تصدر السعوديون العام الماضي إحصائيات استخدام موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» باعتبارهم أكثر المستخدمين نشاطا بنسبة 32% من إجمالي عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة، وبفارق أكثر من 14% عن أقرب المنافسين (إندونيسيا)، بل ومن المفارقات أيضا، تفوقنا على الولاياتالمتحدة البلد الأم المنتجة ل «تويتر»، والتي بلغت نسبة مستخدمي «تويتر» فيها قرابة 12% من إجمالي مستخدمي الإنترنت في أمريكا، وذلك استنادا إلى الإحصائيات الصادرة عن موقع PeerReach المتخصص في رصد هذه النسب، هذا وعدا أن المدير التنفيذي لموقع «تويتر» ديك كوستولو صرح لصحيفة «لوس أنجليس تايمز» في يوليو الماضي بأن نسبة نمو مستخدمي الموقع في السعودية بلغت 3 آلاف في المئة خلال شهر. كما أشارت دراسة سعودية صدرت مؤخرا عن مركز التحليل والدراسات الاستراتيجية التابع لوكالة الإعلام العربي أن 53% من مستخدمي موقع «تويتر» لا يستطيعون الاستغناء عنه، وحتى المغردون أنفسهم قاموا بإنشاء هاشتاق خاص بمدمني توتير السعوديين شرحوا فيه بعض أسباب اهتمامهم المبالغ بهذه الشبكة، وقد أشار أيضا اختصاصي علم النفس الإكلينيكي طلال الثقفي في صحيفة «الحياة» العام الماضي بأن غالبية الشخصيات النسائية في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» تعاني من «هستيريا»! ولا شك أن شهيتنا المنفتحة والشراهة المفرطة في استخدام «تويتر» ملفتة للنظر وبحاجة ماسة إلى تسليط الضوء من قبل مراكزنا البحثية الوطنية والجهات المختصة بشكل مكثف وأوسع على هذا الشغف الجماهيري لتحليل هذه الظاهرة بدقة، والتي من المحتمل أنها انبثقت نتيجة لانعكاسات وظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية ونفسية معينة، خاصة وأن محدودية الدراسات الوطنية الجادة في هذا الشأن دفعت مراكز بحثية دولية لاستغلال هذا الفراغ والتقدم بهذا الدور مثل «معهد واشنطن لدراسة الشرق الأدنى» لتحليل هذه الإحصائية من زوايا سلبية ضيقة لا تعكس حقيقة وخلفية هذه الظاهرة ولا يعتد بنتائجها، خاصة وأن هذا المعهد على سبيل المثال، معروف أنه مدعوم من جهات صهيونية. ومن واقع انغماسنا اليومي في «تويتر»، يتضح بشكل عام، أن استخدام هذه الشبكة انحصرت كثافته في عدة طبقات اجتماعية مختلفة، منها طبقة المثقفين والكتاب والدعاة الذين وجدوا في «تويتر» ساحة للنقاش وإبداء الرأي والحوار، وربما التسويق لمنتجهم الفكري أو التغريد وفق منهجية مؤدلجة ولأهداف محددة وما إلى ذلك، وهناك طبقة أخرى غالبيتها من الشباب أو ممن فاتهم ركب الشهرة يبحثون عن لفت الانتباه بطرق عديدة لن يكفي سردها هنا، وهناك أيضا شريحة أخرى اهتمت باستغلال هذا الازدحام لبث سمومها ونشر أحقادها، وأيضا توجد طبقة إعلامية نشطت في رصد تصريحات المشاهير ونقاشاتهم، وطبقات أخرى متنوعة الاهتمامات، ونسبة كبيرة من هذه الطبقات أو شرائح المستخدمين اشتركوا في غاية البحث عن الشهرة وانصب اهتمامهم في جذب أكبر عدد من المتابعين (فلوورز)، وهذه الغاية تحولت إلى هوس وتسببت في ازدهار تجارة شراء المتابعين الوهميين لإشباع رغبة هؤلاء المستخدمين في لفت الأنظار إليهم، بل وبرزت سلبيات عديدة في التعامل الخاطئ مع النقل والوقوع في السرقة الأدبية والتعدي على الملكية الفكرية، حتى أصبح غالبية المستخدمين يبدون وكأنهم أدباء وشعراء وفلاسفة ومفكرون وعلماء وفقهاء، بل والأسوأ والأخطر من ذلك، أن تشاهد مراهقا مغمورا فاقدا للتوعية لم يكمل العقد الثاني من عمره ولديه عشرات الآلاف من التغريدات مقابل عدد قليل من المتابعين ومستعد للقيام بأي عمل ساذج للفت الانتباه والحصول على الشهرة كما شاهدنا ذلك في مقاطع «الحضن المجاني» و«حرب المخدات». إلا أن المفارقة العجيبة من كل هذا، هي أن غالبية أهداف وأسباب وغايات استخدام السعوديين ل «تويتر» لم تخطر على بال «جاك دورسي» مخترع «تويتر» وشركائه في التطوير أيفان ويليامز وبيز ستون ونوح جلاس، حيث انصبت الأهداف بأن تكون خدمة محادثة وتدوين مصغر تسمح لمستخدميه بإرسال رسائل نصية قصيرة بحد أقصى 140حرفا أطلق عليها «تغريدات»، مع إمكانية دعمها بروابط وملفات ملتميديا متعددة، وسبق أن تحدث دورسي لعدد من الوسائل الإعلامية عند إطلاق الشبكة في 2006م موضحا أنها تخدم الأصدقاء والمهتمين بمتابعة بعضهم والاطلاع على آخر تحديثاتهم دون اشتراطات موافقة مسبقة كما يحصل في «فيسبوك»، وتخدم المشاهير الذين ليس لديهم الوقت الكافي لكتابة النصوص الطويلة ويكفيهم الإشارة إلى آخر أخبارهم بشكل مختصر ومبسط مدعوم بعدد من الوسائط الإلكترونية، كما باستطاعة الأصدقاء مشاركة بعضهم بانتقاء روابط لمواضيع مميزة تشارك اهتماماتهم. ولذلك .. يبدو أننا اكتشفنا في «تويتر» استخدامات أخرى لم يجدها مخترعو هذه الشبكة فيها، وهذه الظاهرة باتت تبدو كقصة دواء «البروبيشيا» (Propecia) الشهير الذي أنتج على أنه علاج لالتهابات البروستاتا واكتشف لاحقا وبالصدفة أنه ينبت شعر الرأس حتى أصبح ثورة حديثة في علاج الصلع. ولكن ما نخشاه أن لا يكون هذا السيناريو صحيحا، وأن تكون ظاهرة انغماسنا في استخدام «تويتر» أشبه بقصة ال «هيروين» ذلك المركب الكيميائي الذي أنتج عام 1898م كدواء للسعال ومسكن للآلام واكتشف لاحقا أنه داء وليس بدواء.