نزلت من الطائرة وإذا بالمفاجأة الكبرى لأنني شعرت وكأنني دخلت ثلاجة لأن درجة الحرارة كانت أربع درجات مئوية فقط. وفي العديد من الثلاجات المنزلية ستجد أن هذه هي درجة الحرارة بداخلها فعلا. ولكن الموضوع يستحق وقفة تأمل لأن هذه الدرجات تعكس أحد أغرب الأوضاع في العالم، وهي درجة الحرارة التي يصل فيها الماء إلى أعلى كثافة. والملاحظ هنا أن جميع المواد تنكمش عندما تبرد ما عدا الماء فبإرادة الله عز وجل تزداد كثافته عندما يبرد وتصل إلى أعلى مستوى عند هذه الدرجة من البرودة. وهذه نعمة كبيرة لأن الخالق عز وجل منح من خلالها فرصة الحياة لبلايين الكائنات البحرية. لو كان الماء مثل المواد الأخرى، ولو تقلصت كثافته مع برودته، لانعدمت فرص الحياة لدى المخلوقات البحرية لأن الماء المتجمد لن يطفو لو لم تتوفر هذه الميزة الفريدة العجيبة. يعني عندما تشتد البرودة لدرجة «أن يدخل البرد إلى العظام» تجد الماء يتحلى بخصائص عجيبة وخصوصا عندما يصل إلى درجة أربع درجات مئوية. ولكن أود أن أتوقف لحظة هنا للاعتذار عن مصطلح «دخول البرد إلى العظام» لأنه من الأخطاء العلمية الخطيرة. هذه المقولة تتعارض مع أحد أهم قوانين العلوم وهي قوانين الديناميكا الحرارية. والصحيح هو أن أي جسم يمكن أن يفقد حرارة، ولكنه لا يمكن أن يكتسب برودة والفارق بين المقولتين هو كالفارق بين «الططلي» و «الاسمنت». ولكن روائع الأربع لا تقتصر على علم الفيزياء فحسب، ففي عالم الكيمياء أيضا ستجد أن لها مكانة مميزة جدا. وتحديدا فعنصر الكربون هو العنصر الأول في الكيمياء العضوية التي تعتبر إحدى أهم ركائز الحياة. والكربون من العناصر التي تعشق طلب الإلكترونات في تفاعلاتها الكيمائية لدرجة تصل إلى ما يشبه «الشحاذة» من العناصر الأخرى. وتفتقد ذرة الكربون لأربع إلكترونات لتصل لمرحلة التشبع. ولذا فتجد أربع روابط للكربون بالعناصر الأخرى. والأربع لها مكانة رياضية أيضا فهو أول رقم يتم فيه التربيع، وهو فريد لأنه تربيع الرقم (2) وهو الرقم الأولي الوحيد المثنى. والأرقام الأولية هي الأرقام «النقية» التي لا تقبل القسمة إلا على نفسها وعلى الرقم واحد فقط لا غير. وطبعا في عالم المساحات ستجد هيمنة الأربعة لأنها أساس هندسة الأراضي فيما يتعلق بالأضلاع والزوايا. ولكن بالرغم من كل هذه الروائع، ستجد آلاف ملايين البشر الذين يكرهون الأربعة ويتجنبونها. ففي الشرق الأقصى وبالذات في الصين لن تجد الدور الرابع في العديد من المباني، ولن تجده في العديد من المستشفيات وأرقام رحلات الطيران، وحتى أرقام المنتجات. والسبب أن هذا الرقم ينطق وكأنه لفظ الموت. وأخيرا، هل لاحظت أن عنوان المقال يتكون من (4) حروف، وأن عدد كلماته تقبل القسمة على أربعة. أمنية من المخجل أن مئات الآلاف من إخواننا وأخواتنا في سوريا وفلسطين يشعرون خلال هذه اللحظات بقرص الأربع درجات وما هو أبرد من ذلك بكثير. ويقف العالم متفرجا على هذه الكوارث البشرية التي طالت. أتمنى أن تنتهي هذه المآسي الإنسانية الآن بلطف الله. وهو من وراء القصد.