على بعد ثلاثمائة متر غربي خط الهدنة لعام 1949، وبالتحديد في أراضي قرية رنتيس التي تبعد عشرة كليو مترات شرقي مطار اللد غربي رام الله، يحفر الإسرائيليون حقلا للنفط على هضبة جبلية منذ سنوات، ويزعم العبد الفقير لله أنه أول من لاحظ وجود هذا الحقل أثناء جولة جبلية في تلك المنطقة المحرمة، وهي المنطقة الحرام التي تمتد عرضا لعدة كيلومترات، وكان الجيشان الأردني والإسرائيلي يرابطان حولها قبل عام 1967. ولاحظت وجود شعلة نار من برج ذكرتني بأبراج حقول النفط في الكويت التي عشت فيها ردحا من الزمن، وفورا اتصلت برئيس المجلس المحلي لقرية رنتيس، فأبلغني أن الإسرائيليين حفروا بئرا نفطية تقع في الجانب الفلسطيني من المنطقة الحرام، وفي اليوم التالي توجهت إلى مكتب الرئيس وقلت ما لدي، لكن الحضور في ديوان الرئيس سخروا مما قلت وأضاعوا الموضوع، وكتبت عدة مقالات قبل سنوات عن هذا الاكتشاف النفطي، حيث كانت مؤسسة مساعدة أمريكية تسمى النقطة الرابعة حفرت بئرا في الوادي القريب قبل عام 1967، لكن المياه تدفقت منه، وقامت المؤسسة الأمريكية بإغلاق البئر آنذاك واستغربنا إغلاقه آنذاك، حيث كنا فتية نجوب الأودية ونرى ذلك على الأرض، وتوجهت بعد ذلك إلى مكتب رئيس الوزراء السابق سلام فياض وأبلغته بالأمر، فقال: دع الأمر لي. وعلمت لاحقا أنه كلف مكتب محاماة بريطانيا لبحث الأمر مع الجانب الإسرائيلي، وكتبت مقالا آخر حول الموضوع فأجرت قناة الجزيرة آنذاك تحقيقا حول الموضوع، وعلمت أنه يجري الحديث عن تقسيم موارد الحقل بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية. وقبل فترة حاولت الوصول إلى المنطقة الحرام، لكن ثمة جدار فاصل يمنع ذلك، إلا أن بعض العاملين فيه من العمال الأجانب الروس والرومان أبلغوا صاحب بقالة في رنتيس أنهم حفروا حتى الآن أربع آبار في تلك المنطقة، ويمكن مشاهدة برج حقل النفط من بعد عشرة كيلومترات، وهو يقع على بعد كليومتر واحد من بئر المياه الذي حفره الأمريكيون قبل عام 1967، ولكن على رأس التلال وليس في الوادي. وكان الإسرائيليون أعادوا حفر عدة آبار سبق للمؤسسة الأمريكية أن حفرتها بحثا عن نفط قبل عام 1967 قرب بيرزيت أيضا وفي مناطق أخرى. وفي عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات اكتشفت شركة بريتيش غاز حقلا للغاز قبالة ساحل غزة، وقام عرفات بإشعال شعلة الغاز في أول بئر بحرية آنذاك، لكن استثمار الغاز تجاريا تأخر بسبب اندلاع الانتفاضة، ثم الانقسام الفلسطيني، حيث إن المياه الإقليمية الفلسطينية في البحر المتوسط قبالة غزة عبارة عن حوض للغاز يستثمر الإسرائيليون حقوله في عسقلان وأسدود وتوغلوا في البحر شمالا وغربا وجنوبا حتى في المياه الدولية الخاضعة لمصر وقبرص ولبنان، واكتشفوا احتياطات غاز هائلة، وبدأوا في عمليات الاستخراج تحت حراسة قوة عسكرية بحرية وجوية محكمة، رغم أن حقول الغاز تمتد في المياه الفلسطينية والمصرية والقبرصية. وفي زيارته الأخيرة لموسكو، بحث الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع الجانب الروسي إمكانية قيام الشركة الروسية العملاقة غاز بروم باستخراج الغاز الفلسطيني في غزة والنفط من غربي رام الله، بحيث إذا تم إنهاء الانقسام الفلسطيني تمكن الفلسطينيون من استثمار الثروة النفطية والاستغناء عن المساعدات الخارجية. ولكن يبقى الموقف الإسرائيلي هو الفيصل، لأن الاحتلال ما زال يصر في المفاوضات على أن ما تحت الأرض من ثروات بما فيها الماء تبقى تحت سيطرته، وكذلك فإن الانقسام الفلسطيني يعرقل استثمار غاز غزة، ولهذا لم يكن رئيس حزب البيت اليهودي المتطرف نفتالي بينيت يبالغ عندما قال إقامة دولة فلسطينية ستدمر الاقتصاد الإسرائيلي، في إشارة إلى النفط والغاز من جهة وفقدان السوق الفلسطينية الاستهلاكية؛ لأن تبعية الاقتصاد الفلسطيني للإسرائيلي تعود على الاحتلال بالمليارات سنويا.