هناك مقولتان تسودان الوسط الرياضي المهتم بتجسيد وتشخيص تراجعات الفريق الاهلاوي منذ موسمين رياضيين وحتى اليوم.. هاتان المقولتان هما: أن المشكلة فنية بحتة.. اساسها وسببها المباشر هو المدرب الحالي «بيريرا».. وقراراته التي انهكت الفريق وأضعفته وفرغته من الكفاءات والقدرات.. وأن من اختارهم من المحترفين كبدائل كانوا دون المستوى المطلوب.. في وقت يرى البعض الآخر أن المشكلة تعود في اساسها إلى اختلاف عضوي شاسع بين ثقافة المدرب وثقافة اللاعبين وان ما يريده المدرب ومن يريده منهم لتنفيذ الخطط والبرامج التي يريدها هو غير كل ما اعتاد عليه النادي.. وتشربه اللاعبون.. وتشكلت معه قناعات اصحاب القرار بالنادي.. وأن كل ذلك يظهر من خلال بناء المدرب لخططه لكل مباراة.. وكذلك من خلال اختياراته للاعبين وتوزيعاته للادوار.. وهي توزيعات مربكة.. وغير مستقرة.. وأن اللاعبين لا يعدون الاعداد الفني والنفسي الكافي للنهوض بها.. كما أن اختيارات المدرب للتشكيلة لكل مباراة لا تدل على قراءة صحيحة للفريق الخصم سواء من خلال التشكيلة الاساسية التي يبدأ بها المباراة.. أو من تكوين التشكيلة الاحتياطية الموجودة في الخارج.. بدليل تغيب عناصر اساسية وضرورية في مباريات بعينها.. في وقت يوجد آخرون على «الدكة» أو داخل الملعب غير من تقتضي المباراة وجودهم كأساسيين أو على بنك الاحتياط.. أما الفئة الثالثة فإنها ترى أن برامج التأهيل التي تعتمدها الاكاديمية تطبق فكرا مختلفا عن فكر المدرب.. وان ضعف العلاقة بين الفكر الذي تدار به الاكاديمية والفكر الذي يدار به الفريق الاول هو الذي جعل بنك الاحتياطي فقيرا باستمرار.. فيما يرى آخرون أن الادارة الفنية المشرفة على الفريق الاول أو الادارة المباشرة للنادي تبالغ كثيرا في اعطاء المدرب الحرية الكاملة في التصرف.. وأنها لا تصل الى حلول علمية وعملية معه بعد كل مباراة يتعرض فيها الفريق لانتكاسة جديدة.. وأن درجة استجابة المدرب لملاحظات الشارع الرياضي وضغوطه على ادارة النادي محدودة للغاية ان لم تكن منعدمة.. وأن لغة التفاهم بين الطرفين معدومة تماما.. تلك هي المقولة الاولى السائدة في الوسط الرياضي.. اما المقولة الثانية فإنها ترى أن المشكلة ادارية.. ولها علاقة مباشرة بالقرار داخل النادي وتراتبية العمل الهرمي بداخله.. وابتعاد اللاعبين كثيرا عن النظام الهرمي الاداري ووجود فجوة بين الاطراف الثلاثة بداخله.. من ادارة عليا.. وإدارة فنية ولاعبين.. وأنه لكي تعالج هذه الفجوة فإنه لا بد من ايجاد آليات واضحة ومحددة.. وعند النظر إلى التحليلين.. أو المقولتين من جهة.. وإلى تراجع مستوى الفريق الاول من جهة ثانية.. وإلى حيرة الجماهير تجاه ما حدث ويحدث فإننا لا بد وأن نؤكد على أمرين هامين هما: أولا: استبعاد المقولة الثانية نهائيا للأسباب التالية: (1) أن الهيكلية لم تتغير في الاهلي منذ مدى زمني طويل.. بدليل تطور مستوى الاداء العام داخل النادي بحكم توفر عنصر الثبات والاستقرار في التنظيم الاداري الداخلي وعدم تعرضه لأي نوع من انواع الاهتزاز. (2) أن نتائج الفريق الاول كانت في تصاعد مستمر.. ووضعت الاهلي في المكان والمكانة التي يستحقها بدليل ارتفاع مستوى جماهيرية الفريق على مستوى المملكة. (3) أن الفريق لم يتعرض لنفس الازمات والاعراض التي تعرضت لها اندية اخرى كبرى.. والسبب في ذلك أن النادي لم يعان في هذه الناحية.. بحكم تكفل «الرمز» بكل تكاليف النادي حتى الآن وهو ما لا يوجد في أي ناد آخر.. (4) أن هناك وحدة قرار داخل النادي وفرت حالة من الاستقرار لا تتوفر لغيره.. حتى وإن كانت هناك وجهة نظر للبعض بأهمية وضرورة أن تكون هناك منهجية علمية يحتكم اليها الجميع.. وآليات واضحة يرجع اليها الكل.. وأدوات ومصادر محددة للتمويل بما فيها الشراكات والانشطة التجارية وبرامج الرعاية، غير رسوم العضويات وربطها بخطط وبرامج يستفيد منها العضو ويتفاعل من خلالها مع المجتمع ويساهم في خدمة انشطة وبرامج النادي.. ويشارك فيها بفعالية اكبر. وإذا نحن اتفقنا على هذا الاستبعاد.. وتحددت الامور بوضوح داخل النادي وتوزعت الادوار بدقة.. ووضعت الآليات الكافية.. بما فيها تجديد دور الادارة العليا.. ودور الاجهزة الفنية واستحقاقاتها وصلاحياتها.. فإن الذهن سينصرف إلى اهمية وضرورة اصدار لائحة داخلية تنظم العلاقة بين مختلف الاجهزة وبين اللاعبين.. كما توضح حقوق وواجبات والتزامات كل منهم تجاه النادي.. تكون مستقرة.. وبالذات في ظل انظمة الاحتراف السائدة كما تحدد دور وعلاقة كل جهاز وبما يمنع التداخل في الصلاحيات ويضع حدا للاختلافات بينها إن وجدت.. وبكل تأكيد فإن هذه العملية التنظيمية ستحقق المزيد من الاستقرار والوضوح والتكامل في الممارسة الفعلية للصلاحيات والادوار.. وبالذات في ظل وجود رأس واضح ومعروف ومحدد يحترمه الجميع.. ويدركون اهمية وجوده من ورائهم وتصديه لمعالجة كافة الاوضاع ويحول دون الانقسام والتوتر السائد في اندية اخرى.. لا يوجد فيها العقل والخبرة والحرص الذي يوحد الجميع ويمكنهم من العمل المتضامن بهدوء. أما بالنسبة للمقولة الأولى والتي تحمل الجهاز الفني مسؤولية تراجع النادي.. فإنها تكاد تكون هي الاقرب لتفسير ما حدث ويحدث.. ومن الملاحظ أن هناك اختلافا حتى في داخل ادارة النادي حول تحديد المسؤول عن الانتكاسة الاهلاوية وعدم وجود بارقة امل في تحسن الاوضاع.. فالبعض يرى أن المدرب «بيريرا» كبير.. وأن خبرته.. ورؤيته علمية بحتة.. وأنه يريد خلق بيئة عمل جديدة وفكر مختلف داخل النادي لكنه يواجه فكرا مختلفا من داخل النادي يؤثر في رأي الجماهير وفي الرأي العام الرياضي ايضا بما في ذلك المراقبون والخبراء والاعلاميون وبالتالي فإنهم يرون ضرورة الصبر عليه.. واعطائه الوقت الكافي لمعالجة الفجوة السائدة بينه وبين كل من يخالفونه في رؤاه وطريقة معالجاته.. بل وفي طريقة تعامله مع الكرة في البلد ومع اللاعبين داخل وخارج الملعب حتى يتمكن من تغيير الثقافة الاخرى.. لكن البعض الآخر يرى أن اعطاء المزيد من الوقت للمدرب معناه القضاء على الفريق تماما وتعريضه لهزات معنوية شديدة لن تتحملها الجماهير طويلا.. ويرى هؤلاء أن اختيارات المدرب.. وتشكيلته لكل مباراة وخططه داخل الملعب.. وتغييراته «الغريبة» وغير المفهومة تؤكد أن ليس لديه ما هو افضل مما قدمه وأن تركه يتخذ القرارات.. ويقرر الاختيار لعناصر المحترفين ويستبعد من يستبعد.. ويعيد بناء الفريق من جديد.. سيقضي على النادي.. ويخرجه من كل المسابقات.. بدليل ارتفاع صوت اللاعبين لأول مرة وتلميحاتهم الاعلامية بأن هناك مشكلة كبيرة مع المدرب.. وأن كلا منهم لا يفهم الآخر بدرجة كافية.. وأن قراءاته للواقع الرياضي في المملكة غير صحيحة.. وأنه غير قادر على تغيير طريقة اللعب المعتمدة في الفريق الاول او في كل المعدلات العمرية الأخرى.. وتلك وإن لم تكن مشكلة المدرب.. بل هي مشكلة اللاعبين الذين تعودوا لسنوات طويلة على تكتيك بارد خفض من حدة الروح القتالية داخل الملعب.. الا أن المدرب لم يعالج هذه الناحية إذ هو لم يوسع دائرة التفاوت في مستويات الاداء داخل الملعب لأنه لم يستقر على تشكيلة واحدة لعدة مباريات.. كما أنه لم يضع برنامجا زمنيا للانتقال بالاداء الفني الى مرحلة مطورة تطبق الطرق الاوروبية في اللعب السريع والقوي وسرعة التعامل مع الكرة والتخلص منها في ثوان واتخاذ القرار الصحيح داخل الملعب وهو ما ظهر في عدد من المباريات التي هزم فيها الفريق بسبب غياب التجانس الذي تسبب فيه تغيير مواضع اللاعبين بين مباراة وأخرى.. فلا تيسير لعب كل مبارياته كمحور متقدم وداعم للمهاجم الصريح.. ولا مصطفى بصاص ثبت في المنطقة الطرفية التي يحبذها ويجيد معها الامداد والتمويل.. ولا هو استطاع أن يوجد خط دفاع قويا ومتماسكا.. مما جعل خط الظهر الاهلاوي ممرا سهلا لمهاجمي الفرق الاخرى.. دخلت على اثره اهداف كثيرة في مرماه. والدليل على كل ذلك هو مباراة الفريق الاخيرة امام النصر.. وتصريحات المدرب نفسه عن ان لاعبيه دخلوا الملعب بروح انهزامية وتحميله المسؤولية للاعبين.. ولم يعترف بخطأ اختيار التشكيلة.. وفقر دكة الاحتياط وسوء التغييرات.. وإظهار الفريق بأنه عاجز حتى قبل طرد لاعبه الأول محمد أمان وتضاعف الجرح بعد طرد اللاعب الثاني سلطان السوادي.. وهما طردان مستحقان وإن كان سببهما المشترك هو الحالة النفسية التي بدا عليها الفريق.. حتى بدا وكأن فريق الاهلي يلعب الشوط الاول بعدد اقل من (11) لاعبا.. وحتى بعد طرد الحكم لحارس النصر عبدالله الشمري وتحول المباراة لصالحهم بالكامل.. هذه الاجواء وتلك تشير إلى أن ثقافة المدرب واختياراته وقراراته تصطدم بأبسط قواعد العمل الفني التكاملي الذي يقوم في العادة بين إدارة الفريق الفنية وبين مدربه.. وبينهما وبين اللاعبين.. هذا إن نحن استبعدنا عنصر سوء الاختيار للبدائل.. والارتباك عند التعامل مع ظروف المباراة وعدم القدرة على ايجاد حلول ومعالجات لكل موقف.. وذلك هو الفارق بين مدرب ومدرب.. وبين فكر وفكر.. وحتى وإن كان المدرب ذا فكر متميز ومختلف كما يقول البعض فإن النجاح له لا يتحقق في ظل انعدام الكيمياء بينه وبين كل من يحيطون به.. ويصب هذا التفاوت في التأثير على الاداء العام للاعبين الذين لا يعرفون ماذا يفعلون داخل الملعب.. نتيجة عدم جاهزية الفريق عناصريا.. وعدم الاهتمام باللياقة بدرجة كافية.. بالاضافة الى فرض لاعبين بعينهم.. وعدم الثقة بالمجموعة في النهاية. والحل الامثل هو أن تكون هناك استراتيجية ثابتة لدى النادي.. لمعالجة كل هذه المشاكل الفني منها واللياقي.. والتنظيمي.. وأن هذه الاستراتيجية تقود إلى وضع قواعد واضحة لاختيار المدرب عمليا وقبل التوقيع معه على اتفاقية طويلة الاجل.. وقبل التعرف على خطته أو برنامجه والموافقة عليه.. إذا اريد الاستمرار في التعاقد مع بيريرا لما هو اكثر مما مضى حتى الآن فإن عليه أن يقدم خطة متكاملة تصب في قناة الاهداف المحددة.. وإلى جانب هذه الخطة يوجد برنامج زمني واضح ومحدد لتحقيق تلك الاهداف.. ويكون هناك قرار جماعي في اختيار المحترفين تحدده احتياجات النادي الفعلية لشغل مناطق الفراغ والضعف فيه.. مع وضع برنامج معالجة للعيوب والاخطاء وتحديد المنهجية الملائمة لرفع مستوى كفاءة وتأهيل اللاعب.. اضافة الى اهتمام حقيقي بنواحي التأهيل النفسي.. وإيجاد برنامج سنوي للاحتكاك بالغير لاكتساب الخبرة وحسن الاعداد للفريق ليس لخوض المسابقات المحلية وإنما للمشاركة في المسابقات القارية والدولية.. وتجهيز اللاعب الاهلاوي للمشاركات التي يخوضها المنتخب.. لأن استمرار تراجع الفريق سيقلل من فرص مشاركة لاعبيه في تلك المسابقات بالرغم من وجود مستويات عالية من المهارة بين عناصره. كل ذلك مطلوب وبشدة وبالذات في اصلاح الناحية النفسية وردم الفجوة بين اللاعبين وإدارييهم وبينهم وبين جهاز الفريق الفني.. ولعل ما يشجع على القول ان فرص استرداد الفريق الاهلاوي العملاق مكانته في الكرة السعودية كبيرة هو استقرار اوضاعه العامة كما قلت في البداية.. وأستطيع القول ان الوقت لم يفت لإصلاح هذا الوضع ليس فقط مع المدرب.. وانما مع كل اجهزة النادي ايضا.. لأن فرص العودة إلى ما كان وأحسن ما تزال كبيرة بصرف النظر عن الاشخاص.. والاهم من كل هذا هو.. ان تعد الاستراتيجية الجديدة للنادي بسرعة.. بصرف النظر عن استمرار «بيريرا» أو خروجه.. قبل فوات الاوان.