حبس سكان حي البلد، وسط جدة، أنفاسهم حينما اكتشفوا أن جارتهم المتسولة الكفيفة (عيشة) التي قضت نحو ربع قرن في التسول.. مليونيرة خلفت وراءها ثروة طائلة تقدر بنحو ثلاثة ملايين ريال ومجوهرات وجنيهات بقيمة مليون ريال.. وارتفعت حواجب الدهشة في الحي الشهير عندما علموا أن عيشة التي رحلت عن الدنيا عن مائة عام تملك 4 بنايات في ذات الحي..! ربع قرن من التسول ذات صباح وصلت سيارة إسعاف إلى المبنى الذي تقطنه عيشة وحملت جثتها إلى المستشفى بعدما فارقت الحياة فجأة في حمام بيتها.. وطبقا لأقوال جيران الراحلة في حي البلد فإن أحدا لا يعلم إن كانت العجوز الراحلة ووريت الثرى أم أنها باقية في الثلاجة، لكن الشاهد في الأمر أن رحيل المسنة بعد أكثر من 50 عاما من التسول وتركها لإرث غال بهذا الحجم خلق نزاعات وصدامات في الحي العتيق. يقول أحمد الصعيدي، وهو من ظل قريبا من عيشة الشحاذة: تربيت معها في ذات الحي منذ أن كنت صغيرا، ولم يكن لها أنيس أو أهل غير والدتها وأختها اللتين ظلتا تمارسان حرفة التسول مع عيشة، ويجمعن الأموال ويحفظنها حتى وصلت الثروة الى ما هي عليه من حال. أغلب الإعانات كانت تأتي إليهن في الأعياد والمواسم من أهل البر والإحسان وعلى مدار العام. وظلت عيشة تمارس التسول لأكثر من خمسين عاما وزاد نشاطها بعد رحيل والدتها وأختها.. ويواصل الصعيدي: «دفنتها بيدي في مقبرة أمنا حواء، ولم يتبق لها عائل أو أحد من أهلها فهي كما يعلم الجميع مقطوعة من شجرة، ولذلك سخرت نفسي وقتذاك لرعايتها، فهي امرأة كبيرة في السن وكفيفة ولا قريب لها في هذه الدنيا». أدرك الصعيدي مبكرا حجم ثروة المليونيرة المتسولة وطلب منها اعتزال هذه المهنة، إذ أن لديها نعمة كبيرة وأنها غير مضطرة كي تمد يدها للناس أعطوها أو منعوها، لكنها رفضت وتذرعت بأنها تعمل حسابا لغدر الزمن، ولم تتوقف عن التسول، لكنها أوصته قبل رحيلها بتسليم الأموال والمجوهرات إلى الجهة المعنية، إذ يقول«كانت تطلب مني أن أبيع لها جنيهات الذهب وأفعل ذلك مقابل 250 ريالا للقطعة الواحدة. كان ذلك قبل 15 عاما أما الآن فقد وصلت قيمة القطعة إلى نحو 1000 ريال». الصعيدي يشعر بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه بل يعلن صراحة عن ضيقه بهذه المهنة وتنفيذ وصية المليونيرة المتسولة التي رحلت عن الدنيا بعدما أوصته، وهو الأمر الذي دعاه إلى العمل على تنفيذ الوصية كما هي.. ويضيف: المسألة لم تعد مفهومة لي حيث تقدمت ببلاغات الى الشرطة والمحكمة أشرح فيها تفاصيل الواقعة وعلمت من الجهتين أن الأمر ستتم معالجته وفق الأنظمة. ويضيف: حتى اللحظة لم يحدث شيء ما اضطره لتسليم الثروة والذهب لأحد أعيان الحي وتلقى وعدا من الأخير بتسليمها الى الجهات المختصة.. وكان ذلك بشهادة الجيران الذين وقفوا على أغرب مشهد عندما خرج الصعيدي بالذهب والأموال الى الشارع وسكب محتويات الصندوق (الكنز) على الأرض أمام مرأى ومسمع الجميع إبراء لذمته. هذه شهادتي لله يواصل الرجل رواية الحكاية ويقول: ظلت المسنة تستقبل في بناياتها الأربع عددا من العائلات، إذ تعرفهم منذ زمن بعيد، وبعد وفاتها فضلت هذه الأسر البقاء في المنازل بالرغم من مطالبته لهم بالمغادرة وتقديمه شكاوى الى الجهات المختصة بضرورة تسليم العقارات الى الجهة المختصة . ويضيف الصعيدي: هذه شهادتي لله.. العائلات المذكورة ظلت تقطن في المباني وعيشة على قيد الحياة ولم تمنع بقاءهم ولكني أتساءل أليس من الأولى أن تذهب الأموال الى بيت مال المسلمين حتى يفصل الشرع في أمرها؟. ما يشغل بال الصعيدي، حاليا، طبقا لأقواله أنه يرغب بشكل جدي وحاسم في إراحة ضميره وتسليم الأمانة إلى الجهات المختصة. في المقابل تتضارب أقوال السكان في الحكاية واستمعت (عكاظ) إلى أقوال بعضهم، حيث ذكروا ان المباني لم يطلب أحد من السكان مغادرتها لأنها لم تكن مستأجرة أصلا. ويقول ل(عكاظ) أحد سكان الحي إنه سبق له ان راجع جهات التحقيق بشأن القضية التي رفعها ضده أحمد الصعيدي ومطالبته له بمغادرة البناية. ويقول الساكن إنه اختار البقاء في منزل عيشة بناء على رغبتها قبل رحيلها. هل دفنت عيشة؟ الأهالي يتساءلون: هل دفنت خالتنا عيشة أم ما زالت في ثلاجة الموتى؟ لا علم لنا بما حدث، ولا يخفي هؤلاء تعاطفهم مع سكان مباني عيشة وقالوا إنهم لا يرغبون في طردهم خاصة أنهم عائلات فقيرة وبعضهم يمارسون نفس مهنة عيشة، لكن الصعيدي من جانبه يطالب بإعطاء كل ذي حق حقه وتسليم الممتلكات للجهات المختصة للبت في الأمر نظاما وقانونا، إذ يقول «حملتني المسنة أمانة ولن أتنازل عنها حتى تتسلم الجهات المختصة المنازل للتصرف فيها». العمدة: لم أتسلم شيئا عمدة حي البلد طلعت غيث يروي من جانبه أنه بعد رحيل المسنة أحيلت كل الأوراق للجهات المسؤولة للبت في أمر الأملاك، داحضا بذلك ما تردد عن تسلمه أموالا منه. مؤكدا أن لديه وثائق تؤكد صحة ما ذهب إليه بخصوص ثروة السيدة ومنازلها ومحاضر رسمية من الشرطة، تؤكد أنه ذهب فعليا لإنهاء الموضوع وإبلاغ الجهات المعنية بخصوص أملاك عيشة التي رحلت دون أن تترك وراءها أنيسا ولا وريثا. وذهب العمدة طلعت غيث إلى القول: الراحلة استقبلت في بناياتها أكثر من عائلة قبل وفاتها وعاشوا وتربوا معها، وبعدما توفاها الله لم يخرج أحد من تلك المباني، حتى أنا عمدة الحي ليس من حقي إخراجهم.. القضية برمتها أمام الجهات المختصة وهي القادرة على الفصل فيها بصورة حاسمة.