أعطيت العمالة المخالفة مهلة تصحيحية يرتبون بها أمر بقائهم للاستمرار في العمل بالمملكة بشكل نظامي، وقد استفاد منها بعض المخالفين والبعض الآخر حافظوا على وضعهم كمخالفين، لكن الحملة التفتيشية للقبض على هؤلاء وترحيلهم إلى بلادهم كشفت الآلاف من هؤلاء، تواجد بعضهم في تجمعات مخالفة للنظام، كتجمعات الإثيوبيين في منفوحة بالرياض وفي شارع الستين وأمام القنصلية الإثيوبية في جدة وفي مكة.. وقبل حملات التصحيح والتفتيش كانت العمالة المخالفة مستفيدة في ظل أنظمة المملكة لكنهم لم يتقيدوا بها بل خالفوها ولم يعيروها أي اعتبار، فقد كونوا أوكاراً تعمل على إلحاق الأذى والضرر الاجتماعي والأخلاقي والأمني، مهددين بذلك سلامة الوطن والمواطنين، وهذا لفت نظر الجهات المسؤولة إلى أن وجودهم مخالفين يشكل خطراً كبيراً على المجتمع. وإلى أن قامت الحملة التفتيشية، كان المجتمع مفتوحاً أمام المخالفين ليعملوا تقريباً كيفما شاءوا. لقد تواجدت العمالة المخالفة في المحلات التجارية والمكتبات ومكاتب السياحة ومكاتب البريد السريع ومحلات بيع وإصلاح الجوالات والإلكترونيات ومحلات الفواكه والخضار.. الخ. وكان بعض المخالفين يعملون في السباكة والكهرباء وغيرها من المهن الحرفية، فيكسبون بذلك المال والخبرات التقنية التي يعتمد عليهم فيها المواطن، وهم الذين يحددون أسعار ما يبيعونه ويصلحونه. بعضهم يساعد بعضاً ومنهم من يجد المساعدة من بني جنسه خاصة من أولئك الذين يعملون مع كفلائهم. ومن العمالة المخالفة، الهاربون من كفلائهم ويمارسون أعمالاً مخالفة لما استقدموا أصلاً من أجله محدثين أضراراً كثيرة في المجتمع. على ضوء ما ذكر فقد كان قرار التفتيش ومن ثم الترحيل يعتبر صائباً وأخلاقياً رغم ما ينتج عنه من متاعب إلا أن فوائده وانعكاساته الأمنية المطلوبة تفوق متاعبه، وكما قيل: «المضطر يركب الصعب». والتجربة خير برهان، فحين بدأت الحملة التفتيشية كان رد فعل العمالة المخالفة القيام بأعمال الشغب والمخالفات، وهذا يعلمنا أنه لو تُرك «الحبل على الغارب» لكثرت أعدادهم ولأمكنهم القيام بأعمال مخالفة أكبر مما حدث، ولوجدنا صعوبة أكثر في التعامل معهم. انتاب الهلع بعض المستفيدين من العمالة المخالفة بسبب مغادرتها نتيجة حملة التفتيش، ومنهم من يُشير إلى صعوبة التأقلم مع وضع جديد ومفاجئ كهذا، خصوصاً وقد اعتادوا على الاستفادة الاقتصادية بوجود هذه العمالة منذ زمن طويل، لكن يمكن استفادة المتضررين من مغادرتها في عدم التعود والاعتماد عليها لأن في ذلك مخاطرة، مثلما أن العمالة تمثل خطراً على المصلحة العامة التي لا بد من العمل تحت مظلتها. وما يعزِّز المصلحة العامة هو الاعتماد على العمالة الوطنية لكي تحل محل العمالة المخالفة بعد مغادرتها، وما يُدفع للعمالة المخالفة، يُدفع للعمالة الوطنية ولو زاد. فعشرات المليارات بدلاً من تحويلها خارج المملكة، تبقى في بلدنا، تستفيد منها التجارة المحلية، ويستفيد منها الاقتصاد الوطني. ومن دون شك مطلوب تدريب العمالة الوطنية وتأهيلها وتشجيعها بالحوافز لتأخذ مكانها عوضاً عن العمالة المخالفة والوافدة بشكل عام، ومسؤولية ذلك بشكل عام تقع على عاتق القطاع الخاص وهذا أحد واجباته تجاه الوطن. الشركات الوطنية تستطيع توظيف أبناء الوطن وتُعدهم للعمل مثلما هي تستفيد من خيرات الوطن، ومن ذلك القروض التي تحصل عليها من الأجهزة المعنية في الدولة. فليس من الوطنية أن يقوم القطاع الخاص بخدمة مصالحه على حساب المصلحة العامة التي يصعب توظيف أبناء الوطن في خدمتها. قد يتوجه البعض، أفراداً أو شركات، للاستقدام من الخارج، لكن هذا ليس حلاً سوياً على المدى البعيد. فالاعتماد على العمالة الوطنية أكثر أماناً واطمئناناً، ولو يُدفع لها أكثر مما يُدفع للوافدة والمخالفة. وفي حال استقدام عمالة من الخارج فبشكل محدود ومؤقت وتكون مدربة ومؤهلة للأعمال التي يُطلب منها القيام بها. وفيما يتعلق بالعمالة المنزلية، فمهم تفهم الأسر لسلبيات الاعتماد على العمالة الوافدة والمخالفة، وقد يتطلب الأمر تعاوناً أكثر لأفراد الأسر ليقوموا بأعمال أسرهم داخل منازلهم.. والله أعلم.