جرائم بلا دماء !    «خدعة» العملاء!    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الحكم سلب فرحتنا    الخرائط الذهنية    ماذا فعلت القمة الكبرى؟    مبادرات نسائية    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    علاقات حسن الجوار    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    6 ساعات من المنافسات على حلبة كورنيش جدة    عاد هيرفي رينارد    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    لماذا فاز ترمب؟    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    الصين تتغلب على البحرين بهدف في الوقت القاتل    هاتفياً.. ولي العهد ورئيس فرنسا يستعرضان تطورات الأوضاع الإقليمية وجهود تحقيق الأمن    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    NHC تعزز وجهاتها العمرانية ب 23 مركزًا مجتمعياً بقيمة تتجاوز نصف مليار ريال    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    فريق الرؤية الواعية يحتفي باليوم العالمي للسكري بمبادرة توعوية لتعزيز الوعي الصحي    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    مركز صحي الحرجة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للسكري"    تبرعات السعوديين للحملة السعودية لإغاثة غزة تتجاوز 701 مليون ريال    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 43736 شهيدًا    أمير الرياض يستقبل أمين المنطقة    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في شهرين مع قوة الدولار والتركيز على البيانات الأمريكية    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    انعقاد المؤتمر الصحفي للجمعية العمومية للاتحاد الدولي للخماسي الحديث    "محمد الحبيب العقارية" تدخل موسوعة جينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    عصابات النسَّابة    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    198 موقعاً أثرياً جديداً في السجل الوطني للآثار    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    أجواء شتوية    مقياس سميث للحسد    الذاكرة.. وحاسة الشم    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور خزانات التفكير في إدارة المعرفة

مثلما تطورت المجتمعات الإنسانية عبر الزمن من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي إلى المجتمع المعلوماتي الذي بدأ يتحول وبسرعة متناهية إلى مجتمع أوسع هو المجتمع المعرفي الذي بدأت تتبلور معالمه، فإن إدارة تلك المجتمعات تطورت بالأسلوب نفسه إلاّ ان الإدارة القائمة على المعرفة (إدارة المعرفة) أخذت بالتسارع والتطور بأسلوب يتماشى مع التسارع الحاصل في التقدم المعرفي. مما أوجب إيجاد قنوات اسناد ودعم يتمثل بعض منها ببنوك المعلومات وخزانات التفكير Think Tanks.
لذلك يتفق الجميع على أن ثورة المعلومات والتسارع الحاصل في إنتاجها وتطبيقاتها تعتبر مصدراً مهماً يستدعي ان تتم إدارته بأسلوب يتناسب مع أهميته أسوة بإدارة المنظومات الأخرى التي بدورها أصبحت تحتاج إلى إدارة معرفية تتناسب مع روح العصر ومتطلباته.
وعلى الرغم من ان مصطلح إدارة المعلومات أصبح شائعاً ومعروفاً في الأوساط المعلوماتية إلاّ ان مصطلح «إدارة المعرفة» وهو الأوسع نطاقاً والأشمل محتوى لا زال يعاني من غربة التسمية وليس الممارسة. ومهما اختلفت المسميات فإن إدارة المعرفة أخذت تتبلور بصورة متسارعة وأصبحت سنداً يعتمد عليه في تصريف جميع شؤون الحياة بشرط ان تسندها معاهد ومراكز استشارية متخصصة ومؤهلة ومدعومة بما يسمى خزانات التفكير التي أصبحت رديفاً مسانداً لأصحاب اتخاذ القرار في أي مؤسسة تسعى للنجاح وذلك لضمان ان يتماشى القرار مع ما هو سائد في السوق العالمية سواءٌ كان ذلك في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الأمني أو الصحي أو التعليمي أو غير ذلك من الفعاليات ذات البعد الاستراتيجي فاليوم تستعين كل من الحكومات والمؤسسات الاستثمارية والشركات الصناعية بخزانات التفكير في اتخاذ قراراتها وتعتمد على الإدارة المعرفية في إدارة شؤونها.
نعم ان القرارات التي تصنع الأحداث الهامة في حياة الشعوب والمجتمعات أصبحت بحاجة ماسة إلى أفكار مبدعة وآراء نيرة تنتجها عقول متفتحة تدرك ابعاد ما نقول وتجمع شتاتها مؤسسات عصرية تسمى خزانات التفكير التي بدأت تنتشر كمؤسسات فاعلة انتشار النار في الهشيم وذلك بسبب إدراك الجميع لأهمية اتخاذ القرار الصائب المبني على قواعد العلم والمعرفة.
تتكون خزانات التفكير من مجموعة من المفكرين الموهوبين المصقولين بالتجربة والخبرة.
وهؤلاء المفكرون متفرغون للتفكير في المستقبل والمبادرة إلى صناعة الاحداث وذلك بدلاً من الوضع القائم حالياً في بعض الدول التي تعتمد على اللهاث وراء الاحداث ومحاولة الاستجابة لمتطلباتها والذي قد يلهيها عن عملها الاساسي خصوصاً اذا اصبح الشق اوسع من الرقعة كما هو مشاهد في بعض الدول المجاورة.
ان اسلوب المشورة المتداولة في كثير من دول العالم الثالث لازال اسلوباً بدائياً لا يعتمد على الاسلوب العلمي المبني على استراتيجيات استباقية واولويات تخطيطية ودراسات ميدانية تحدد السلبيات والايجابيات وتضع الخيارات والبدائل امام صاحب او اصحاب القرار. ان الاسلوب القديم في المشورة لا يعدو رجع صدى لآراء فردية او لجان غير متجانسة وغير مؤهلة تعتمد على آراء آنية متضاربة احياناً ومنغلقة احايين وقد تسيطر عليها او تسودها الاهواء او المصالح الشخصية.
من هذه المنطلقات تصبح الاستعانة بالافكار الجماعية المبنية على قواعد العلم والمعرفة ذات اهمية بالغة وهذه يمكن توفيرها من خلال الاتجاه الى انشاء خزانات تفكير وطنية والاستعانة بها وذلك من اجل رسم خارطة طريق ذات معالم اوضح واكثر تفاصيل للأحداث التي تعج بها المنطقة والتداعيات المحتملة لها على المستوى الاقليمي والدولي.
نعم لا يمكن لأي امة من الامم ان تنهض معتمدة على تفكير عقول مستوردة لأن تلك العقود مؤقتة من ناحية وقد يكون لبعضها ارتباطات تفرض عليها اجندة محددة. اما الامم التي تعتمد على تفكير العقول الوطنية المتفتحة التي تستفيد من الاخر وتبني تفكيرها على اسس المصلحة الوطنية فإنها الى النجاح اقرب لأن ما تطرحه من افكار ومبادرات له صبغة وجذور وطنية راسخة لا تزحزحها الاحداث ولاتذروها الرياح.
لذلك فإن الحاجة ماسة الى عصارة فكر المبدعين المخلصين وهؤلاء لا تكون الفائدة منهم كبيرة اذا كانوا يدلون بارائهم متفرقين لذلك تلجأ الامم التي تنشد النجاح الى جمعهم في مؤسسات متخصصة مثل مراكز الدراسات الاستراتيجية او ما يسمى خزانات التفكير التي تتمتع بالاحترام والتقدير والقدرة على صناعة التأِثير والتي من خلالها يمكن اعداد استراتيجيات وخطط تتلاءم مع عصر مجتمع المعرفة الذي اصبح ميدان تنافس بين الامم ايها يحقق قصب السبق في الوصول إليه والاستفادة من معطياته ومن ثم اعداد العدة والاستعداد لما هو قادم بعده.
ان واقع فجوة المعرفة بين دول الشمال والجنوب تزداد اتساعا مع مرور الأيام وذلك من حيث الجوهر اما المظهر فانه لا يعدو ان شعوب دول الجنوب لا زالت في معظمها تشكل سوقا استهلاكية لمنتجات التقنية، ان التقدم المعرفي لا يعني القدرة على الاستيراد والاستخدام مع جهل مطبق بكنهها او حتى مجرد صيانتها وإطالة عمرها ان التقدم يعني القدرة على توطين التقنية واستيعابها ومن ثم القدرة على إنتاجها وتطويرها وبعد ذلك تصديرها وغزو الأسواق بمنتجاتها وهذا يعني بناء اقتصاد المعرفة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ان اقتصاد المعرفة اقتصاد دائم التجدد والتطور وغير قابل للنضوب كما ان تفرعاته تزداد بزيادة التقدم المعرفي من خلال البحث والتطوير.
ان الذي يعتني بعقله وتفكيره ويستخدم ذكاءه وفطنته ويعي الواقع الذي يعيشه ويحيط به يستطيع ان يفك طلاسم ما وراء الاحداث والتطورات مهما اجتهد الآخرون في اساليب التعتيم والتعمية كما انه يصبح مؤثرا ولاعبا رئيسيا في مجريات الاحداث خصوصا اذا كان في يقظة دائمة يعد للمستقبل عدته.
نعم ان المعرفة قوة وبناء على هذه الحقيقة طورت الولايات المتحدة الامريكية خلال الخمسين عاما المنصرمة مفهوم مراكز الدراسات الاستراتيجية وخزانات التفكير التي اصبحت جزءاً من المؤسسات الاكاديمية والمراكز المستقلة أو على شكل فرق بحث موجهة أو على شكل وحدات تتبع الجهات الحكومية مثل وزارة الخارجية والدفاع ووكالة المخابرات المركزية او غيرها من القطاعات التي تعتمد على التفكير الاستراتيجي مثل الكونجرس او البيت الابيض ليس هذا فحسب بل ان بعضها اصبح على شكل معاهد متخصصة في شؤون الدول والشعوب مثل الشؤون العربية والاسلامية والشرق أوسطية والروسية والصينية واليابانية وامريكا اللاتينية واخرى متخصصة بالشؤون الاقتصادية او العسكرية أو الأمنية أو الدينية أو العرقية والنفسية.. والى جانب ذلك هناك عدد كبير من مراكز الدراسات الاستراتيجية التي تعنى بالشؤون المحلية والدولية وجميع تلك المؤسسات تعمل من أجل الصالح العام الامريكي وتستعين في سبيل ذلك بكل العقول الفذة التي تخدم اجندتها خصوصا تلك التي تنتمي الى المناطق المستهدفة بالدراسة والاستقصاء ناهيك عن استعانتهم بأصحاب الخبرة من رجال المال والأعمال والشركات العابرة للقارات ورجال السياسة والقطاعات العسكرية والأمنية والمنظمات الدولية، وكذلك الأكاديميين كل في مجال تخصصه.
ان تلك المعاهد والمراكز والخزانات تقوم بإعداد تقارير دورية ودراسات تفصيلية عن واقع وتوجهات الدول والحكومات والشعوب المستهدفة بالدراسة وهي في سبيل ذلك تستمد معلوماتها من وسائل الإعلام ومراسليها في تلك الدول وكذلك من عملائها من أبناء تلك الشعوب بالاضافة إلى رصد وتحليل مقالات وآراء الكتاب وعناوين الصحف ومناهج التعليم.. بالإضافة إلى ما تقوم به السفارات من دور فاعل في هذا الاتجاه.
وعلى العموم يوجد في أمريكا أكثر من «1500» خزان تفكير وهي بذلك تعتبر الدولة الأولى عالمياً التي تستعين بهذا العدد الكبير من خزانات التفكير.. وتتم الاستفادة من خزانات التفكير هذه بعدة طرق لعل من أهمها:
٭ الطريقة الأولى: تقوم خزانات التفكير بتوليد أفكار وخيارات مبتكرة للمسألة أو المشكلة المطروحة للبحث حيث يقوم الباحث في هذه المراكز بإعداد دراسات عميقة ومفصلة عن القضية الموكلة إليه تشمل جذورها التاريخية وأبعادها وتداعياتها ووسائل التعامل معها ويستعين في سبيل تحقيق ذلك بالمراجع المختلفة والتقارير الاستخباراتية والتحاليل الصحفية والتجربة الشخصية إذا كان ممن عاشوا أو زاروا تلك المنطقة بحكم العمل كسفير أو عضو في وفود، كما انه يمكن أن يكون هو ممن ولدوا وعاشوا في ربوع تلك البلاد بحكم انه من أبنائها المهاجرين كما يمكنهم الاستفادة من العملاء الذين يقومون بتجنيدهم وتوظيفهم.
٭ الطريقة الثانية التي تستفد من خلالها الحكومة في رسم سياساتها الخارجية انهم يختارون المبرزين في خزانات التفكير للعمل في وزارة الخارجية أو الدفاع أو وكالة المخابرات المركزية أو غيرها من القطاعات الحكومية كقياديين. وقد يحدث العكس وهو أن يتجه الوزير أو الرئيس الذي انتهت فترة ولايته أو عمله في الدولة للعمل في أحد خزانات التفكير أو يقوم بإنشاء خزان تفكير أو مركز دراسات استشارية واستراتيجية وذلك مثل ما فعل الرؤساء كارتر وفورد وكلينتون وكذلك جيمس بيكر وغيرهم كثير، كما يمكن أن توكل لهم بعض المهام عند الحاجة.
٭ الطريقة الثالثة تعتمد على التفكير الجماعي من خلال عقد اجتماعات وورش عمل يحضرها طرفا المعادلة المستفيد والمستفاد منه حيث تتم مناقشة القضية المطروحة للبحث والاستقصاء ويركزون عليها ويتبادلون الآراء والأفكار حول أنجح السبل للتعامل معها.
نعم إن افضل الأفكار هي تلك التي تنتج عن تلاقح أفكار العقول المبدعة والنيرة والمفكرة. لذلك فإن المنابر التي تسمى خزانات التفكير في أمريكا أصبحت مسؤولة عن كثير من القرارات التي تتخذها الحكومات الأمريكية المتعاقبة وذلك من خلال قيام تلك المخازن باستكشاف الأفكار وتدويرها وتمحيصها ومن ثم بلورتها بحيث تتحول إلى مفردات وصياغات ذات دلالات تفرض على صاحب القرار الاقتناع بها ومن ثم تبنيها والأخذ بها.
ان للفكر أهمية كبيرة جداً لدى صانع القرار السياسي الأمريكي خصوصاً إذا كان ذلك يصب في صالح المصالح الأمريكية سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو أمنية أو غيرها بغض النظر عن تعارضها مع مصالح الآخرين أحياناً.
نعم لقد أصبحت خزانات التفكير جزءاً لا يتجزأ من البنية التحتية الأساسية في الدول المتقدمة وأصبح الاتجاه إلى الاستفادة منها ذا أهمية بالغة حتى ان بعض الدول قامت بإنشاء خزان تفكير استراتيجي تابع لرئيس الدولة أو رئيس مجلس الوزراء وذلك مثل الهند واليابان وغيرهما كثير ..والله المستعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.