لم يعد بيت الشعر الذي قاله أمير الشعراء أحمد شوقي قبل عشرات السنين «قم للمعلم وفه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا».. له مكان بين طلاب الجيل الحالي، وربما كثير منهم لم يسمعوا به، بعد أن فقد المعلم هيبته، وأصبحت مهنة التدريس وفقا لرأي اختصاصيين مهنة من لا مهنة له. «عكاظ» فتحت مع عدد من التربويين موضوع افتقادهم في الوقت الحاضر للهيبة والتقدير اللذين كان يتمتع بهما نظراؤهم في الأجيال السابقة، وحملوا الأسرة وأولياء الأمور واللوائح والإعلام المسؤولية، موضحين أن الآباء في السابق كانوا يوصون أبناءهم الطلاب على احترام وتقدير معلميهم، في حين أصبح أولياء الأمور يحاسبون المدرس في وقتنا الحاضر على كل صغيرة وكبيرة أمام الطلاب ما يفقده قيمته. وذكروا أن الإعلام دائما ما يقسوا على المعلمين والعملية التربوية كافة، دون أن يقدموا الحلول للأخطاء إن وجدت، ولم يبرئ أولئك التربويون ساحتهم من تحمل ما يحصل لهم، لافتين إلى أن بعض المعلمين قد يصدر منهم بعض التقصير في أداء عملهم، ما يفقدهم هيبتهم بين الطلاب، فضلا عن عدم قدرتهم على التعامل بالطريقة المثلى مع التلاميذ تحفظ لهم قيمتهم. وأكد التربوي خالد الغامدي (مدير مدرسة) أنه كلما حافظنا على هيبة المعلم وقيمته، كلما حققت المدرسة أهدافها المنشودة، مشيرا إلى أن العملية التعليمة لن تستقيم في حال لم تكن قيمة رفيعة للمدرسين أمام طلابهم. وقال الغامدي «تألق الجيل السابق لم يأت إلا بالنظرة الإيجابية التي كان يلقاها المعلم في المجتمع، والثقة التي كان يلقاها من الأسر وأولياء الأمور آنذاك، تسانده في تعليم وتربية أبنائها ولهذا وجد الجيل المتميز الذي يقدر المعلم»، مشيرا إلى أن ما يحصل للمعلم اليوم من عدم تقدير وتوقير جعل العملية التربوية والتعليمية تختل كثيرا ما انعكس سلبا على نوعية مخرجاتها. وشدد على أهمية أن نعيد للمدرسة مكانتها، ونعيد القيمة للمعلم حتى يصنع الأجيال التي نفخر بها، وذلك بالتشجيع والمؤازرة، ومنح المدرسة قيمتها الحقيقية التي تعادل قيمة المسجد، مؤكدا أن المعلمين يشتركون في هذه المسؤولية، بالارتقاء بالتعليم والإخلاص في عملهم وأداء رسالتهم التربوية على أكمل وجه، حتى يحظوا بتقدير الجميع. وذكر أن كثيرا من التربويين حاليا صنعوا لأنفسهم مكانة راقية بين طلابهم وفي المجتمع، من خلال الإخلاص في عملهم وتأدية رسالتهم بالطريقة المثلى. إلى ذلك، بين المعلم إبراهيم غبين (ماجستير دمج ذوي الاحتياجات الخاصة من جامعة بيرمنقهام) أن المعلم أضحى كسير الجناحين جراء افتقاد هيبته لدى طلابه، الأمر الذي أدى إلى تدني مستوى التحصيل لدى الطالب من خلال عدم إعطاء المعلم تلك الأهمية البالغة بسبب قلة الصلاحيات الممنوحة للمعلم وبسبب تلك الأنظمة التي تتيح للطالب الانتقال من مرحلة إلى أخرى بشكل أسهل من السابق فلم نعد نسمع كلمة «راسب» أو «أعاد السنة الدراسية» إلا في النادر جدا. وبدأ المعلم علي أحمد سهلي حديثه بالبيت الشهير «قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا»، مشيرا إلى أن ذلك البيت كان يؤثر فيهم حين يردده أولياء أمورهم عليهم في المنزل، فيزيد تقديرهم واحترامهم للمعلم الذي كاد أن يبلغ مرتبة الرسل، ما يضفي عليه الهيبة والوقار. وقال سهلي «للأسف لم يعد ذلك البيت يتردد بكثرة حاليا كما كان في السابق، ويرى البعض أن الوضع وراء افتقاد المعلم لهيبته، لكن أرى أن البيت وأولياء الأمور هم من يرفعون قدر المعلم عند أبنائهم الطلاب، ليس بالترهيب بل بالتربية على احترامه وتقديره كما يحترم الابن الأب»، مستغربا تصرف عدد من أولياء الأمور والذين يحضرون إلى المدرسة لمحاسبة المعلم على كل صغيرة وكبيرة تمس الطالب، ما يفقد المعلم هيبته أمام طلابه. بدوره، رأى المعلم عباس بكري آل زيلع، أن إعادة هيبة المعلم تتمحور في ثلاثة محاور وهي وزارة التربية والتعليم، والمدرسة والمعلم، وولي الأمر، مطالبا الوزارة بإعادة دراسة لائحة السلوك والمواظبة بما يسهم في إعادة هيبة المعلم، لافتا إلى أنهم لا يريدون عمل ورشات ودورات ومهرجانات وديكورات، لا تفيد المعلم بشيء. واقترح منح مديري المدارس الصلاحيات الكاملة في إصدار العقوبات الرادعة بحق الطالب المخطئ بحق المعلم، مؤكدا أن التربوي له دور كبير وحيوي في إعادة الهيبة له، من خلال تطوير قدراته، وإتقانه للمادة العلمية بالشكل الصحيح، وأن يكون قدوة حسنة للطالب في تصرفاته داخل المدرسة وخارجها حيث إن حمل العصا ليس حلا لهذه الظاهرة. ونبه آل زيلع إلى أهمية تثقيف أولياء الأمور بأهمية التربية قبل التعليم من قبل المدرسة والمجتمع ووسائل الإعلام بجميع أنواعها. من جهتها، ذكرت معلمة اللغة الإنجليزية نجاة محمد خيري أن شخصية المعلم والمعلمة تلعب دورا كبيرا في الحفاظ على الهيبة من خلال استراتيجيات معينة أهمها فن إدارة المواقف الصعبة وإدارة الصف واتباع الطرق التي تمكن المعلم من أسر قلوب الطلبة بسياسات اللين مع الحزم والعطاء العاطفي واحترام وتقدير كينونة الطالب النفسية والعقلية والعاطفية وتفهم قدراته وإمكاناته والدوافع والأسباب خلف تراجعه سلوكيا أو تعليميا أو حتى إبداعيا. وأوضحت خيري أنه يجدر بالمعلمين و المعلمات أن يكونوا على دراية بالسمات العمرية لفئة الدارسين في الصف حتى يتمكنوا من إعداد خطة تشغيلية متكاملة تعليميا وترفيهيا وسلوكيا لتبديد الطاقة المكبوتة والتي قد تحيل الفصل إلى براكين لا تهدأ من السخط والانتقام، لافتة إلى أن الكفاءة العلمية والمهارة التربوية وجهان لعملة التميز في مجال التعليم. بينما أكدت المعلمة لطيفة عجيبي أنه لو استخدمت الأساليب القديمة في التربية والتعليم لعادت الفائدة للطالب، مطالبة بإلغاء جميع القرارات الوزارية التي تقف مع الطالب ضد المعلم وخاصة قرار «حتى يسقطك أرضا». وأرجعت معلمة الرياضيات حنان أحمد الشيخي ضياع هيبة المعلم إلى تدني مستوى التربية، ما جعل الطالب لا يحترم ولا يقدر المعلم الذي يقف أمامه، فقديما كانت المعلمة بمثابة الأم لها هيبتها ووقارها أمام الطالبات، مبينة أن البيت والأسرة لهما دور كبير في إعادة الهيبة للمعلم. من جانبه، أوضح الدكتور صالح يحيى الجارالله أستاذ علم النفس بجامعة الباحة أن مهنة التعليم من أشرف وأنبل المهن الإنسانية في تاريخ البشرية، فالمعلم على مر التاريخ صاحب الحظ الأوفر من الاحترام والتقدير في المجتمعات، ولكن في الآونة الأخيرة تغير حال المعلم إلى الدرجة التي فقد هيبته بين تلاميذه وفي المجتمع. وقال الجار الله «فقد المعلم هيبته لأسباب عدة بعضها متعلق بالمجتمع، وأخرى يتحملها المعلم ذاته، فالنظرة الاجتماعية لمهنة التعليم جعلت منها مهنة غير مرغوبة لدى الكثير من الخريجين، لأنها الأكثر استقطابا للخريجين وللضمان الوظيفي فقط يتجه إليها البعض مع عدم القناعة بها كمهنة، ما جعلها مهنة من لا مهنة له»، ملمحا إلى أن من الأسباب المهمة في تدهور قيمة المعلم في المجتمع النقد الدائم الذي يلقاه في وسائل الإعلام التي تمارس ضغوطا على المعلم وعلى العملية التعليمية. وأضاف الجار الله «انتشار وسائل الإعلام الحديثة أسهم بشكل كبير في فقدان المعلم لهيبته فالكم الكبير من هذه الوسائل واستعراض كل تفاصيل العملية التعليمية وخوف المعلم من النقد بشكل عام ، ولا ننسى أن ما صاحب الفترة الحالية من تغيرات اجتماعية أثر على منظومة القيم الاجتماعية لدى الناشئة من طلبة المدارس وأسهم بشكل كبير في عدم احترام وتقدير المعلم من قبل طلابه، وأفراد المجتمع»، لافتا إلى أن هناك أسبابا تتعلق بالأنظمة واللوائح التي تسهم في ضعف مستوى تقدير الذات للمعلم، وعدم احترام الآخرين له. وذكر أن من الأسباب الخاصة بالمعلم منها ضعف مستواه علميا ما أفقده هيبته أمام طلابه وزملائه، والمجتمع أيضا، وهنالك أيضا السمات الشخصية، والخلقية التي أسهمت أيضا في فقد هيبته أمام الآخرين، فالمعلم هو القدوة لطلابه، والآخرين فإذا فشل النموذج والقدوة في إقناع الآخرين بهيبته، وأهميته فإنه من الطبيعي يفقد احترامه وهيبته أمام الآخرين. وذكر أنه بالنظر إلى هذه الأسباب فإن علاج هذه المشكلة تكمن في الاختيار السليم للمعلم، اختيارا يبنى على أسس علمية صحيحة، وإعادة دراسة بعض اللوائح والأنظمة التي تضعف من احترام المعلم وتعديلها. وطالب الجار الله منح المعلم بعض المميزات الاجتماعية التي تسهم في الارتقاء بمهنة المعلم ومنها على سبيل المثال لا الحصر: تأهيل المعلم علميا وتربويا باستمرار، توعية المجتمع بأهمية مهنة التعليم، الإسراع في إنشاء جمعية تضم المعلمين المتميزين، إتاحة الفرصة للمعلم للتدريب والابتعاث داخليا، وخارجيا، تشجيع الدراسات والأبحاث حول هذه الظاهرة، منح المعلم بعض الخدمات الخاصة، وسرعة خدمته في الدوائر الحكومية المختلفة أثناء مراجعته فيها، الاحتفاء بالمعلم باستمرار من قبل مؤسسات المجتمع المختلفة. وفي السياق ذاته، بين علي محمد باعشن (أخصائي اجتماعي) أن هيبة المعلم تكمن في احترامه وتقديره، مشيرا إلى أنه في الماضي كان يتمتع بكثير من التقدير والتوقير لوجود توافق وتكامل بين البيت والمدرسة وكل اللوائح التي تمنح المدير والمعلم الصلاحيات كافة. وأشار إلى أن هيبة المعلم تعتمد على ما يمتلكه المعلم من قدرات ومهارات في مراعاة الفروق الفردية للطلاب والقرب منهم واستخدام وسائل التحفيز والتعزيز، خصوصا أن البعض ينظر للوائح والتعليمات بأنها سبب لاختفاء هيبة المعلم، مبينا أن للأسرة والإعلام الدور الأكبر في إنشاء جيل يعي ويحترم المعلم ليعود إلى مكانه وهيبته، وينعكس ذلك على أدائه في المجتمع كافة.