«الموت والحياة وجميع الأمور بيد الله تعالى، ولا أحد يعلم متى يدركه الموت وكم سيعيش، ولكننا نمضي وتمضي بنا الحياة الى أن يأتي يوم الفراق».. هكذا روت سارة طارق حكايتها. واستطردت سارة قائلة «وأنا في الرابعة من عمري اصيبت أمي بالحمى لثلاثة أيام وفي اليوم الرابع فارقت الحياة، وعشت مع أبي حتى السادسة من عمري، عندها بدأ اعمامي وعماتي يطالبون والدي بالزواج خاصة أنه ما زال شابا وعليه ألا يقضي حياته دون زواج، فالحقني والدي بالروضة وكانت عماتي يأتين لتنظيف المنزل وإعداد الطعام ثم يذهبن، ولم ينقطعن يوما عن تكرار موضوع الزواج على والدي وهو دائم الرفض». • ألم يضغطوا عليه أكثر ليوافق؟ نعم.. بل كانوا يقترحون أحيانا أسماء فتيات للزواج منهن واستمر الوضع هكذا حتى التحقت بالمرحلة الابتدائية، وفي يوم اجتمع جميع أعمامي وعماتي وجدي ووالدي وأثاروا الموضوع بشدة لقناعتهم بأنه يجب ألا يضيع حياته دون زواج من أجل طفلة، وهو يردد لن أحضر زوجه أب تعذب ابنتي وهم يكررون ابنتك لن تنفعك اذا كبرت، لو كانت ذكرا ربما كانت استحقت التضحية. • وهل وافق والدك على الزواج؟ لم يوافق ولكنه فاجأهم بالانتقال الى جدة، فغضب الجميع، لكنه برر الخطوة بالقول «جهة العمل نقلتني الى جدة». • وهل تزوج عند قدومكم الى جدة؟ لا لم يتزوج رغم أن أعمامي ظلوا يطاردونه ويحثونه على الزواج في كل مناسبة، وكذلك عماتي وهو ما يزال يرفض حتى بلوغي المرحلة المتوسطة. • هل تزوج عندها؟ لا ولكني تحدثت معه فقلت له لماذا لا تتزوج حتى يصبح لي اخوة واخوات، فاجابني «لن اجد مثل أمك وقد جربت زوجة الأب فقد كان والدي متزوجا من امرأة اخرى مع أمي وكان يميز بين اشقائي وبين اخوتي من الزوجة الأخرى ولم يعدل قط، لهذه الأسباب لن اجلب لك امرأة تكدر حياتك وتنحاز لأبنائها لتدفعي أنت الثمن، وشخصيا جربت نصيبي من الحياة ورزقت بك وأنت أملي في الحياة فلا تخيبي أملي، فقلت له أنا بنت ولست ذكرا مثلما قال أعمامي، فاجابني عندي لا فرق بين البنت أو الولد المهم الصلاح». • ماذا حدث بعد ذلك؟ لم يتوقف الأمر عند أعمامي، بل انضم إلى القائمة اصدقاؤه في العمل الذين لم يتوقفوا عن حثه على الزواج والإنجاب وعيش الحياة، وكل ذلك لم يقنعه حتى أن أحد اصدقاءه قال له سوف ازوجك اختي التي لم يسبق لها الزواج وهذه تعد فرصة لن تتكرر، فأجابه «أنا سأعيش من أجل ابنتي فقط». • ألم تحاولي اقناعه مرة اخرى بالزواج؟ عندما وصلت للثانوية قلت له ها أنا ذا قد كبرت ولن تأتي زوجة أب لتعذبني فقد وصلت لعمر يمكنني فيه الدفاع عن نفسي، فلا تخش على وتزوج فمن حقك أن يكون لك أكثر من ابنة. • وهل وافق؟ للأسف لا.. بل قال «لو كنت مقتنعا بفكرة الزواج لتزوجت منذ زمن طويل ولم اترك منطقتي وليس كل من لديه أبناء كثر هو سعيد ففي أوقات كثيرة يكون الأبناء مصدر شقاء الآباء وأنت عندي كفاية، فنجاحك وتفوقك هو ما أسعي له وهو ما تركت كل شيء من أجله فانت أملي فلا تخيبي هذا الأمل»، عندها أخذت عهدا على نفسي أني لن أخيبه. • وماذا حدث بعد ذلك؟ وأنا في الصف الثاني ثانوي تقدم لخطبتي شاب يحمل كل المواصفات التي تتمناها أي فتاة فرفضت فغضب والدي وسألني عن السبب فقلت له أود اكمال دراستي فسألني هل هذا هو السبب أم أنك لا تريدين تركي، فأكدت له أنه بسبب الدراسة والحقيقة أنه للسببين معا وعشنا سعيدين نتقاسم أعمال المنزل والحديث وتبادل الاراء والتحدث عن مشاكل عمله ومشاكل دراستي وعشنا حتى تخرجت من الثانوية بامتياز فسألني ماذا قررت التخصص في الجامعة؟ • وما كان جوابك؟ أعدت عليه السؤال وقلت له ماذا تتمنى أن تراني فاجاب»اتمنى قبل أن أموت أن اراك مرتدية البالطو الابيض، فقلت له سوف أجعلك تراه إن شاء الله، فدخلت كلية الطب وتخصصت في طب الأسنان لأنه دائما ما يشكو من أسنانه ولم يتبق لي سوى ثلاث سنوات على التخرج، وكم أشعر بسعادة عندما أرى السعادة في عينيه وهو يردد لم تخيبي ظني.