أكثر ما يواجه الناس من مشاكلات مع القراءة التي هي عملية تفعيل الكتاب.. الروابط المعدومة.. يعني لا يوجد روابط من الأساس.. والذي أقصده من الروابط هو المعنى أو الفكرة التي تكون بينك وبين الكتاب أو فعل القراءة.. قلنا سابقا إن نوعية الرابطة تختلف من شخص إلى شخص ومن كتاب إلى كتاب.. فإما أن يفرض تلك العلاقة، أو أن الكتاب هو الذي يفعل أحيانا .. ومن أمثلة تلك الروابط.. أن تكون الرابطة بينك وبين الكتاب رابطة فلسفية تقول: إذا أنا لم أقرأ لن أعرف ما يحصل من حولي وفي داخلي، أما بالقراءة أعكس ذلك على نفسي، وهناك روابط شعورية عاطفية.. وهي أن الإنسان يشعر بأن الكتاب جزء من حياته ونفسه.. لا يستطع التنفس من غير أن يشهق بكتاب ويزفر بقلم.. ويشعر الشخص أن الكتب ممزوجة بلحمه ودمه، فالكتب مادة حياته.. ولا يهمنا كيف تكونت تلك الرابطة الجميلة.. لكن نعرف ونعلم أنها موجودة.. وأنا شاهد عليها.. واسأل مجربا .. أو أنها رابطة فطرية.. طبيعية.. أي أن يولد الإنسان وهو قد يرى الكتاب قبل أمه.. يعيش في بيئة مكونة جدرانها من الصفحات، ومن أسرة هي أم + أب + كتاب.. فيسمع القراءة وهو في بطن أمه، وبعد الخروج وأبعد من ذلك .. من المهم إيمانيا ونظريا أن تعتقد أن الكتاب موجود في حياتك.. يعني لا يتبقّى عليك إلا أن تختار الرابطة التي تناسبك معه، ثم تبدأ بالتحليق بها على دفتيه .. وكخطوة عملية لذلك.. اختر كتابا ترتاح لمؤلفه وتحب وتعشق موضوعه.. ثم ضعه معك يوما كاملا أينما ذهبت 24 ساعة إذا جلست أمام التلفاز ضعه أمامك أمام ناظريك.. إذا دخلت غرفة النوم ضعه بجانبك لكي تراه.. لماذا ؟ لكي تبدأ نفسك تعتاد على وجود الكتاب، وأنه جزء من حياتك، وأنه شيء طبيعي وعنصر من عناصر أشيائك.. هنا تكون قد اجتزت العقبة الأولى لدى كثير من الناس.. وتبدأ بعد ذلك أو تأتي هي إليك بموضوع الرابطة التي بينك وبين الكتاب.. فمدة تكوينها وخلقها في رحم الزمن لا تتعدى 24 ساعة من المجاورة واللمس الدافئ تماما، كالكتكوت الصغير في البيضة .. هذا ولتعلم أن الكتاب كائن حي مستقل بذاته.. والكائنات الحية اجتماعية بطبعها.. إذ الحياة لا تستمر بواحد.. فأنت والكتاب في حاجة لبعضكما البعض، أو وجودكما معا هو ما يضمن لكما الاستمرار.. فالحلقة المفقودة.. هي فكرة التعايش ..