو مطلقاً فخطأ مخالف لما دَلَّ عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح من أنّ الله تعالى يُرَى في الآخرة، وإنْ أراد في الدنيا فإنَّ الله تعالى يُثنى عليه بالصفات الدالة على الكمال والإثبات لا بالصفات السلبية. والتفصيل في الصفات السلبية بغير ما ورد من ديدن أهل التعطيل. فعليك بالوارد، ودع عنك الجمل الشوار». ا. ه. ٭ وقال العلامة الفوزان عن هذا الدعاء: أما ذُكر في السؤال، فلم يرد في كلام وكلام رسوله فيما أعلم، فلا ينبغي الدعاء به. وأيضاً في كلمة: (لا يصفه الواصفون)! نظرٌ ظاهرٌ، لأن الله سبحانه يُوصف مما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وربما يكون هذا اللفظ منقولاً عن نفاة الصِّفات. (المنتقى 1/49). ا. ه. - قول بعضهم (يا من أمره بين الكاف والنون). قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح الأربعين النووية ص 76: وبهذه المناسبة أود أن أنبه على كلمة دراجة عند العوام حيث يقولون (يا من أمره بين الكاف والنون) وهذا غلط عظيم، والصواب: (يا من أمره بعد الكاف والنون) لأن ما بين الكاف والنون ليس أمراً، فالأمر لا يتم إلا إذا جاءت الكاف والنون، لأن الكاف المضمومة ليست أمراً والنون كذلك، لكن باجتماعهما تكون أمراً. ا. ه. - قول بعضهم (يا فرد يا صمد). وقد جاء في حديث «أشهد أنك فردٌ أحدٌ صمد» قال عنه البيهقي: إسناد الحديث ليس بالقوي (انظر الأسماء والصفات للبيهقي: 116، 117). ٭ وقد سئل العلامة الفوزان: هل يوصف الله تعالى بالقدّم، كأن يقول يا قديم! ارحمني! أو ما أشبه ذلك؟ وهل الفرد من أسماء تعالى؟ أفتوني مأجورين. الجواب: ليس من أسماء الله تعالى القديم، وإنما من أسمائه الأول، وكذلك ليس من أسمائه الفرد، وإنما من أسمائه الواحد الأحد، فلا يجوز أن يقال: يا قديم! أو: يا فرد! ارحمني!.. إلخ (المنتقى 1/27). - قول بعضهم (اللم عليك باليهود ومن هاودهم). قال الفيروز آبادي في القاموس المحيط ص: 420: المهاودة: الموادعة والمصالحة والممايلة، والهواة: اللين وما يرجى به الصلاح والرخصة. ا. ه. قلت: وهذه من عظيم الرازيا أن يدعو بعضهم بمثل هذا الدعاء ولا يعلم معناه لا من جهة اللغة ولا حكمه وما يترتب عليه من جهة الشرع، وهذه مصيبة بعض أن يردد أدعية لا يفقه معناها إذ قد يترتب عليها لوازم خطيرة لولا أننا حكمنا بجهله لكان للشرع فيه حكم آخر. ٭ وقد سئل العلامة الفوزان: ما حكم قول بعض خطباء المساجد في نهاية الخطبة: (اللهم عليك باليهود ومن هاودهم). ألا يدخل في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؟ لأنه قد هاود اليهود ووداعهم، فهل هذا اعتداء في الدعاء؟ ج: نعم، (هاودهم) هذه الكلمة معناها المصالحة، هاود معناه المصالحة، واليهود يجوز الصلح معهم، إذا كان فيه مصلحة للمسلمين، يجوز الصلح معهم كما صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وكما صالح قريشاً في الحديبية، الصلح إذا كان من مصلحة المسلمين فإن الكفار يُصالحون لأحل مصلحة المسلمين، هذا هو الحق، أما كلمة (هاودهم) معناه أن الرسول يدخل في هذا، وسبق أني نبهت واحداً على هذه اللفظة، لكنه لم يتجنبها هداه الله. (شريط (4) وجه (ب) من شرح الحموية 4/11/1424ه). قلت: بل ويشمل هذا الدعاء كل حُكام المسلمين الذين صالحوا اليهود قديماً وحديثاً، فتأمل أيها اللبيب. - ومن صور الاعتداء في الدعاء (الدعاء على عموم الكفار بالهلاك والاستئصال) ويدل لهذا: ٭ أولاً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يثبت أنه دعا على عموم الكفار وإنما دعا على قبائل أو أشخاص بأعيانهم، بل لما جاءه ملك الجبال وعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين؟ فقال: لا، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً. بل إنه لما دعا على بعضهم بأسمائهم نزل قوله تعالى {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم} وقد روى مسلم في الصحيح عن أبي هريرة قال قيل: يا رسول الله ادع على المشركين قال: «إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة». ٭ ثانياً: أن هذا يخالف مقتضى حكمة الله من بقاء الكفار إلى يوم القيامة، بل إن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، وأيضاً ربما سيترتب على هذا تعطيل باب الولاء والبراء، وباب الجهاد. ٭ ثالثاً: أنه ليس للمسلم أن يدعو بالاستئصال على من أمره الله بأن يبرهم ويقسط إليهم كما قال تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يُحبُّ المقسطين}. بل كيف يستقيم أن يدعو المسلم على زوجته الكتابية بالهلاك مع أن الله تعالى قد أذن له في نكاحها، وامتن عليهما بقوله تعالى {وجعل بينكم مودة ورحمة}. أم كيف يستقيم أن يدعو الولد المسلم على والديه بالهلاك إن كانوا كافرين، والله جل وعلا يقول عنهما {وصاحبهما في الدنيا معروفاً} فإن الدعاء على عموم الكفار يشملها، فهل هذه هي المصاحبة بالمعروف؟ ٭ قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح كتاب التوحيد عند: باب قوله تعالى {أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون} أما الدعاء بالهلاك لعموم الكفار، فإنه محل نظر، ولهذا لم يدع النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بالهلاك، بل قال: «اللهم عليك بهم، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف»، وهذا دعاء عليهم بالتضييق، والتضييق قد يكون من مصلحة الظالم بحيث يرجع إلى الله عن ظلمه. فالمهم أن الدعاء بالهلاك لجميع الكفار عندي تردد فيه. ا. ه. ٭ وقال ابن تيمية: 8/236: ودعاء نوح على أهل الأرض بالهلاك كان بعد أن أعلمه الله أنه لا يؤمن من قومك إلا من قد آمن. ٭ وقال الشيخ الفوزان: المشروع في القنوت وغيره الدعاء على المعتدين من الكفار على المسلمين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قَنَتَ يدعو على الكفار خَصَّ المعتدين منهم ولم يدع على جميعهم فقال: اللهم العن فلاناً وفلاناً والقبيلة الفلانية ولم يعمم الكفار. (مجلة الدعوة العدد 1869 - 16 رمضان). ٭ وقد أفتت اللجنة الدائمة 24/275: ما نصه: وقول الكاتب: (اللهم عليك بالكفار والمشركين واليهود، اللهم لا تبق أحداً منهم في الوجود، اللهم أفنهم فناءك عاداً وثمود) والدعاء بفناء كل الكفار اعتداء في الدعاء، لأن الله قدر وجودهم وبقاءهم لحكمة.