أكبر معضلة واجهت التنويريين على مدى التاريخ البشري هي محاولاتهم تغيير الأفكار أو التعديل فيها بما يسمح للعقل البشري بتقبل الجديد والتماشي مع ما يرقي وضعه للأفضل، وأكثر من كان يقف حجر عثرة أولئك الأثريون بأفكارهم والمنتفعون من بقاء العقل خاملا يقبل الوصاية عليه دون نقد للفكرة أو حتى التساؤل عن المنفعة التي تعود عليه من اعتناقها. ورفض تتغير الفكرة سيكون العقبة الأولى والأصعب في طريق وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل وهو المعروف بالمجدد وصاحب النظرة الايجابية للتطوير، وبحكم أن هناك جمودا متأصلا في الفكر التربوي فإن مسألة دفعه للتغيير مضنية ولا شك بل وسيكون العقل الجمعي حاضرا بالرفض ونقد التوجه، هذا إن لم تنظم ضده مجموعات مناهضة تركز على بعض جزئيات التغيير لتضخيمها في عقول العامة. إن مصيبة التعليم لدينا -وهذه حقيقة- وجود التوارث الأزلي للمقاعد الإشرافية والإدارية بحيث ترشح تلك الشخصية لمنصب ما وتجعل لها بموجب ذلك صك تملك على المكان تظل فيه إلى أن تحل سنة التقاعد إذا لم يمدد لها، وما يمثل إشكالية كبيرة هو ذلك البون الشاسع في الفهم وتطور العقلية بين هؤلاء والنماذج الشابة التي تفتحت على أجهزة التقنية الحديثة وتطور وسائل العلم بصور مذهلة، وهذا التقدم تجهله وترفضه عقول أصحاب المناصب وتجعل من البيروقراطية العقيمة والتعاملات الإدارية البائدة عثرات في طريق تلك القدرات. إن في الميدان طاقات رائعة وطموحة لكن تحكم الفكر المحافظ في كل ما يخص العملية التربوية كبت تلك الطاقات، بل قد يأتي التآمر على كل ما هو مغاير لتوجهاتهم لتتم مصادرته أو نفي صاحبه في مكان لا يقبل منه أي محاولة. وليس من مبالغة في القول إن هناك من يعاني الإحباط والاكتئاب من وضعه التعليمي الجامد الذي يجعله كالآلة التي تفرض على أدائها رقابة شديدة فإن حادت أعيدت طوعا أو قسرا للطريق المرسوم لها سلفا. والحل مع هؤلاء هو إخضاعهم للتأهيل من جديد بتكثيف البرامج التدريبية والتطويرية لهم والتي قد تحدث أثرا ومن ثم إدخالهم من جديد في اختبارات تقييمية جنبا إلى جنب مع الطاقات الشابة من أصحاب المؤهلات العالية التي يفتقدها هؤلاء ملوحين بالخبرة التي أكل عليها الدهر وشرب، على أن تكون فرص الترشح للأفضل، بهذا ممكن أن نطور في العقلية ونفتح المجال للمواهب الجادة بتقلد مناصب قيادية تتطلب ما لديهم من تعليم وتأهيل.