تعد مراكز الأبحاث ومؤسسات التفكير THINK TANK من أهم المؤسسات التي تسهم في نقل التقنية وتوطينها وتطويرها، بل وإيجاد الجديد وابتكاره لتطويره كسلعة أو أداة أو سياسة لتطوير التجارة والاقتصاد وهي بذلك تسعى لإثراء المعرفة والنهوض بها، وهي تشمل ونحن هنا نتحدث عن مراكز الأبحاث RESEARCH CTRS شتى حقول المعرفة الطبية والتقنية والهندسية والفعالية وكل مناحي فروع المعرفة ولقد أصبح لدى العالم أيضاً مراكز أبحاث تتخصص في جزئيات المعرفة تقنية النانو بهدف الوصول إلى تحقيق الأحلام العلمية إلى واقع... من جهة أخرى، فإن مؤسسات التفكير، وفق تعريف الأممالمتحدة، ولقد توقفت أمام إيجاد تعريف يوضح، المصطلح الإنجليزي، فتارة رأيت أن ترجمته كوعاء فكر وتارة أخرى خلية تفكير، ولكن بالطبع وجدت أن مصطلح الأممالمتحدة كمؤسسات تفكير هو الأقرب والأفضل.. ويمكن تعريف مؤسسة التفكير هذه وفق ما ورد في «ويكي بيديا» .. فهي المؤسسة التي تجري أبحاثا ودراسات في مواضيع وشئون عدة، مثل السياسة الاجتماعية والسياسة الاستراتيجية، الاقتصاد، الشئون العسكرية، التقنية، الثقافة (وكذلك الإرهاب) ولقد عرف الكاتب جون جودمان في إصدار خاص ماهية مؤسسة التفكير ونشر في المركز الوطني لتحصيل السياسة في 20 ديسمبر عام 2005، متسائلا في تلك الورقة عن ماهية مؤسسات التفكير ولماذا هي مهمة وغيرها من الأسئلة ويقول إن المؤسسة هي التي تعنى بالأبحاث ذات العلاقة بمشاكل محددة وتشجع على اكتشاف الحلول لتلك المشاكل وتسهيل التفاعل بين العلماء والمفكرين للسعي نحو تلك الحلول (وكذلك) فإن مؤسسة التفكير تركز بصراحة ووضوح على السياسات الحكومية بهدف تطوير وتحسين تلك السياسات أو إيجاد بدائل أفضل قابلة للتطبيق. وكذلك استرسل الكاتب جودمان بأن المؤسسات التفكيرية التي تعنى بالسياسات العامة فإنها متداخلة ومشتركة مع عالم الأبحاث وعالم الأكاديميات في حقيقة الأمر ويرى أن من أهم قنوات التغير السياسي ليست السياسيين أو الأحزاب السياسية ولا حتى التبرعات المالية ولكن هي تلك الأفكار التي تطورت في الحرم الجامعي للعديد من الكليات في مؤسسات التفكير وفي العديد من المؤسسات البحثية في كافة البلاد أمريكا .... وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم مؤسسات التفكير المتواجدة عالمياً الآن قد أنشئت بعد عام 1970 وأن أكثر من نصفها قد أنشئ منذ عام 1980. وقبل أن أسترسل في موضوع اليوم THINK TANK أتذكر جيداً حوارا دار بيني وبين معالي المرحوم السيد حسن كتبي، أسكنه الله الجنة، عندما كان يعمل تحت توجيهات جلالة الملك فيصل طيب الله ثراه وفي مرحلة مكافحة الشيوعية العالمية، بأنه رحمه الله وخلال زيارة عمل له خلال السنوات الأخيرة من الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي، أشار بأنه وخلال تلك الزيارة تم خلالها نقاش ما ذهب إليه وكانت المهمة ناجحة بفضل من الله، ولكنه استطرد قائلا بأن أكثر ما تأثر به وأعجبه، هو أن المسئولين في الصين الوطنية في ذلك الوقت أخبروه بأن الرئيس شيانج كاي شيك في ذلك الوقت قد وافق أن يزور معاليه مؤسسة تفكير متطورة في الصين الوطنية وغير معلن عنها، ولم يسبق لأحد من العالمين العربي والإسلامي زيارته. وخلال تلك الزيارة، اكتشف أن العديد من علماء تلك الدولة كانوا يعكفون على إعداد دراسات وبدائل وآليات تنفيذ لأسس كثيرة وأهمها، ما ستكون عليه بلادهم خلال الخمسين سنة القادمة عسكرياً، وهو الأهم بالنسبة لوضع الصين الوطنية الجغرافي والسياسي مسألة بقاء وكذلك من الناحية الاقتصادية والتجارية وغيرها... وأهم عوامل استمرار تلك الدولة يكمن في التطوير المستمر والعمل الدؤوب للارتقاء والاستمرارية لدولة لا تعتمد على مصادر ثروات طبيعية سوى الثروة البشرية للصين الوطنية. وفي نهاية حواري مع معالي السيد حسن كتبي يرحمه الله أخبرني من أن تلك التجربة الثرية لزيارة تلك المؤسسة وإعجابه الشديد بما شاهد وعرف لأول مرة عن وجود مثل تلك المؤسسات التفكيرية.. وبالعودة إلى موضوع المقال، يعرف قاموس أكسفورد مؤسسة التفكير تلك بأنها مجموعة من الخبراء الذين يوفرون ويسدون النصائح والأفكار في مشاكل محدَّدة ذات طابع سياسي أو اقتصادي... ولتوضيح أهمية مؤسسات التفكير تلك وفي ذات السياق قال: فيكتور هيدجوا الكاتب والمؤرخ الفرنسي «من أن لا شيء أقوى من فكرة حان وقتها».. وقال لذلك تستطيع أن تصد وتقاوم الغزو العسكري ولكنك لا تستطيع أن تقاوم الغزو الفكري.. ولعله من المناسب هنا، وبشكل موجز أن نشير إلى مدى اختلاف مراكز الأبحاث عن مؤسسات التفكير، فإن الجزء الأكبر من الاختلاف هو أن في مراكز الأبحاث، فإن أبحاث الأساتذة، والعلماء خلال سنوات عملهم المحددة بسن معينة، بمعنى آخر فإن تلك الفترة ليست مدارة أو موجهة، ومن أن الهدف الأساسي من مراكز البحوث يعود بالكامل لرغبات وفكر الأستاذ أو العالم وقد يكون الهدف من البحث هو حل أو عدم حل مشاكل اجتماعية هامة على سبيل المثال... ولكن على الطرف الآخر، فإن مؤسسات الفكر.. فإنها ذات أهداف محددة جداً وهي تشغل علماء جامعيين وغير جامعيين للقيام بأبحاث ودراسات محددة وتشجع وتحث على حلول المشاكل المحددة تلك بشكل جلي وواضح: (مصدر التفرقة هنا والإيضاح بين كل من مركز الأبحاث ومؤسسة التفكير هو الكاتب الأمريكي جون جودمان في ذات المصدر المشار إليه سلفاً باسمه). ويشير بعض الكتاب أيضاً بأنه بالفعل من الصعب أن تتناول أي سياسة عامة شاملة في العصر الراهن دون الإشارة إلى أنها، تلك السياسات، قد خرجت وتطورت من خلال تلك المؤسسات ومن أمثلة تلك السياسات العامة الشاملة، على سبيل المثال، عندما قررت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارجريت تاتشر تخصيص الاقتصاد في بريطانيا، فإنها اعتمدت على معهد آدم سميث ومعهد الشئون الاقتصادية في سبيل الحصول على أفكار مضاهية لتحقيق أهدافها... ومن الأبحاث الخاصة بمؤسسات التفكير نجد أمثلة كثيرة أخرى كاعتماد العديد من قادة الغرب على مؤسسات التفكير... ويرى بعض المحللين والصحفيين من أن مؤسسات التفكير تلك في أمريكا لعبت وتلعب دوراً محورياً لدى الحكومة الأمريكية في محاربة الإرهاب.. ولندلل على أهمية مؤسسات التفكير هذه بصفة عالمية وبالذات بالنسبة لأمريكا، فإنه يوجد عالمياً أكثر من تسعة آلاف مؤسسة تفكير منتشرة عالمياً وتقريباً نصف عدد تلك المراكز يتواجد في الولاياتالمتحدةالأمريكية، أكثر من أي دولة أخرى في العالم.. حيث إن أمريكا توفر أرضية ومناخا وظروفا مواتية للغاية لمثل تلك المؤسسات علماً أن أقدم مؤسسة تفكير هي في واشنطن العاصمة وتعرف باسم بروكنجز إنستيتيوت الذي أسس عام 1916م. ومرة ثانية تقودني الذاكرة، عندما كنت وكيلاً لوزارة الصناعة وفي فترة لاحقة وكيلاً لوزارة الإعلام، وعند كل زيارة لواشنطن دي. س. كان جدول المهمة ومن خلال طبيعة عملي يشمل زيارة لمركز أو مؤسسة من تلك المؤسسات المنتشرة في العاصمة الأمريكية، وهي عادة ما تكون مؤسسات لا ربحية تمولها الحكومة الفدرالية، ولها استقلالية تامة عنها، وكذلك قد يكون التمويل عن طريق التبرعات غير المشروطة، وتقوم بدراسات وأوراق عمل بحثية بمبادرة منها عن مواضيع محددة أو بتكليف من الحكومة أو الكونجرس. وفي نهاية مقال اليوم نشير إلى مقال جيد بعنوان أي دور لمؤسسات التفكير في تحديد مستقبل المنطقة كتبه أ. مولاي محمد إسماعيلي عن مؤسسات التفكير تلك بأنها تقدم الاستشارة لمن يطلبها أو تتعاقد مع مؤسسات ودول وغيرها من أجل أن تقدم لها مجموعة من الحلول والأفكار الخاصة بقضية من القضايا أو موضوع شائك أو مسألة بالغة التعقيد سواء في الجانب السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي (وكذلك) تعتمد عليها الدول الغربية ودول شرق آسيا المتقدمة في معالجة مشاكل التنمية التي تواجه تلك البلدان.... ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى...». ولعله من المناسب أن نقف على أعداد مؤسسات التفكير تلك عالمياً حيث أشارت دراسة قامت بها جامعة بن ستيت في ولاية بنسلفانيا الأمريكية عام 2013 إلى أنه يوجد حاليا نحو 6826 مؤسسة تفكير في جميع أنحاء العالم وفي المركز الأعلى لأهم ثلاثين مؤسسة تفكير فقد أشارت الدراسة تلك لجامعة «بن ستيت» من أن إحدى عشرة مؤسسة من تلك المؤسسات الثلاثين، التي هي في القمة، توجد في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأربع في بريطانيا، واثنتان في روسيا، واثنتان في بولندا وواحدة في الصين وواحدة في كينيا ومن أنه لا يوجد أي مؤسسة تفكير في الشرق الأوسط وفق تلك الدراسة. وأعود مرة ثانية لمقالة أ. مولاي محمد إسماعيلي السالفة الذكر والتي تعبر وتوضح السبب الرئيس لكتابة مقال اليوم حيث يقول الكاتب «إن تأسيس مؤسسات للتفكير في المنطقة العربية والإسلامية أصبح ملحاً أكثر من أي وقت مضى، لأن هذا الأمر سيمنحها التخطيط اللازم والمنهجية السديدة للخروج بهذه الشعوب إلى بر الأمان.... وهذا الأمر لن يتأتى إلا بتشجيع الحرية الأكاديمية وعدم التدخل في أعمال الباحثين ونتائج أبحاثهم وتقاريرهم».