تواصلا ضبط الاستطلاعية الصحافية الحربية التي خصصتها «عكاظ» لنقل الحقيقة وعرضها على القارئ كما عودته على المصداقية والحيادية في التناول للأحداث التي تدور في اليمن ومن مسافة واحدة، كانت مرافقتنا للجنة الوساطة على متن سيارة هايلوكس، حيث كان هناك طقم قبلي يرافق اللجنة، التي كانت أبرز مهامها في ذلك اليوم هي الخطب والمحاولات لإقناع القبائل برفع المتارس والتي لم تحقق أي نتائج. وقبل أن نقع في أحد الأودية الفاصلة بين الفصيلين المتصارعين تم إنزالنا في آخر نقطة، لكننا قمنا وبالتنسيق مع القبائل بالالتفاف إلى المواقع التي تتبعهم وقريبة منا لنلتقي هناك بعدد من المقاتلين الذين يقفون خلف المتارس ويتابعون الوضع بترقب والأصابع على الزناد. كان الموقع الذي يشرف على وادي الشبكة يقع فيه عددا من المتارس، أحدها على جنبات الخط الرئيسي الممتد إلى محافظة الجوف، شاهدنا بعض الشباب الذين فضلوا عدم تصويرهم، فيما سمح لنا آخرون بالتقاط صورة معهم لنجلس معا ونتحدث عن واقع الصراع. يقول أبو محمد الأرحبي: نحن خرجنا دفاعا عن كرامتنا فلن نسمح لغاز قادم من صعدة أن يدنس مبادئنا وأخلاقنا الإسلامية، ويزرع في أوساطنا الدسائس والمكائد والأفكار الضالة، وهذا مبدأنا، فالحوثي قدم من أجل هدف لا سواه هو النيل من مكانة قبائل أرحب التي تعتبر روح الوسطية والاعتدال. وأضاف: إن كان الحوثيون يفكرون أنهم قد تمكنوا من إخراج أبناء دماج من مساكنهم، فإننا الجبل الذي ستتكسر فيه جباههم ويعودوا خائبين، مبينا بأن هناك عشرات القتلى والجرحى سقطوا من جماعة الحوثي التي تظن أن بإمكانها الوصول إلى صنعاء عبر بوابة أرحب وبكل سهولة. وتابع: على أجسادنا إن وصلوا إلى صنعاء، ومن لم يعرف تاريخ أرحب وقبائلها المتكاتفة فإنني أنصحه بأن يقرأ قبل أن يشن أي هجوم عليها. بالتأكيد لقد لاحظنا أن قبائل أرحب (زهير) قبائل متكاتفة لا تستطيع فك شفرة هذا التعاون والتآزر أبدا، ومهما كلفك الثمن، كل شيخ يحيلك على صديقه تجنبا للورطة وإيجاد الذريعة لمن يصفونه بالغازي، لكننا أمام رفض كل المشايخ وعلى رأسهم قائد قبائل أرحب (زهير) وشيخها الشيخ والبرلماني منصور الحنق، تمكنا من لقاء شخصيات أخرى وزرنا مواقع ومتارس للقبائل. غير أن الشيخ محمد علي صالح عاتق أحد وجهاء أرحب، في تأكيده على ما أوردته «عكاظ» لما يدور في أرحب والتي التقته في لجنة الوساطة وكذلك يشرف على أحد المتارس، قال: الذين قاموا بالغزو لمناطقنا هم يعرفون أسباب الصراع، أما نحن فنعتبرها عقابا لأرحب على اعتبار أنهم ساهموا في ثورة الشباب السلمية وما يتعلق بالحوثيين، فإنهم يريدون نشر مذهبهم الفكري، الذي يعتقدون أن لهم الحق الإلهي في استبعاد الناس وحكمهم وبقوة الحديد والنار. وأضاف: الحوثيون يسعون إلى تنفيذ أجندة إيرانية وعوامل إقليمية عديدة يقومون بها، مع أننا ليس لدينا مناجم ذهب ولا حديد ولا ألمنيوم ولا إدارات عامة ولا حتى وزارات يريدون قلب الحكم فيها، وإنما كل ذلك يعد نوعا من الانتقام. مبينا بأن أرحب تؤمن بمذهب السنة والجماعة والحوثيون عقيدتهم رافضة يؤمنون بولاية الفقيه ويريدون تنفيذ مذهبهم بقوة الحديد والنار، إلى جانب أن أرحب هي البوابة الشمالية للعاصمة صنعاء. وقال عاتق: أود أن أوضح للقارئ أن الحوثيين لم يدخلوا منطقة المواجهات بعد حروب، وإنما دخلوها عن طريق عملاء اشتروهم وتسللوا في الليل وفي الخفاء إلى داخل المنطقة، ولكننا في نفس الوقت نقول: إن الخسائر نعتبرها كبيرة وغالية، وهم يسفكون الدماء ولا يبالون بها ونحن أمام القضية الكبيرة والخسائر تهون وصغيرة. لا أخفيكم أن هناك من يحاول أن يجعل من الدولة خصما في الصراع السياسي الدائر في أرحب، والمستقل من قبل جماعة الحوثي، ذات التوجه الإيراني الفوضوي، لكن تمسك الدولة بالهدوء والرصانة يثير قلق القبائل ويزيد من شهية الحوثي في الاستمرار بالتمدد. وفي هذا الصدد يقول الشيخ محمد عاتق: إن الحوثيين خطر يهدد أي سلطة في العاصمة وعلى الدولة أن تقوم بواجبها وتستند على أرجلها. وتابع: خسائر الحوثي من الناحية البشرية بالعشرات بين قتيل وجريح، أما الخسائر المادية لنا فهي هينة أمام الخسائر البشرية وإن كانت كبيرة جدا، فالحوثيون هدموا بيوتا في المناطق التي دخلوا فيها. المقاتل الآخر علي المرواني قال: هنا في أرحب حرب بين أبناء القبائل وبين الحوثيين، وموقفنا منه كموقف أي شخص في هذه القبيلة لديه النخوة والشهامة في الحفاظ على بلاده من الغزاة المحتلين الذين يمثلون الإرهاب في جميع صوره، من قتل للأنفس وتخريب للبيوت، تنفيذا لمشروعاتهم الإيرانية الفارسية. مضيفا: نحن موقفنا كأبناء القبيلة هو موقف الشخص الواحد في الدفاع عن أرضنا وأعراضنا وحريتنا وكرامتنا، ولن يهدأ لهذه القبيلة بالا حتى تخرجهم من المنطقة إلى غير رجعة. وكانت أسلحتهم تحمل ملصقا كتب عليها: أرحب ولدنا فيها أحرارا وعشنا فيها كراما وسنبقى فيها أعزاء. فيما كان سلاح آخر مكتوب عليه «الله أكبر الموت للرافضة والنصر للإسلام»، فهناك لا يوجد خنادق مع أن الجبال ترابية لكنهم يقفون خلف حجار كبيرة. غادرنا مواقعهم وعدنا إلى موقع كلية تربية أرحب على متن سيارة هايلوكس ممتلئة بالبشر المحملين بالسلاح، لنصل إلى موقع كلية التربية ونستقل سيارتنا ونعود إلى صنعاء والحزن يؤرق قلوبنا، إلى متى سيظل الشعب اليمني ينال من كرامته بيده، فلا احترام لسلطة الدولة ولا ثقة بجيشها وأمنها، فقط عرفوا الحزبية وتعصباتها التي لم يستفد منها إلا من يوصفون بالقادة سواء في صعدة أو في أرحب أو حتى في صنعاء، ويظل الإنسان اليمني المنهك بينهما ضحية بأحلامه وتطلعاته. وبالطبع من لا يحترم نفسه لن يحترمه الآخرون.