الهيئة السعودية للبحر الأحمر تُصدر متطلبات واشتراطات مشغلي الشواطئ للمرة الأولى بالمملكة    الرئيس اليمني يشدد على سيادة الدولة ومكافحة الإرهاب خلال استقباله السفير الأمريكي    "التخصصي" بجدة يعزّز ريادته بعلاج يحد من خطر انتكاس مرضى زراعة النخاع    جمعية الدعوة بأجياد تخدم أكثر من 470 ألف مستفيد خلال عام 2025م    أمانة حائل تغلق 11 لاونجا مخالفا بمدينة حائل    نائب أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية طفلي الطبية بالمنطقة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره العٌماني تطورات المنطقة    نائب أمير مكة يسلّم وثائق تملّك الوحدات السكنية للمستفيدين من تبرع ولي العهد    تعليم الطائف يطلق تجربة الأداء لمنصة الدعم الموحد لرفع كفاءة المدارس    فوز 24 شركة وتحالفا برخص الكشف في 172 موقعا تعدينيا بالسعودية    سبعة معارض فنية تعيد قراءة الحرفة بمشاركة أكثر من 100 فنانًا وفنانة    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق مرتفعًا عند مستوى 10490 نقطة    20 عيادة تمريضية متخصصة يطلقها تجمع جازان الصحي    أمير القصيم يُدشّن عمليات الروبوت الجراحي لأول مرة بمستشفى الملك فهد التخصصي    سيرة من ذاكرة جازان.. الشاعر علي محمد صيقل    صادرات الخدمات تسجل 58.2 مليار ريال سعودي في الربع الثالث من 2025م    تغريم ديزني 10 ملايين دولار بتهمة انتهاك قوانين حماية خصوصية الأطفال    جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية توقّع عقود اعتماد برامجي مع تقويم التعليم والتدريب    تكليف عايض بن عرار أبو الراس وكيلاً لشيخ شمل السادة الخلاوية بمنطقة جازان    مشاريع ومبادرات تنموية سعودية تغذي شريان التنمية في قلب اليمن    انخفاض أسعار النفط    استعراض أهداف "محبة للتنمية الأسرية" أمام سعود بن بندر    فيصل بن بندر يطلع على جهود "ترجمة".. ويعزي مدير الأمن العام    ترمب يؤكد بدء إعادة إعمار غزة قريباً و«إسرائيل» تواصل خروقات وقف النار    مجلس الوزراء: التصعيد في اليمن لا ينسجم مع وعود الإمارات    أمير الباحة يشدد على تعزيز التكامل بين الجهات الحكومية والخدمية    المملكة بوصلة الاستقرار العالمي وقطب الدبلوماسية    رحبت بإجراءات التحالف وأدانت تحركات «الانتقالي».. الحكومة اليمنية: مواقف الرياض تاريخية ومحورية لحماية المدنيين    رغم استمرار الخلافات حول خطوات اتفاق غزة.. تل أبيب لا تمانع من الانتقال ل«المرحلة الثانية»    ضبط 594 كلجم أسماكاً فاسدة بعسير    مجلس الوزراء: المملكة لن تتردد في اتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة لمواجهة أي مساس أو تهديد لأمنها    قلق أممي على المحتجزين والجرحى بالفاشر    تعديل ضريبة المشروبات المحلاة    "السنغال والكونغو الديمقراطية وبنين" إلى ثمن نهائي أمم أفريقيا    تغلب عليه بهدف وحيد.. ضمك يعمق جراح الأخدود    مشاركة 25 فناناً في ملتقى طويق للنحت    رياض الخولي بوجهين في رمضان    التوازن والغياب!    فلما اشتد ساعده رماني    الأهلي يتغلب على الفيحاء بثنائية    «وطن 95».. تعزيز جاهزية القطاعات الأمنية    مشيداً بدعم القيادة للمستهدفات الوطنية..الراجحي: 8 مليارات ريال تمويلات بنك التنمية الاجتماعية    باحثون يطورون نموذجاً للتنبؤ بشيخوخة الأعضاء    مسحوق ثوري يوقف النزيف الحاد في ثانية    خسارة ثقيلة للأهلي أمام المقاولون العرب في كأس رابطة المحترفين المصرية    الميزة الفنية للاتحاد    الاتحاد وانتصارات الدوري والنخبة    إذاعة القرآن.. نصف قرن من بث الطمأنينة    تعرف على مستجدات لائحة تقويم الطالب وأدلتها التنظيمية    الاتفاق يوقف سلسلة انتصارات النصر    محافظ ضمد يزور جمعية دفء لرعاية الأيتام ويشيد بجهودها المتميزة    خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد يعزيان أسرة الخريصي    حين يغيب الانتماء.. يسقط كل شيء    جيل الطيبين    «الهيئة»أصدرت معايير المستفيد الحقيقي.. تعزيز الحوكمة والشفافية لحماية الأوقاف    ولادة مها عربي جديد بمتنزه القصيم الوطني    رجل الأمن ريان عسيري يروي كواليس الموقف الإنساني في المسجد الحرام    «ريان».. عين الرعاية وساعد الأمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصيدة النثر... قطيعة معرفية وجمالية
نشر في الحياة يوم 04 - 01 - 2011

تعلن قصيدة النثر قطيعتها المعرفية والجمالية، في محاولة لبناء أسس فنية مختلفة تتجه صوب الذات في فرديتها، وصوب اليومي والعادي والمهمش، وهو ما حدا ببعض الدارسين إلى القول إن قصيدة النثر، وقفت أمام الواقع وقفة العاجز عن تحويله وتغييره إبداعياً، ونمت لدى أصحاب هذا الاتجاه إزالة الفارق أو الحاجز بين اللغة والواقع، بحجة ضرورة البحث في بلاغة الواقع والحياة، لا في بلاغة اللغة وتقنيات الشعر من استعارة وتخييل ومجاز وتصوير، فهذه تقنيات تذكرهم بالتراث وما يحسبونه تقليدية في الكتابة. وفي ما أراه فإن الأمر يتجاوز مجرد الهروب من أساليب التراث إلى اختيار فني، ووعي يقوم على إعادة تشكيل العلاقة بين الوعي والعالم من خلال اللغة، وانطلاقاً من تصور بول ريكور للغة الذي لا يجعل منها هدفاً لذاتها، بل واسطة بين الإنسان والعالم، وبين الإنسان والإنسان، والإنسان وذاته، فإن العودة إلى اليومي والمهمش ليس مجرد هروب أو تمرد، بل هي رؤيا وإدراك جديد لماهية الشعر واللغة الشعرية، وذلك منذ بودلير الذي بشّر بشعر قابل لكل المعاني، ونوع أدبي معجز نثرياً، مرناً متقطعاً بما يكفي ليتماثل مع انبعاثات النفس الغنائية، وتموجات أحلام اليقظة وانتفاضات الوعي، إلى رامبو الذي صار الشعر معه أقرب إلى الخبرات اللغوية واللالغوية المعاشة صار شعراء قصيدة النثر يتحدثون عن اقتراب أكبر من اليومي والمهمش والتفصيلات اليومية البسيطة.
وعلى رغم أن اليومي وطرح التفصيلات البسيطة ليسا أمرين جديدين على الشعرية العربية – بحيث تحفظ القصيدة الجاهلية بنماذج عدة منه، وشعر الصعاليك ثري به، ونماذج أخرى في شعر التفعيلة كما هي عند صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي ونزار قباني – إلا أنه صار مع قصيدة النثر يمثل خلاصة رؤية كونية تعلن قطيعتها وتمردها على لغة شعرية حافلة بالمتعالي والميتافيزيقي، وموسومة بالغموض.
هكذا يمكن فهم اليومي في هذه القصيدة على أنه حدث جمالي وثيق الصلة بحدث أكبر، أو بنسق قيمي أعلى، فاللغة مهما بدت بسيطة في مركباتها التعبيرية تظل جزءاً من شكل الحضور الإنساني، وبالتالي فإن التعبير الشعري الذي يجعل من مهماته توحيد الكلام داخل النص الشعري بمقابله في الحياة صيغة أكثر قابلية للتعاطي، إذ مقابلة مفهومات الواقع بمألوفات النص، وإذ لا أقنعة ولا وسائط، إنما فاعلية الأنا الخالصة وراهنيتها المحتضنة في كثافة اللحظة ودلالاتها. هكذا تكتسب اللغة فاعليتها كلما اقتربت من الحياة لتجس نبضها وتكتشف احتمالاتها، وتبحث عن شعرنة كل إمكانات الوجود بكلمات بسيطة يعاد اكتشاف طاقاتها التعبيرية الخلاقة. من هنا – وكما يقول محمد جمال باروت – قد يكون من المفارقات التي حملتها قصيدة النثر هو ما يتجاوز صلتها بالنثر إلى نثر الحياة، وتبتعد اللغة الشعرية عن غنائية الذات نحو غنائية جديدة هي غنائية الأشياء والتفاصيل والمسرودات التي تعج بها دورة الحياة اليومية، وبذلك تتحطم الفواصل ما بين اللغة والحياة، الشعر والسرد، الذات والواقع... وتتقوض ثنائيتهما لصالح تجربة ترى العالم في وحدته وكثافته وتوتره.
إن احتفاء قصيدة النثر باليومي والعادي لا يعني الغرق في نثرية اللغة – وإن وقع بعض شعرائها في ذلك – بل يعني تحويل هذا اليومي إلى صيغة فنية جمالية تعيد صياغة العلاقات بين الأشياء، وتعيد تشكيلها وفق رؤية الشاعر للعالم، وإدراكه لموقع الذات في الوجود، وهو ما يجعل من قصيدة النثر حالة متحولة تتسم بالخصوصية، وتسم فرادة الشاعر في فرادة رؤيته، وتشكل مفرداتها من مشاهداته وذاكرته وووجوده الخاص. إنها إعادة تشكيل للواقع عبر توحيد اللغة بمجريات الحياة اليومية، وهو ما يعني تفرد القصيدة وخصوصيتها التي قد تختلف ما بين تجربة وأخرى، على رغم الاشتراك الظاهري في سمة الاقتراب من الحياة في إطارها البسيط. لكن هذا الأمر لم يخل من الوقوع في النثرية والتقريرية التي تعتمد على مجرد نقل التفاصيل، حيث وصل الأمر عند بعض الشعراء إلى حد التشبع والامتلاء – كما يذكر عبدالله السفر – فغدا «مجرد» لقطة حكائية «باردة، تفتش فيها عن الشعر فلا تجده، وكأن المسألة «قياسات» ناجزة لإنتاج قصيدة طبقاً ل «المواصفات».
ومن هنا كان من أبرز ما يثار ضد هذه القصيدة هو أنها تهمل اللغة وتخفض بقدر كبير الاستخدام الجمالي لها، بمعنى «تحييد اللغة» والابتعاد عن البحث في الشعرية في إمكانات المجاز، وقصر تلك الشعرية في أن تنبثق من مناخ النص ككل، والحالة التي يقتنصها. وهو المدخل الذي جعل عبدالله الفيفي يرى أن احتفاء شعراء قصيدة النثر بالواقع والحياة المدينية قد يكون عنصر تميز، لكنه عنصر تميز نثري غالباً لا عنصر تميز شعري، وأن شعراء هذه القصيدة لا يخاطبون إلا أنفسهم –إن كانوا يخاطبون من أحد – فقصيدتهم أبعد ما تكون عن مخاطبة الواقع المجتمعي بما يزعمون من تصوير حياته اليومية، بل هي في عزلة تواصلية شديدة.
إن الاحتفاء باليومي يحمل في طياته ميلاً إلى الفردية، وطرح عوالم تخص الذات الشاعرة في إطار رؤيتها للواقع والآخر، في خصوصية تميل إلى إعادة تشكيل هذا الواقع وفق رؤى خاصة. وهذا يجعل لكل تجربة خصوصيتها وملامحها المميزة لها عما سواها – كما سبقت الإشارة. كما يحمل في الوقت نفسه الطريقة التي يتشكل فيها وعي الشاعر وفهمه للعالم. وهو وعي قد يكون معقداً في أعماقه، ومليئاً بالتناقض مع الواقع واليومي على رغم استناده إليه على مستوى المفردة اللغوية وتكوين المشهد الشعري.
هذا الوعي الذي يسم الأشياء بسماته وينغلق على الذات والكون الخاص للشاعر بشكل يصل إلى حد القطيعة مع الخارج والمجموع والوصول إلى حالة من الاغتراب والنفي والاستلاب، إذ يستخدم النص كأداة لإعادة توليد «الأنا» ولإنتاج الخبرة الذاتية، وبروح يبدو فيها أقرب إلى أن يكون صرخة أو دعوة إلى التمرد، أو إلى مزيد من الانسحاب صوب الذات والانغلاق على عوالمها الخاصة.
برزت ظاهرة الانقطاع والعزلة في التجربة الشعرية عند عدد من شعراء قصيدة النثر السعوديين، إذ برز القلق الإنساني ومواجهة العزلة والغياب الذي يصل إلى حد الغضب والرفض المطلق، ومحاولة التماس الخيط الكلي الجامع بين الوجود في مستواه الشخصي، والوجود في مستواه الكوني، بين الذات الفردية والذات الكلية. وتلك ملامح يمكن الوقوف عليها في نماذج متعددة عند أحمد الملا وإبراهيم الحسين ومحمد خضر وأحمد كتوعة وعلي العمري ومحمد الدميني وغسان الخنيزي وسعود السويداء وعيد الخميسي على اختلاف في الدرجة والأسلوب، وأعمال عبدالله ثابت لاسيما في مجموعة «الوحشة» التي يمكن اتخاذها نموذجاً تطبيقياً هنا.
لن أتوقف هنا عند تأريخ ظهور قصيدة النثر السعودية، يمكن الحديث عن ذلك بصورة سريعة، ويمكن الحديث بصورة سريعة عن انبثاق جيل الثمانينات والتسعينات، وانفراد كل تجربة وخصوصيتها، وأن ذلك قد يرجع إلى كون هؤلاء الشعراء يكتبون ضمن عالم مغلق ذاتي، وغالباً ما تنتفي المرجعية المشتركة، بل إنه يصعب القول بوجود مرجعية سابقة وأرض انطلق منها هؤلاء الشعراء وبنوا عليها، فالتجربة الشعرية ليست فعلاً تراكمياً بل كان كل منهم يؤسس فضاءه الخاص، معتمداً على مرجعية ثقافية خاصة به ومن ثم كان كل منهم يؤسس تجربته الخاصة به التي لها سماتها المائزة التي لا تنفي في الوقت نفسه بعض ملامح من تجارب الآخرين. وقد أشار عبدالله السفر إلى غياب الدراسات النقدية الجادة التي كان بإمكانها أن تواكب تلك التجربة وتؤسس لها مشروعية فنية، إذ نضجت تجربة قصيدة النثر على مهل وظلت منفتحة وتسائل نفسها وتتفحص أدواتها مرة بعد مرة "اصطفاء الهواء" . ( في إطار الدراسات النقدية يمكن القول إن الدراسات الموضوعية كانت قليلة، محمد العباس لكنه كان يركز على قصيدة النثر بعامة، محمد الحرز في أجزاء من أعماله، عبدالله الفيفي، العدد الخاص من مجلة الجوبة، دراسات متفرقة في الصحف، وفي الجانب التطبيقي عبدالله السفر: اصطفاء الهواء الذي يتميز عمله بأنه دراسة تطبيقية لعدد من الشعراء ...».
في حين حاول محمد العباس ربط هذه القصيدة بمؤثرات سوسيو ثقافية تفاعلت معها قصيدة النثر وانبثقت من فضائها. وفي الحقيقة يصعب تجاهل المؤثرات الثقافية والتحولات التي شهدها المجتمع لاسيما بعد حرب الخليج الثانية، لكن تجربة قصيدة كانت انقطاعاً أكثر منها مسألة تواصل، إذ يمكن ملاحظة وجود نوع من الفجوة بينهم وبين مجتمعهم يصل إلى حد القطيعة أحياناً، القطيعة الفكرية والانسحاب التام صوب الذات، وهذا ما يعود بنا إلى مسألة التركيز على اليومي والهامشي باعتبارهما مركزاً وعالماً بديلاً «إبراهيم الحسين في انزلاق كعوبهم». ولفت نظري في عدد من التجارب طرح مسألة الغياب، والصحب المغادرين، إذ لا يبقى في النهاية إلا الذات الوحيدة ومفردات يومها وأشياؤها الصغيرة».
* ناقدة سعودية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.