الدكتور أحمد داوود أوغلو وزير خارجية تركيا عرف في الأوساط السياسية بصاحب نظرية «تصفير المشكلات» في العلاقات الدولية التي تهدف إلى حل المشكلات العالقة مع دول الجوار بغية بناء علاقات المستقبل بعد التخلص من أثقال الماضي، وتركيا دولة مهمة في محيطها الإقليمي بحكم الموقع والحضور الاقتصادي والتحرك السياسي، وتربطها بالمملكة ودول مجلس التعاون علاقات تاريخية تزداد نموا مع تطوير آليات تبادل المصالح في السنوات الأخيرة، وفي هذا الحوار الذي خص به الدكتور أوغلو «عكاظ» أكد أن الدول الخليجية عامل أساسي في نشر الاستقرار والسلام في المنطقة. كيف تصفون علاقاتكم بدول مجلس التعاون الخليجي وقد وقعتم العديد من الاتفاقيات؟ وما هو تقديركم لهذه العلاقة على المدى البعيد؟. إذا نظرنا إلى المنطقة برمتها، نجد أن هناك مكانين من الأماكن التي يوجد فيها الاستقرار والنمو الاقتصادي، هما تركيا ومنطقة الخليج، واليوم في دول الخليج يوجد نمو اقتصادي ضخم، بعيدا عن القلاقل والثورات التي تشهدها الدول، وبين الخليج وتركيا توجد سوريا ولبنان حيث تتربص بهاتين الدولتين المشكلات والفوضى وعدم الاستقرار، كارتفاع الصراعات الطائفية وانتشار الحركات المتطرفة، لذلك أرى أن دور دول الخليج مهم جدا، خاصة على مستوى مجلس التعاون الخليجي وتعاونها مع تركيا الآن جدا ممتاز ويرقى لمصاف أهم تعاون، صحيح إننا في بعض الأحيان نصطدم ببعض الاختلافات في الرؤى لبعض القضايا الشائكة لكننا نحترم كل الآراء، ونسعى إلى خلق منطقة تنعم بالاستقرار والسلام ونحن مستعدون للعمل معا للوصول إلى هناك، وعلى استعداد للذهاب معا في نفس الاتجاه والعمل معا لضمان استقرار شعوب المنطقة وأمنها. سعت تركيا إلى تعميق وتوسيع السياسة الخارجية من خلال استراتيجية «تصفير المشكلات» مع الدول المجاورة، لكن الصراعات التي ظهرت بالمنطقة خاصة في أعقاب الانتفاضات التي عرفها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غيرت في هذه الاستراتيجية. فما هي أبرز ملامح التغيير؟ التغيرات التي حدثت في المنطقة، وخاصة في سوريا، دفعتنا إلى تغيير سياستنا تجاه النظام الذي يقمع شعبه، لكن علاقتنا بالشعب السوري طيبة، وتركيا تستقبل الفارين من النظام المستبد، واليوم هناك مشكلات مع نظام الأسد، وسياستنا تندرج في سياق الحفاظ على علاقات طيبة وطويلة الأمد مع سوريا في المستقبل، أي سوريا ما بعد الأسد، في الماضي كانت علاقتنا وطيدة مع النظام السوري، ولكن عندما تحول هذا النظام إلى معول هدم وقتل على بلده وشعبه، تحولت سياستنا باتجاهه وأصبحنا نندد بالقمع الممارس ضد الشعب، وعندما نقول إنه لا توجد لدينا مشكلات مع الجيران، فإننا نعني الشعوب وليس الأنظمة القائمة، واليوم يعيش الكثير من السوريين على التراب التركي ورأينا مدى العلاقة التي تربط هذا الشعب بنظيره التركي، فمبدأ أو سياسة «تصفير المشكلات» لا يزال قائما لكن وفق احترامنا لقاعدتين أساسيتين هما: الأولى قائمة على العدل، والثانية على الدعم الذي نمنحه لجيراننا ضد القمع والاستبداد، ولهذا تجدوننا اليوم نعاني من بعض المشكلات مع النظام السوري وليس مع الشعب السوري. الكثير لا يفهم سياستنا إزاء القضية السورية ويعتقد أننا نخلق مشكلات مع الجارة سوريا، ولكننا نؤكد أن مشكلتنا مع النظام السوري الذي يقتل شعبه ولن نكون معه، نحن مع الشعب ونعتقد أنه سينتصر لقضيته وعندها سيحمل مصير بلاده مستقبلا، عندها سنكون في الموعد ونمد له يد العون. الصراعات الإقليمية والدولية كشفت عن ملامح جديدة في السياسة التي اعتمدتها تركيا في محيطها الإقليمي. فهل تتجه سياستكم الخارجية نحو جعل العلاقات الاقتصادية، خارج المحيط الإقليمي، علاقات متعددة الأوجه؟ لقد أثمرت سياستنا الخارجية والتي عمادها «تصفير المشكلات» مع الخارج إلى ربط علاقات وطيدة مع العديد من الدول، وهذه السياسة أدت إلى نتائج مهمة لحد الآن، فنحن تربطنا علاقات وطيدة مع معظم الدول ومع جيراننا مثل أوكرانيا، وبلغاريا، وروسيا، وأرمينيا، واليونان، وأذربيجان وإيران، ودول أخرى بالرغم من وجود بعض الاختلافات البسيطة حول بعض القضايا إلا أننا نسعى لتجاوزها والحفاظ على علاقاتنا بهم من خلال إيجاد أرضية توافق، فمثلا شريكنا الثاني اقتصاديا في الصادرات هو العراق، في حين كانت علاقتنا الاقتصادية مهمة مع سوريا. موقفكم من التغيرات في المنطقة العربية، طرأ عليه تعديل نتيجة الأزمة السورية فهل توضحون السبب؟ تشهد منطقة الشرق الأوسط تغيرات ومرحلة انتقالية مهمة قد تغير المنطقة برمتها، ومثلما حدث في سنة 1990 في دول البلقان وفي أوروبا الشرقية، وبعد مرور أكثر من عشرين عاما، يحدث نفس الشيء اليوم في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم العربي، ولا يمكن المقارنة بين التجربتين. ولا يمكن أن نقيم التجربة العربية، بعد مرور مدة قصيرة على حدوث التغيير، فالتجربة البلقانية أو الشرق أوروبية حدثت منذ أكثر من عشرين عاما أخذت حيزا زمانيا لكي تؤسس لنجاحها بينما التجربة العربية لم يمر عليها إلا ثلاث سنوات، وثلاث سنوات غير كافية لنحكم على التاريخ. هل ترون أن تطلع بعض الدول إلى تركيا باعتبارها «النموذج» هو ميزة تمنح تركيا النفوذ الدولي الذي تسعى إليه وفق المزايا الجيوسياسية التي تتمتع بها؟ أبدا، نحن لا ندعي أننا نموذج يحتذى به من قبل باقي الدول، لدينا تجربتنا الخاصة، لكن يجب أن نعترف أن تركيا أصبحت قصة نجاح، ليس فقط في العالم العربي، بل في كل العالم، ولا سيما بفضل استقرارنا السياسي المرتبط بحرصنا على إضفاء الديمقراطية، وأيضا من خلال النجاح الاقتصادي الذي حققناه، ولا ندعي أننا نموذج، لكن إذا كان هناك دولة صديقة ترى فينا ذلك، وتريد أن نشركها في تجربتنا، فهو شرف لنا طبعا وهذا يشجعنا أكثر. التعلق بفكرة «النموذج» قد يترك الانطباع بأن مصير تركيا مرتبط بدولة بعينها؟ لا ليس هذا بالضبط، إذا كنا في عين دولة ما نموذجا فهذا يحفزنا، واليوم يجب أن نعترف أن تطلعاتنا هي نفسها تطلعات المنطقة، وليس معنى ذلك ارتباطنا بدولة معينة، نحن لنا نفس الطموح ونفس الرؤى مع دول ديمقراطية تتطلع إلى خلق مناخ ديمقراطي يتناسب مع تطلعات شعوبها، نعم المنطقة كل متكامل، لأنه إذا كانت هناك أزمة في سوريا، فنحن لا يمكن تحصين أنفسنا ضدها، نريد أن نتطور معا سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي، وحتى على المستوى الثقافي. لأن هذه العوامل هي الأفضل لتكوين علاقات جيدة، وإذا طلبت منا البلدان الشقيقة أي طلب، فنحن لن ندخر جهدا في تلبية طلبها وسنفعل كل ما بوسعنا للمساعدة. التفاوت في المواقف الدولية حول الأزمة السورية، أطال من عمرها، وقلل نوعا ما دوركم في القضية السورية، هل يمكن أن تثمر جهودكم في إيجاد حل للأزمة السورية دوليا؟ هذا النظام غير شرعي، والنظام الذي يقتل ويقمع شعبه ويشرد ملايين منهم لن يكون نظاما شرعيا على الإطلاق، والاختيار في حقيقة الأمر هو للشعب السوري وحده، ولكن للأسف لم يترك له الخيار في اختيار نظامه، وتركيا ستؤيد كل الحلول التي تراها تسرع من حقن دماء الشعب السوري ووصول الإغاثات الإنسانية، لأن هناك مأساة إنسانية وقد وقفنا على حجم المأساة التي خلفتها الحرب وعدد اللاجئين السوريين خارج بلادهم. أنتم تعتبرون أن إيران جزءا من النظام الإقليمي والدولي ويجب أن تكون لاعبا نشطا في كل جهود السلام وألا تعزل. كيف تطالبون بإشراكها في مفاوضات السلام وهي من يتسبب في استمرار الأزمة السورية؟ نحن نسعى من أجل إيقاف نزيف الدم في سوريا ونسعى من أجل إحلال السلام في سوريا، ويجب أن تفتح جميع الأبواب أمام من يريد تحقيق ذلك، بما في ذلك إيران والدول الأخرى، نحن في محادثاتنا الثنائية مع إيران وخاصة بعد المسألة الكيميائية في سوريا، طلبنا من إيران أن تتدخل من أجل إيقاف الدم وطلبنا وقف إطلاق النار، وهذه المسألة لا تخص فقط الدول المجاورة التي يتوافد إليها اللاجئون وإنما هي مسألة تعني جميع الدول القادرة على التدخل وكلنا نأمل ونتطلع إلى هذا وفق آلية تحددها قوانين الأممالمتحدة واذا كانت هناك أي مسألة تمس الأمن الدولي آنذاك، فالمسؤولية تقع على عاتق مجلس الأمن، وحاليا في سوريا هناك مسألة تهدد الأمن العالمي وتؤدي إلى مأساة إنسانية، فيتوجب أولا على مجلس الأمن أن يتخذ قرارا في هذا الصدد، ولكن قبل هذا المسؤولية تقع على عاتق النظام الذي أتى بالعنف إلى سوريا وخلق بيئة حاضنة لمجموعات متطرفة، والمسؤولية الأخرى هي مسؤولية مجلس الأمن، نحن، أي الدول المجاورة، فعلنا ما بوسعنا وقدمنا الكثير ولكن في النهاية من الضروري أن تقدم الدول التي لها صلة بالأمر والأممالمتحدة ما يقع عليها من أجل تحقيق السلام والأمن في سوريا وفي المنطقة.