عرف الفيصل قيمة العلم فاهتم به وأولاه جل عنايته ودعمه.. فحرص على نشر العلم بين مختلف فئات الشعب باذلاً في سبيل ذلك الغالي والنفيس من أجل تحقيق حلم النهضة وأمل التطوير.. فكان له ما أراد ، بعد أن جد في تحقيق مراده واجتهد وجابه المعترضين..! حارب الجهل وانتصر للعلم فانتصر أخيراً.. في حلقة اليوم سنواصل الغوص في سيرة الملك فيصل رحمه الله مخصصين مداد قلمنا للحديث عن جهوده الجبارة في مجال العلم والتعليم فإلى التفاصيل: أولى قادة هذه البلاد الطاهرة على مر الأزمان التعليم أكبر قسط من عنايته ، ولعل الدليل على ما ذهبنا إليه يكمن في تطور ميزانية التعليم وتصاعد أرقامها. فبالعودة إلى العام الذي انتقل فيه جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود إلى جوار ربه نجد أن ميزانية التعليم بلغت فيه اثني عشر مليوناً وثمانمائة ألف ريال ثم نجد أنها بلغت في عام1384ه وهو العام الذي بويع فيه الفيصل بالحكم على البلاد مائتان وتسعون مليون ريال ثم وصلت إلى ألفين ومائتين وستة وثلاثين مليوناً في العام الهجري 1394ه. ومن هنا نلمس أن النظرة الشاملة التي تمتع بها جلالة الملك فيصل أخذت على عاتقها النهوض بالتعليم في المملكة العربية السعودية وأدت إلى توسيع النطاق التعليمي ، وتوفير الإمكانيات اللازمة له ، وتطوير الكفاءات العلمية المختصصة. لنجد أن عدد المدارس ارتفع في عهده في كل المراحل التعليمية فمثلاً ارتفعت أعداد المدارس الابتدائية من 938 مدرسة إلى 1806 مدارس ، وكذا حال المدارس المتوسطة التي زاد عددها من 95 مدرسة إلى 359 مدرسة ، وارتفع عدد المدارس الثانوية من 6 مدارس إلى 67 مدرسة، كما ارتفع عدد معاهد المعلمين من 7 معاهد إلى 14 معهداً. وقد بلغ عدد الطلاب المسجلين في العام الدراسي 1394/1395 في المدارس حسب الآتي: المرحلة الابتدائية (401348) طالباً ، والمرحلة المتوسطة (70270) طالباً ، والمرحلة الثانوية (19892) طالباً كما بلغ عدد الطلاب المسجلين في تعليم الكبار (55540) طالباً. وقد بلغت ميزانية وزارة المعارف 2515 مليوناً من أصل ميزانية الدولة لذاك العام والتي بلغت 98247000 مليون ريال. وكان يراعى زيادة نسبة ميزانية التعليم لتواجه حاجة البلاد المتزايدة التي تنمو مع نمو الميزانية العامة للدولة. ومن منطلق اهتمام الملك فيصل بمحو الأمية ، فقد أصدر مرسوماً ملكياً ينص على ضرورة محو الأمية بين جميع المواطنين بالمملكة العربية السعودية بمختلف فئاتهم ، وإعداد المواطن الصالح الذي يسهم بوعي و إدراك في النهوض بوطنه ، وبناء على توجيهات الفيصل تم وضع خطة شاملة للقضاء على الأمية في مدة أقصاها (20) عاماً. وقد قال الفيصل : (نحن مهتمون بأن ننشر العلم والثقافة في بلادنا على أوسع ما يمكننا من مجهود ، في سبيل ذلك فتحنا المدارس وأنشأنا الكليات وبعثنا للدراسة في الخارج على حساب الدولة ، وإن التعليم في المملكة العربية السعودية في جميع مراحله مجاناً ، وفي بعض الاختصاصات تدفع الدولة للطلبة مكافآت تعينهم على تدبير شؤونهم الخاصة) ، وقد قال خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله : إن الملك فيصل بن عبدالعزيز المعلم الأول في نهضتنا الحديثة والذي دفع أمتنا لحياة أفضل . وكان الفيصل يرى أن التعليم والحصول على الشهادة ليس هو كل شيء ، وإنما المهم هو أن يكون هذا المفتاح يمكن لمن يحوز عليه ان يكون عضواً نافعاً ويقوم بما يجب عليه تجاه دينه وأمته ووطنه . ويرى الفيصل أنه ليس مهماً أن نبني معاهد ، ولا أن نحتفل بافتتاحها ، ولكن المهم أن نسعى جهد طاقتنا في أن نستفيد من هذه المعاهد ، وأن نحقق آمال أمتنا ، وأن نجد بين أبنائنا الطموحين من يسعون إلى مستقبل زاهر بكل ما أوتوا من قوة وتفان في سبيل خدمة الدين الإسلامي والوطن والأمة. هذا وقد هدف مشروع تطوير التعليم الفني والمهني الذي أقره قرار مجلس الوزارء واستهدف زيادة المدارس المهنية والثانوية ، وافتتاح مدارس جديدة لرفع عدد الفنيين والمهنيين بغية سد النقص الذي تعانيه الدولة من الفنيين والمهنيين. أما فيما يتعلق بالتعليم الجامعي ، فهو مرحلة التخصص بكل أنواعه ومستوياته سعياً لسد حاجات المجتمع في حاضره ومستقبله بما يساير التطور الذي يحقق الأهداف والغاية المطلوبة ، ورعاية ذوي الكفاءة والنبوغ وتنمية مواهبهم ، وإثراء المجتمع باعتبار العلم طريق اليوم وطريق الغد وذلك بعد تزويد الطالب بالثقافة الإسلامية التي تشعره بمسؤوليته أمام الله ثم أمة الإسلام . كما أتيحت الفرص أمام النابغين للدراسات العليا في التخصصات العلمية المختلفة ، والقيام بدور إيجابي للنهوض بحركة التأليف والإنتاج العلمي. ومن أبرز أعمال الملك فيصل العلمية على الساحة الإسلامية دعمه للجامعة الإسلامية التي هي مؤسسة إسلامية من حيث الغاية ، وعربية سعودية من حيث التبعية ، وهي تستقبل أبناء العالم الإسلامي من أكثر من مئة دولة إسلامية ، وتجعل منهم دعاة يحملون رسالة الإسلام وينشرون دين الله. وكان الملك فيصل حريصاً دائماً على زيادة ميزانية الجامعة الإسلامية زيادة مطردة لإقامة مشروعات ومساكن للطلبة وأبنية إدارية. كما حولت جامعة الملك عبدالعزيز إلى مؤسسة علمية ثقافية بعد أن كانت أهلية بمرسوم ملكي. وفي سنة 1394ه صدر قرار مجلس الوزراء بالموافقة على إنشاء جامعة الملك فيصل بالمنطقة الشرقية ، كما صدر مرسوم ملكي بالموافقة على نظام الجامعة ويكون مقرها الأحساء. وحرصت الدولة ممثلة بوزارة التعليم العالي على تقديم الكثير من المنح الدراسية للطلاب السعوديين المبتعثين خارج المملكة العربية السعودية ، وتصرف عليهم نفقات كبيرة تشجيعاً لهم على التحصيل العلمي كما تقدم الوزارة إعانات تشجيعية لجميع الطلاب الذين يدرسون في المعاهد العليا والكليات الجامعية في المملكة العربية السعودية. وتسهيلاً للبحث العلمي فقد توفرت للباحثين مكتبات تضم آلافاً من الكتب والمخطوطات ومراكز التصوير في مختلف جامعات المملكة العربية السعودية. أما فيما يخص تعليم المرأة فيؤكد الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز الحصين في سفره (فيصل بن عبدالعزيز وجهوده في القضايا العربية والإسلامية) أن الفيصل حمل على عاتقه لواء تعليم المرأة الذي قوبل باعتراض بعض الفئات في المملكة العربية السعودية على مبدأ فتح الدولة لمدارس البنات ولكن الفيصل ناقش هذه الاعتراضات التي سمعها واستخدم الأساليب الجيدة لإقناع المعارضين بأن تعليم البنات عمل خير ، وأن كل الضمانات متوفرة في المدارس التي أنشأتها الدولة لتبقى الفتاة السعودية التي تتعلم محافظة على دينها في المستقبل كزوجة وأم . كما رمى تعليم البنات إلى سد الحاجة المجتمع السعودي من المتعلمات والمتخصصات في مختلف العلوم والمعرفة دون الخروج على هذه التقاليد ، ولتكون سيدة بيت وربة أسرة تعرف شؤون بيتها ما يمكنها من تثبت دعائم السعادة العائلية. ومن هذا المنطلق بدأ تعليم البنات في المملكة العربية السعودية بافتتاح خمس عشرة مدرسة ابتدائية ضمت 5180 طالبة ، ومعهد لإعداد المعلمات التحق به 21 طالبة . ثم عم التعليم الابتدائي فوصل في عام 1394ه إلى 839 مدرسة ابتدائية بلغ عدد الطالبات بها 215454 طالبة ، وارتفع عدد مدارس التعليم المتوسط من خمس مدارس عدد طالباتها (135) طالبة في العام 1383ه ليصل في العام 1394ه إلى 102 مدرسة عدد طالباتها 37111طالبة . أما التعليم الثانوي فلم يكن هناك إلا مدرسة واحدة في عام 1383ه بلغ عدد طالباتها 21 طالبة ليصل عدد المدارس الثانوية في العام 1394ه إلى 19 مدرسة بلغ عدد طالباتها 9538 طالبة . كما ارتفع عدد طالبت المعاهد الثانوية حيث لم يكن في البلاد سوى معهدين بلغ عدد طالباتهما 56 طالبة وذلك في عام 1388ه ليصل عدد الطالبات في عام 1394ه إلى 2875 طالبة في 25 معهداً ، وبلغ العدد في محو الأمية وتعليم الكبار 28893 طالبة. ويرى أن معدل مشاركة الفتاة السعودية في العمل سيزداد حيث إن الملك فيصل قد عدل في نظام الموظفين الذي يحدد المرتبة في تعيين الخريجين بالنسبة للمؤهل العلمي بجعل قرار تعيين الخريجات من معاهد المعلمات بالمرتبة السابعة ، وكان هذا القرار مشجعاً للمواطنات للدخول في ميدان العمل حيث المؤهلات العلمية للفتيات عند التعيين أقل في مستواها من مؤهلات الرجال رغم أن الدرجة المالية والمرتبة واحدة وأوضح ذلك بقوله : (إن نسبة التعليم بينهن معلومة وواضحة). وهذه النظرة المتطورة تستحق التقدير وستظل المرأة في المملكة العربية السعودية تدين بما وصلت إليه من تطور حضاري إلى سياسة جلالة الملك فيصل المتفتحة. من كل هذا نلمس أن المملكة العربية السعودية شهدت في ظل جلالة الملك فيصل انطلاقة عظيمة في التعليم في كل مراحله خصوصاً تعليم البنات. نصل من هنا إلى الدور الكبير الذي قام به الفيصل لنقل هذه البلاد من دور التأخر العلمي إلى دور العلم ، بل الوصول إلى دخول الذرة في خدمة الدولة ، ويقول الفيصل في ذلك : (عزمنا على إقامة أفران ذرية ، وهذا الحقل يقتضي وجود الجهاز والطاقة البشرية التي تديره وتشرف عليه ، وتقوم بالعمل فيه ، ولا يمكننا استيراد هذه الطاقة البشرية من العالم الخارجي ففضلنا أن نبعث بعوثنا من أبناء الوطن ليستحصلوا على العلم في المعاهد الخارجية ويعودوا إلى بلدهم ويكونوا ركيزة هذا المشروع) ، وهذا يعطينا دلالة واضحة على اهتمامه بالتعليم ودعمه الجبار له.