في معرض فعاليات معرض الكتاب الدولي بالرياض، ألقى الناقد والشاعر التونسي نزار شقرون قصيدة (دولة الشعب الافتراضي) في أمسية شعرية بالإيوان الثقافي. وكان بعض النقاد قد اعتبروها بمثابة نبوءة شعرية تستبصر انفجار الثورة في قلب الشارع التونسي. ما يلفت في القصيد - ناهيك عن جماليتها، هو استخدام كلمة «فيسبوكيون» للإشارة إلى مستخدمي موقع فيسبوك، الشيء الذي يعد ثورة على المنهجيات التقليدية لما اصطلح على تناوله من مواضيع وثيمات شعرية. فلا زال أكثر الشعراء حداثة يجدون غضاضة في تناول مواضيع الواقع اليومي، فكيف بإدخال مفردات الواقع الافتراضي إلى قاموس الشعر!. إن استخدام مفردة «الفيسبوكيون» تحمل دلالات مهمة جدا، وأهمها الاعتراف الضمني بتغلغل الأبجدية الإلكترونية في لغتنا اليومية بعد تداخل الواقعي والافتراضي، وتجاوز «أرتيكاريا» أو حساسية تسخير «اليومي» لخدمة التجربة الشعرية. فبالرغم من كتابة القصيدة بالفصحى، إلا أنها لم تتنكر لوجود الإمبراطورية الزرقاء (فيسبوك)، بل أعطتها الحيز الحقيقي الذي تشغله في واقعنا، وأضافت إليها بعدا جماليا، لتصير رمزا لكل احتمال يبدو مستحيلا ويتحول إلى ممكن. فالشعر «ابن الحياة» كما يقول أبو القاسم الشابي، والشاعر لا يخترع واقعا جديدا ولا لغة جديدة، لكنه يعطي المفردات دلالات جديدة ويبتكر طرقا لاستخدامها وإظهار النور من قلب عتمتها. وبالرغم من حتمية هذه الخطوة، إلا أنها تتطلب جرأة وشجاعة عظيمتين لمواجهة تبعاتها، فكل جديد وغير مألوف يجابه بالرفض. لكن الشاعر الحقيقي يسبق عصره ومعاصريه في مخالفة المألوف، وبالرغم من أنه بفعله يفتح صدره لرماح النقد، لكنه يمهد الطريق لغيره لانتهاج نهجه. ولأن اللغة هي الأداة التي يسخرها الشاعر للتعبير عن موقفه من الحياة، فهي كائن حي يتطور ويتغير وفقا لمعطيات واقعه. أما اللغة التي ترفض أبجديات الواقع الذي بات يتداخل فيه بالافتراضي هي لغة تختار الموت. لذلك من الأهمية بمكان، أن يساهم الكتاب والأدباء في عملية إدخال المفردات الإلكترونية إلى اللغة المكتوبة وانتقالها الطبيعي إلى اللغة الشعرية. فالقاموس الشعري العربي أوسع من أن يضيق بمفردات العالم الافتراضي. يتساءل الدكتور شقرون في مقاله (أبو القاسم الشابي: الشعر ابن الحياة) الذي نشر في (الفجر نيوز): ألا نحتاج اليوم إلى شعر يتناغم فعلا مع الحياة؟ أي إلى شعرية تكون بنت الحياة لا بنت البلاغة؟، وأجيب: بل صرنا بحاجة شعرية تكون بنت الافتراض والفيسبوكيين! والشاعر الذي يقول الدكتور أنه مطالب بأن يسكن في الحياة، بات مطالبا بأن يسكن الفيسبوك أيضا!.