رغم حملة تصحيح أوضاع العمالة المخالفة التي قضت على الكثير من مظاهر الفوضى والعشوائية في سوق العمل، إلا أن حي «السيح» أحد أقدم وأشهر أحياء المدينةالمنورة وأقربها للمسجد النبوي الشريف لا يزال مرتعا للعمالة السائبة المخالفة لنظامي الإقامة والعمل الذين يتخذون من المساكن القديمة مأوى وسكنا خاصة بعد انتقال أصحابها إلى الأحياء الأكثر تخطيطا والأكثر حظا من حيث الخدمات. فوضى ومخالفات وكان حي «السيح» في السابق، يضم أشهر بيوتات المدينة واشهر عوائلها، ومع مرور الزمن وما صاحبه من توسعات وتغيرات، أصبح السيح واحدا من الأحياء العشوائية التي تحتضن الجاليات الوافدة وأدى ذلك الى فوضى انتشار المخالفات والسوق السوداء، ونظرا لقدم المنازل والعمائر السكنية والبيوت الشعبية فيه والتي يزيد عمرها على نصف قرن غادر معظم سكانه الأصليين إلى مخططات جديدة وعمائر جديدة تاركين خلفهم منازلهم التي لم تعد صالحة للسكنى بعد تأجيرها للعمالة الوافدة وخاصة من مخالفة نظامي الاقامة والعمل من جنسيات مختلفة أغلبها من الجنسية الباكستانية والأفريقية. بيوت قديمة يقول حازم المالكي (أحد سكان الحي) عدد ساكني الحي من السعوديين لا يشكل سوى نسبة ضئيلة من مجموع السكان الذين يشكل الوافدون من جنسيات مختلفة النسبة الأكبر منهم، بعد أن غادر الكثير من سكان الحي من المواطنين نظرا لتهالك المباني وقدمها والعشوائية الموجودة في الحي من ممرات ضيقة ومناطق مظلمة، كما أن هجرتهم جاءت بعد ان استفحل وجود الجنسيات الوافدة وحدث تغير ديموغرافي في طبيعة السكان وانتشار كبير لأوكار الجريمة. عمالة سائبة ويشاهد صباح كل يوم اصطفاف العشرات من العمالة السائبة التي تمتهن الأعمال الحرة في شوارع الحي، ويبين العامل غلام أكبر (باكستاني) انه قدم إلى المملكة بغرض اداء العمرة وعند وصوله إلى المدينةالمنورة عرض عليه معارفه البقاء. ويضيف «سكنت مع رفاقي في مسكن شعبي يعود لمواطن متستر قام بتأجيره لباكستاني، وهذا الأخير جلب كل معارفه وأصدقائه حيث يقوم بتسكينهم بشكل جماعي، ويسكن في الغرفة الواحدة ما بين ثلاثة إلى خمسة اشخاص بحسب حجمها، ويسدد كل مقيم في الدار مبلغ 400 ريال شهريا كإيجار لصاحب المنزل». من جهته، بين صلاح الصوفي (عامل مصري) أنه يعمل في مؤسسة رسمية وبشكل نظامي، وقال «وجود العمالة السائبة أثر بشكل سلبي على السوق وعلى المؤسسات التي تعمل بشكل نظامي، خاصة أنهم يسيطرون على السوق ويتسببون في سوق سوداء في قطاع البناء والمقاولات»، مشيرا إلى ان هؤلاء العمالة ليس لديهم أعمال محددة بل يمارسون كافة الأعمال وهم غير مهرة وغير متخصصين وهؤلاء يعتبر وجودهم كارثة على السوق. وختم بالقول «السوق ما زال متأثرا بالسوق السوداء، وهناك انخفاض بالطلب على العمالة النظامية في ظل وجود العمالة السائبة التي دائما ما تعرض نفسها للزبائن بأسعار زهيدة». خطر أمني إلى ذلك اوضح الخبير الاقتصادي عبدالغني الأنصاري ان وجود العمالة السائبة يعتبر خطرا أمنيا واجتماعيا واقتصاديا. وفند الأنصاري الأسباب الرئيسية وقال «هذه العمالة تشكل خطرا امنيا إذ يطلعون على أسرار البيوت، كما يشكلون خطرا اجتماعيا كونهم يسكنون في سكن عزاب، ولا شك ان الحي فيه الكثير من العوائل التي تقطنه، بالإضافة إلى انهم من خلال عملهم سيتعرفون على عناوين منازل الكثير من المواطنين مما قد يعرض هؤلاء المواطنين للخطر وتكمن المشكلة في انهم أشخاص مجهولو الهوية كونهم لا يحملون اقامات نظامية». وأضاف «وجود هذه العمالة يشكل كذلك خطرا اقتصاديا، فهم غير متخصصين في عمل معين، بل يعملون في كافة الأعمال وهذا يؤثر على جودة العمل خاصة في أعمال البناء ويعملون على تدمير وتخريب منازل المواطنين كونهم عمالة غير مدربة وغير مؤهلة وغير متخصصة، وكذلك فهم يعملون دون أي رقيب او حسيب فلا يوجد جهة يحاكم اليها العامل او صاحب العمل فقط مجرد اتفاق في الشارع ومن ثم يذهب لمكان العمل لإنجازه، وهذا يعني وجود اقتصاد قائم خفي وسوق سوداء تدر الملايين والمفترض أن يكون هؤلاء العمالة على كفالة إحدى المؤسسات التي تعمل بشكل نظامي ولا شك ان ذلك فيه اهدار لأموال الناس». معدل طبيعي من جانبه أوضح المتحدث باسم شرطة المدينةالمنورة العقيد فهد عامر الغنام، أن الأحياء العشوائية احد الهواجس الأمنية التي تسعى الجهات الأمنية لتكثيف جهودها فيها، لافتا إلى أنه متى ما وجدت الثقافات المختلفة، إلى جانب تدني المستوى المعيشي والفكري للأفراد، فإن ذلك يؤدي إلى انتشار الجريمة، مبينا أن «ارتكاب الجريمة في العشوائيات أمر ملحوظ، إلا أنه لا يزال وفق المعدل الطبيعي للجريمة»، مشيرا الى ان حملة التصحيح لا تزال متواصلة وأن المخالفين لنظام الاقامة يتم القبض عليهم من خلال الدوريات الأمنية ونقاط التفتيش المنتشرة التي تستهدف الأحياء العشوائية، ومن يقبض عليه يتم تسليمه لإدارة الوافدين التابعة للسجون تمهيدا لترحيلهم، أما المخالفون لنظام العمل فهناك لجنة مكونة من مكتب العمل والشرطة لتطبيق النظام المنصوص بحقهم وتطبيق العقوبات. التطوير قادم يذكر هنا، أن حي «السيح» يقع ضمن خطة هيئة تطوير المدينةالمنورة وسيقضي مشروع تطوير حي السيح المرتقب على العشوائيات، حيث تم ترقيم المنازل بالكامل لصالح توسعة المسجد النبوي والمنطقة المركزية الجديدة، حيث سيكون الحي ضمن المنطقة المركزية الجديدة التي ستكون مخصصة للأبراج والفنادق المخصصة للحجاج والزائرين.