خاض العرب حرب القرم بعد أن طلب عبدالحميد الأول النجدة من والي مصر عباس الأول عشرة آلاف جندي، فأمده بخمسة عشر ألف جندي وفرقة بحرية من الفرقاطات والسفن. وكان الروس أيام القياصرة احتلوا شبه الجزيرة في عام 1771 التي سيطر عليها العثمانيون منذ نهاية القرن الخامس عشر، ودعمت بريطانيا وفرنسا ومصر العثمانيين في الحرب. ويذكر بعض أحفاد الناجين من تلك الحرب وغيرها أن الأتراك كانوا يجندون العرب في بلاد الشام في جيوشهم، ومنهم فلسطينيون، حيث كانوا يفرضون على كل مشيخة أو إقطاعية إرسال عدد من الشباب للجيش، وكان هناك فلسطينيون في الجيش العثماني نجا بعضهم في تلك الحرب وعادوا بعد عشرين سنة ليحدثوا عنها. وكانت الغلبة في النهاية للتحالف ضد الروس، وكانت سياسة العثمانيين آنذاك تجنيد العرب في جيوشهم للقتال في أوروبا، والإبقاء على الجنود الأتراك في البلاد العربية ليؤمنوا السيطرة العثمانية عليها، وكان ابن قريتنا «أبو ناظم» أحد الناجين من حرب اليمن يحدثنا عن مغامرته في تلك الحرب التي دامت سنين طويلة وأصيب في صدره وفقد السمع، وأعفي من الحرب؛ لأنه أصيب في صدره وليس في ظهره، حيث كان يعتبر من يصاب في ظهره انهزاميا ويعاقب. وكذلك كنا نسمع حكايات أحمد الشاويش الذي لقب بالشاويش؛ لأنه وصل هذه المرتبة العسكرية وكان في منطقة شرق أوروبا والقرم، وعاد بعد عشرين سنة إثر إصابته في يده. وكان هناك نقطة عسكرية تركت في الحرب العالمية الأولى في قريتنا ديرغسانة غربي رام الله كل جنودها من الأتراك، فيما كان يتم تجنيد شباب القرية والقرى المحيطة إلى البلقان. وحاليا أخذ بعض قادة الحكم الجديد في أوكرانيا يستنجدون بالأقلية التترية في شبه جزيرة القرم لمقاتلة الروس، وكذلك اتصلوا بقادة الشيشان الذين يحاربون الروس في منطقة القوقاز، وكأن قدر العربي والمسلم أن يحارب نيابة عن الآخرين، فقد قاتلوا مع الأتراك ضد الروس، وقاتلوا ضد السوفيات في أفغانستان، وقاتلوا رسميا مع الأمريكان ضد النظام العراقي، وقاتلوا مع الناتو في ليبيا، والآن مطلوب من بعض العرب والمسلمين القتال لصالح الغرب في أوكرانيا، أو القتال مع الروس ضد الغرب، وكأنه لا توجد قضايا عربية قومية تستحق القتال من أجلها. آخر شيوخ الدولة العثمانية في منطقتنا التي كانت تضم 27 قرية كان الشيخ صالح عبدالجابر البرغوثي وما زال قصره قائما، ولما طلب منه الأتراك إمداده بعدد من الشبان للجيش هان عليه إرسال شباب مشيخته إلى الموت، فجمع شباب النور المتجولين في منطقته وسلمهم إلى الأتراك للتجنيد. وحاليا تقوم دول الغرب بتجنيد أنظمة وأحزاب وتيارات للقتال نيابة عنها في العالم العربي. ربما لأنها تنظر إليهم نظرة دونية، كما نظر الشيخ صالح للنور.