كان اختيار الأمير خالد الفيصل لمسؤولية التربية والتعليم أهمية كبيرة من خلال اهتمامات المملكة نشر العلم باعتباره هو العلاج الوحيد الذي يمكنه أن يقضي على الخرافات التي تعشعش في أدمغة بعض الناس. فالعالم الذي يحيط بنا أصبح فيه العلم قوة، وإذا تخلفنا عن ركبي العلم والقوة أصبحنا معزولين عن بناء الحياة. إن الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- هو الذي أنار الشعلة الأولى لمرحلة التعليم، وكان تاريخ أول مدرسة ابتدائية في منطقة الحجاز، حيث كان تأسيس مديرية المعارف عام 1344ه الموافق 1926م بناء على اقتراح الأمير فيصل بن عبدالعزيز بتعليم المواطن السعودي، وكانت مطبوعة بالتراث الإسلامي. وقال المستشار حافظ وهبة في كتابه (خمسون عاما في جزيرة العرب) إن الملك عبدالعزيز كان مدرسة فيما حققه لنفسه، وإنه لم يتعلم في مدرسة، بل كانت مدرسته لأنجاله وتوجيههم لبناء دولتهم الحديثة على الرقي والتقدم، والتمسك بالدين الإسلامي لرفع المستوى العلمي بين المسؤولين ومعرفة ما في الكون ولمحو الأمية لكل مسلم. ويؤكد الملك فيصل أن البيت السعودي بيت دعوة، قبل أن يكون بيت ملك، والدعوة في جوهرها تعليم عندما يتبناها الفرد لنقلها لأبناء أمته وأن الملك عبدالعزيز لا تنفصل حياته عن هذه الدعوة بل تراثها الحي هو الذي يشكل حياته وأعماله وهو الذي لون قيمه والتزاماته وميوله الشخصية كما شكل فكره وأحكامه. وعلينا أن نقيم صرح نظام تعليمي دائم التطور. وعندما أسند للأمير فيصل منصب ولي العهد للملك سعود أصدر قراره لتأسيس وزارة المعارف عام 1373ه 1953م، وعهد بها إلى الأمير فهد بن عبدالعزيز، وكان أول وزير للمعارف ووصف بالأب الروحي لنظام التعليم والثقافة والأدب، وأعطى قدرته واهتماماته ونقل بالتعليم مراحل أساسية، كما واجه الكثير من الأمور الصعبة لمسيرة التعليم وتغلب عليها بحكمته ومواهبه. وفي عام 1955م زار الأمير فهد العاصمة السورية دمشق تلبية لدعوة الرئيس السوري شكري القوتلي؛ لأن العلاقات بين الملك عبدالعزيز والرئيس القوتلي متينة بفضل جهود الملك عبدالعزيز تحققت السيادة والاستقلال لسورية العربية والتخلص من الاحتلال الفرنسي والبريطاني الذي استمر ربع قرن. واغتنم الأمير فهد في زيارته لاختيار المدرسين والمدرسات من سورية للمساهمة في نشر التعليم في المملكة، واجتمع مع الدكتور مأمون الكزبري وزير المعارف في ذاك التاريخ وقد سعدت شخصيا في أن أتعرف على سمو الأمير فهد عن طريق الشيخ عبدالعزيز بن زيد السفير السعودي في سورية ولبنان وكان اللقاء في دارة السفارة السعودية وتحدث الأمير عن مسيرة التعليم الحديثة في الوطن السعودي وعن العلاقات الأخوية مع سورية العربية، ولا يتسع المجال للحديث عن تفاصيل اللقاء في هذا المقال. لذلك إن الأمير خالد الفيصل هو الوزير المناسب لمسؤولية العلم لأجيال المستقبل. وكان صدور الأمر الملكي لتعيينه قبل يوم واحد من صدور ميزانية الخير للمملكة واعتبرت أضخم ميزانية منذ قيام الدولة وركزت على تنمية المواطن السعودي وتعليمه وخصص ربع الميزانية للتعليم وتقرر (210) مليارات على سياسة التعليم هذا القطاع الواسع لأبناء المملكة في كل مراحل التعليم بينما كانت أول ميزانية لمديرية المعارف عام 1372ه 1392م بلغت (12.800.000) ريال. وأمام هذه المقارنة بين الميزانية الأولى والميزانية الجديدة نجد الفارق الكبير المخصص للنظام التعليمي الحديث في شبه جزيرة العرب ومساحتها 2.250.000 كيلو متر مربع وإعطاء صورته الحقيقية ليسير في طريق الصلاح والتطور وهذا ما يظهر أن وزارة التربية والتعليم هي من أهم الوزارات في الشأن المحلي، والعلم هو أساس كرامة الإنسان السعودي وطريق معرفة الله تعالى وعبادته وعمارة الأرض وليعرف كل مواطن أولا واجبه وصلته بهذه الدولة التي يعيش برعايتها وحمايتها، فالإسلام آمن ما بين الدين والعلم، وما بين الدين والعقل، وما بين الدين والفكر، وما بين الدين والحياة وأكدت ذلك آيات كثيرة من كتاب الله تعالى: (واستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) (سورة الأنفال، الآية: 24). وبدأ الإسلام منذ ظهوره قبل أربعة عشر قرنا بمعالجة مشكلة العلم قبل أية مشكلة من مشاكل الحياة، وورد في الحديث الشريف: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، ويشمل ذلك الرجل والمرأة وكان أثر العلم كفريضة دينية. والأمير خالد الفيصل قد ترك بصماته في كل منصب تقلده منذ ريعان شبابه سواء في الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وتنظيم الفرق الكشفية، ثم في إمارة منطقة عسير، ثم أميرا لمكة المكرمة، إنه إنسان مهذب حق التهذيب ويحترم الصغير والكبير، ولديه كل الاستعداد ليملأ أي مركز يكلف به وسيكون كفؤا لكل مسؤولياته وفي خدمة وطنه، إنه شخصية متواضعة إلى أقصى الحدود من خلال ثقافته وأدبه وأخلاقه ويحمل شهادات عليا وسيكون أساس الطريق في منصبه الحديث لإصلاح وزارة التربية والتعليم التي أضحت ضمن مسؤولياته. إنه خريج مدرسة والده، وأصبح مدرسة ثقافية واسعة بإدارته ورئيسا لهيئة جائزة الملك فيصل العالمية، وله مقولة راسخة عن هذه المؤسسة التي تحمل اسم والده الشهيد ويؤكد فيها: «إن عظمة الأمم لا تقاس بما تملكه من وسائل الحضارة المادية، وإنما تقاس بمواقفها الإنسانية من أعمال الخير والبر، والأمة الإسلامية لم تحقق سيادتها في الأرض خلال ثروتها المادية وهي كثيرة، بل سادت العالم بمبادئ الدين الحنيف وتعاليمه الداعية لفعل الخير وإعمار الأرض». ويؤكد بأن الملك فيصل الشهيد لم يكن ملكا ولا عظيما فحسب بل كان داعية خير وسلام ورجل عقيدة ورائد فكر، ويستمد تفكيره وعمله من تعاليم دينه الحنيف. نرجو لسموه النجاح في المسيرة التعليمية والتي باشر مهماته وزيرا للتربية والتعليم ووصف المهمة شاقة لتحمل المسؤولية لأعظم أمانة وهذه المهمة تتطلب من الجميع الإرادة والإدارة التي تشكل هذا الإنسان الملتزم بالمبادئ والقيم.