نشرت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) على موقعها الإلكتروني الناطق بالإنكليزية الأسبوع الماضي مقالاً للصحافي أليكس رويل الذي زار الضفة الغربية أخيراً، أورد أن الشركة الإسرائيلية «غيفوت أولام» تنتج النفط من الحقل النفطي «مجد» في الأراضي الإسرائيلية «المحاذية للضفة الغربية»، «ما يثير القلق من أن الشركة قد تسحب النفط أيضاً من احتياطات نفطية فلسطينية غير مستغلة». ويضيف الصحافي أن موقع الحقل في حقول صخرية يبعد نحو 10 دقائق مشياً على الأقدام من قرية رنتيس في الضفة الغربية. وفي تل عالٍ، على بعد 100 متر، ثمة سياج من الأسلاك الشائكة عند الخط الأخضر الذي يفصل الضفة الغربية عن إسرائيل. ويشرح الصحافي بإسهاب تفاصيل زيارته موقع المنشآت النفطية البرية، ويستشهد بطالب من جامعة بيرزيت رافقه في الزيارة، ودله على الشعلة الغازية - النارية (يمكن مشاهدة المنشآت الأرضية والشعلة على موقع الشركة الإسرائيلية على الإنترنت) التي لم تبعد أكثر من 500 متر عنهما، وتشير إلى بدء الإنتاج وحرق الغاز المصاحب. وقابل رويل الصحافي الفلسطيني حافظ البرغوثي، رئيس تحرير صحيفة «الحياة الجديدة» في رام الله والذي كان أول من كتب عن الحقل النفطي، وقال: «كنت أقود سيارتي وفجأة وجدت الشعلة النارية الكبيرة على الخط الأخضر. كنت متأكداً أنها غاز طبيعي. اتصلت هاتفياً برئيس بلدية رنتيس، الذي قال لي: نعم، الإسرائيليون ينقبون عن النفط والغاز». ويضيف رويل أن استخراج النفط هذا قد يكون مناقضاً لاتفاقات أوسلو، التي تنص على «التعاون في مجال الطاقة، ومن ضمنها برنامج لتطوير الطاقة، يشمل استثمار النفط والغاز كما يشجع على استثمارات إضافية في مجالات الطاقة الأخرى». ورفضت شركة «غيفوت أولام» التعليق، بينما اعتبر مسؤول إسرائيلي، تصريحات الصحافي بأنها «محاولة أخرى لتسييس الأمر، شأنها شأن بقية الأمور ذات العلاقة». وأضاف: «نحن في صدد التنقيب داخل إسرائيل. وبينما نحن متفائلون، لا توجد حتى الآن مؤشرات موثوقة حول تواجد أو إمكانية العثور على كميات تجارية، كما لا علم لدينا أين هي بالضبط». لكن إذا تركنا هذه التصريحات الرسمية جانباً، وراجعنا موقع الشركة على الإنترنت، نجد معلومات أخرى أكثر تفصيلاً. فحسب تقرير للشركة ذاتها، نجد أن التنقيب بدأ فعلاً في تسعينات القرن العشرين، وبعد اكتشاف الحقل، منحت الحكومة الإسرائيلية شركة «غيفوت أولام» رخصة عام 2004 لإنتاج النفط من حقل «مجد». وبدأت الشركة فعلاً في الإنتاج الأولي للنفط الخام عام 2011 من بئر»مجد - 5» الذي تشير خرائط الشركة على الإنترنت إلى أنه يقع بالضبط على الحدود مع الضفة الغربية، وأن بئر «مجد - 5» هو أول بئر في الحقل ينتج كميات تجارية. وحفرت الشركة حتى الآن خمسة آبار، أحدها بئر «مجد - 4» وهو بئر أفقي، أي يستطيع إنتاج النفط من مواقع بعيدة عن البئر ذاته، وبما أنه يقع هو أيضاً بمحاذاة حدود الضفة الغربية، فمن الممكن جداً أن ينتج النفط من مكمن نفطي غير مستغل في الضفة الغربية. تدل مخططات الشركة على أن الإنتاج الطويل المدى من الحقل بدأ في حزيران (يونيو) الماضي، من بئر «مجد - 5»، كما تبيّن المعلومات أن معدل الإنتاج المتوقع للنفط الخام هو 785 ألف برميل يومياً. وتشير التقديرات الأولية إلى أن احتياط الحقل من النفط الخام هو نحو 90.1 مليون برميل، بينما يقدر احتياط الغاز الطبيعي بنحو 182.1 بليون قدم مكعبة. وهذه احتياطات متواضعة نسبياً، لكن بما أن هذا هو أول حقل يكتشَف في المنطقة، فمن المحتمل العثور لاحقاً، عند القيام بعمليات استكشافية إضافية، على مكامن واعدة. معروف أن لإسرائيل تاريخاً طويلاً في الاستيلاء على مصادر المياه العربية، خصوصاً الفلسطينية، والتجارب في هذا المجال قديمة تمتد إلى خمسينات القرن العشرين. ومنعت إسرائيل تطوير حقل «غزة مارين» في المياه الإقليمية الفلسطينية خلال العقد الماضي، واضعة شروطاً قاسية جداً للسماح بالتطوير (حسوم كبيرة على الغاز، إيصال أنبوب الغاز إلى عسقلان أولاً، تزويد السوق الإسرائيلية بحاجتها من الغاز قبل إيصاله إلى محطة كهرباء غزة). وتكمن إحدى نقاط الضعف العربية في هذا المجال، ليس فقط في اختلال ميزان القوى بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بل أيضاً في عدم استغلال مجمل الإمكانات العربية ودفعها باتجاه استكشاف الأراضي والمياه الفلسطينية. وهنا يمكن التعاون بين شركات إعمار وهندسة فلسطينية في الداخل والخارج ذات خبرة ومؤسسات استثمار فلسطينية في الداخل وشركات عربية، خصوصاً مصرية أو أردنية، ذات خبرة في مجال الاستكشاف والتنقيب عن البترول، وتأمين التمويل اللازم من قبل مؤسسات استثمار عربية متخصصة. والسبب وراء هذه الدعوة هو الانتقال من مرحلة الشكوى إلى مرحلة التعرف على ما هو متوافر من موارد طبيعية في اليابسة والمياه الفلسطينية بعدما ظهرت مؤشرات إيجابية في المنطقة، وقبل فوات الأوان. ومن الممكن جداً أن تعرقل إسرائيل هذه المحاولات، كما عرقلت الإنتاج من حقل «غزة مارين» على رغم تطويره من قبل الشركة البريطانية «بي جي» بالشراكة مع «صندوق الاستثمار الفلسطيني» و»شركة اتحاد المقاولات»، وعلى رغم وساطة رئيس الوزراء البريطاني في حينه، توني بلير، دعماً للمشروع. وعلى رغم هذه التجربة، يجب أن تبادر المؤسسات الفلسطينية المسؤولة، بالتعاون مع الشركات العربية ذات العلاقة، في أخذ المبادرة للاستكشاف والتنقيب قبل فوات الأوان توصلاً إلى معرفة دقيقة لحقيقة ثروات الموارد الطبيعية المتوافرة في هذه المناطق، في وقت سبقنا فيه الجانب الإسرائيلي بالمسح والتنقيب والاتفاق مع شركات نفطية محلية ودولية للإنتاج، بينما الدول المعنية في المنطقة منهمكة في نزاعات وصراعات مستمرة، ولم تبدأ بعد في اتخاذ الخطوات اللازمة للانطلاق في وضع الأسس اللازمة لصناعة بترولية. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية