لحقت بالطائرة المتجهة إلى شيكاغو قبل أن تغلق أبوابها بدقائق.. ابتسامة المضيفة كانت أول شيء مريح أقابله بعد عناء يوم كامل من الزهق والقرف متنقلا من مطار إلى آخر.. أخيراً وجدت مضيفة تبتسم على رحلة دولية.. أفقت على صوت صديق قديم وقع نظره عليّ وهو في طريقه لدورة المياه بعد أن استوت الطائرة فوق المحيط الأطلنطي الحاد المزاج.. سنين لم أقابله.. مازال كما هو قصير بعض الشيء.. ممتلئ بعض الشيء.. ويحب في الآخرين كل شيء.. مزيج طيب من الأهازيج البدوية الأصيلة بعاداتها وتقاليدها ومفاهيمها مع قليل من الحضارة الأمريكية وكثير من الأعاصير العربية.. سألني عن أهلي والزمان والأيام وأين أنا منه.. قلت له لازلت أركض كل صباح مع الراكضين حتى لا أنسى الركض.. سألته وأنت ماذا فعل بك الزمان !! لقد حجبتك «نانسي» عنا كل هذه السنين قال لي لقد رحلت «نانسي» عني وتركتني وحيداً بعد أن اتهمتني بالتقصير وجرت هي وابني بعيداً تبحث عن مظلة رجل آخر.. الأمريكية يا صديق العمر لا تريد من الرجل شيئاً سوى أن يتحول إلى دولاب ممتلئ بأدراج كثيرة يمكنها أن تسحب من الدرج المعين المشاعر التي تريدها في نفس اللحظة.. قلت له كيف يحدث الطلاق بعد كل هذا الحب.. وكيف استطعت أن تحتمل بعد «نانسي» عنك قال لي لقد كانت مأساة حقيقية فعلا فكل شيء في حياتي كان ترتيبه هي.. كنت طفلها الدائم التدليل.. وحينما قررت أن تتركني كنت لا أدري أن هناك أي عمل في الحياة يمكن أن يعوضها لاعتقادي بأنها السبب الوحيد الذي أعيش من أجله!! وكانت تقول لي إنني سبب وحيد تعيش من أجله وعندما اختلت من بين أيدينا حقائق حياتنا معاً جاء الانفصال كرحلة سهلة للغاية.. والدمار كل الدمار أنني كلما تخيلت رجلا آخر أخذ مني زوجتي وابني أفكر في أن أقتل نفسي أو أن أقتله.. لا أتصور نفسي وأنا «رجل بقرون» قلت له حتى عندما تختار امرأة رجلا آخر غيرك تفكر في قتله.. أليس الاختيار حقاً لها!! قال.. لم يكن كل ما حصل اختياراً فقد اختارتني «أنا» الأول لقد كان هوس امرأة حمقاء فتكت بكل ذلك الحب من أجل تجربة جديدة.. وليس هناك أكثر بشاعة من أن يتحول قلب امرأة إلى مقبرة لأكثر من تجربة عاطفية!! قلت له ألا تعتقد أنه زواج الأضداد الذي يتطلب التجرد من التراث العتيق للأفكار الاجتماعية والعرف السائد الذي يمد سطوته بقوة.. ألا ترى أنك تعيش في عمق أمريكا رجلاً شرقياً يحاول دائماً الإمساك بلجام أحلام «نانسي» !! لقد جعلتها تدير حياتها على مزاجك الخاص دون أدنى رغبة في أن تتقبل حتى مجرد أن تتصرف هذه السيدة في مستقبلها كما تريد.. لقد جعلت من «نانسي» محور نشاطك وبؤبؤ حياتك وكنت تحرص حتى على أن تقوم بإعداد فنجان قهوتك قبل ذهابها لعملها.. وكان ذلك العمل حميماً لك.. وفرضت عليها أن تراقب نظافة قمصانك.. ونسبة الملح في طعامك.. قال قد يكون ذلك صحيحاً فقد امتلأت «نانسي» في الأيام الأخيرة بزهق رفض الحياة لقد حاولت أن أجعل من «نانسي» «حصة» وحاولت «نانسي» أن تجعل مني «جورج» ولم يفلح أي منا في ذلك!! هبطت الطائرة في مطار شيكاغو تنفض البياض الكثيف من على المدرج.. وأعلنت المضيفة وصولنا قبل الوقت المحدد.. والتفت إليّ صديقي قائلا: أليس من العجب أنه كلما جاءت سيرة انفصال زوجتي عني يأتيني لون من الكسب كأن السماء تربت على كتفي.. أعتقد أننا كسبنا بعض الوقت في شيكاغو!! وتركت صديقي في شيكاغو واتجهت نحو بوابة الطائرة التي ستقلني إلى «كانسس ستي» وسؤال كبير يتبعني هل العاشق لا يفهم !! وهل الفاهم يعشق!! مجرد سؤال كبير لم أجد إجابة عليه.. هل لديكم جواب!!