تحدث الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلى في الجزء الثاني من الحوار الذي أجرته «عكاظ» بصراحة عن أسباب تعثر قرارات المنظمة قائلا «إن تعثر تطبيق بعض القرارات التي أصدرتها المنظمة يعود لأسباب بعضها مرتبط بعدم توفر الإرادة السياسية أو بسبب مسائل مالية خاصة تلك المتعلقة بالدعم المالي لبعض الأنشطة أو إنشاء صناديق مالية». وأشار إحسان أوغلى والتي تنتهي فترة رئاسته للأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي بعد شهرين إلى أن المنظمة أصبح لا غنى عنها في المحافل الدولية ولاسيما في مجال حوار الحضارات والدفاع عن صورة الإسلام ومكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا. وجدد إحسان أوغلى التهنئة للأمين العام الجديد إياد أمين مدني، مشيرا إلى أن الأمين الجديد سيواصل الجهد الذي بدأناه في تعزيز التعاون والتضامن بين الدول الأعضاء لمواجهة التحديات التي تواجه العالم الإسلامي، وسيتبنى مبادرات جديدة وبناءة لرفعة شأن المنظمة. وفيما يلي الجزء الثاني والأخير من الحوار: في ظل التكتلات والتحولات الجذرية التي يعيشها العالم الإسلامي. هل يمكن أن يكون للمنظمة صوت مسموع عالميا؟. مما لا شك فيه أن المنظمة أصبح لا غنى عنها في المحافل الدولية وأصبح صوتها مسموعا في العديد من القضايا الدولية، ولاسيما في مجال حوار الحضارات والدفاع عن صورة الإسلام ومكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا. ولقد أرسينا أسس علاقات التعاون مع المنظمات الدولية وعلى رأسها منظومة الأممالمتحدة، والمنظمات الإقليمية في العالم الغربي وأفريقيا والعالم العربي وآسيا، وأنشأنا علاقات مع مراكز المفكرين في أوروبا والولايات المتحدة لعرض وجهات نظرنا والدفاع عن قضايانا. ونجحنا في الاستفادة من موارد ممثلي الدول الأعضاء في المنظمة في الخارج لتنسيق وتوحيد الجهود الرامية إلى دعم القضايا الإسلامية العادلة، ولقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة بأن كي موون في العديد من المناسبات الدور الهام لمنظمة التعاون الإسلامي وأهمية الشراكة الاستراتيجية بين المنظمتين. وكذلك عززنا حضورنا في أوروبا من خلال فتح بعثة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في بروكسل، مقر الاتحاد الأوروبي كما أنشأنا مجموعة سفراء دول المنظمة في العديد من العواصم الغربية لكي تضطلع المنظمة بدور أشد فعالية. لقد تمثل اهتمام المجتمع الدولي بالمنظمة ودورها على الساحة الدولية في أن مجلس الأمن ولأول مرة في تاريخه يعقد جلسة للنظر في التعاون بين الأممالمتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي وذلك بتاريخ 28 أكتوبر 2013. وقد شارك في الجلسة الأمين العام للأمم المتحدة وجميع أعضاء مجلس الأمن والدول الأعضاء في الأممالمتحدة حيث أكد الجميع في بياناتهم أهمية دور المنظمة على الساحتين الإقليمية والدولية. أنا متفائل أن منظمتنا تسير على طريق واعد لتأصيل العمل الإسلامي المشترك المؤدي إلى وحدة الصف والكلمة والموقف، وإدانة سياسة التهويد الإسرائيلية في القدس الشريف والتصدي لها، لنضمن للعالم الإسلامي موقعا مشرفا في مصاف الدول، ونرسي له قواعد التطور والرقي والمنعة كعالم فاعل مؤثر. كيف يمكن أن تؤخذ القرارات التي تتخذها المنظمة طريقا إلى التنفيذ وهل تعتقدون أن المنظمة لا تملك صناعة القرار وتدور في فلك البيانات والتصريحات؟. في الحقيقة أن صناعة القرار في المنظمة تتم عبر عدة مستويات أهمها صدور قرارات متفق عليها بين الدول الأعضاء على مستوى القمة وعلى المستوى الوزاري. وهناك آلية اللجنة التنفيذية لبحث الأزمات الطارئة. وتعمل المنظمة جاهدة بالتنسيق مع الدول الأعضاء على تنفيذ هذه القرارات وكثير منها تم تفيذه بالفعل. من جانب آخر نجد أن هناك قرارات بحسب طبيعتها ومضمونها يتطلب تنفيذها وقتا أطول، بينما تعثر تطبيق بعض القرارات لأسباب بعضها مرتبط بعدم توفر الإرادة السياسية أو بسبب مسائل مالية خاصة تلك المتعلقة بالدعم المالي لبعض الأنشطة أو إنشاء صناديق مالية. أما بالنسبة للبيانات الصحفية فهي تشكل جزءا لا يتجزأ من عمل المنظمات الدولية والإقليمية بوصفها تعبر عن مواقفها المبدئية والثابتة حول العديد من المواقف والأزمات. دعم الملك عبدالله كيف تنظرون إلى الجهود التي يبذلها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لإيجاد حلول لقضايا الأمة الإسلامية وحل النزاعات وتكريس ثقافة الاعتدال والوسطية في العالم؟. بداية أؤكد أن المملكة لها مكانتها الرمزية الإسلامية من خلال احتضانها الحرمين الشريفين ما يمكنها من مكانة مركزية في العالم الإسلامي، فضلا عن ثقلها السياسي والاقتصادي الأمر الذي يجعلها دولة عضوة ذات ثقل ودور مهم وخادم الحرمين الشريفين يعتبر الداعم الرئيسي للمنظمة. كما أن المملكة هي الدولة الأولى الداعية لتأسيس المنظمة وفكرتها الجامعة لدول العالم الإسلامي وللمملكة أيضا مساهماتها الكبيرة والتي لا يمكن الإحاطة بها كلها ومنها على الصعد التالية: على الصعيد السياسي: تبنى خادم الحرمين الشريفين عقد قمة مكة الثالثة وقمة مكة الرابعة وفي الأولى بادرت المملكة إلى خطة (برنامج العمل العشري) الذي يهدف إلى عملية إصلاح شاملة في منظمة التعاون الإسلامي، والمبادرة التي طرحها خادم الحرمين الشريفين كانت نقطة تحول في تاريخ المنظمة. وفي القمتين تبنت المملكة الكثير من المواقف السياسية المعتدلة التي تهدف إلى لم شمل الأمة الإسلامية عبر نبذ الخلافات وتجاوز التباينات وهو ما تجلى في دعوة خادم الحرمين الشريفين في القمة الطارئة الرابعة في مكةالمكرمة في 2012. أما على الصعيد الإنساني فإن للمملكة جهودا كبيرة على صعيد تقديم المساعدات الإنسانية وتكاد تكون الأولى على مستوى العالم الإسلامي في كل من الصومال عبر الحملة الوطنية لإغاثة الشعب الصومالي، ومبادرة خادم الحرمين الشريفين لتبني عشرة آلاف يتيم جراء كارثة تسونامي في آتشية في إندونيسيا وحملة خادم الحرمين الشريفين لمساعدة أهلنا في غزة بفلسطين، وغيرها من المساعدات المقدمة أخيرا إلى متضرري السيول في السودان والأمثلة كثيرة لا يمكن حصرها. وعلى صعيد دعم الأقليات فإنه لا يمكن تجاهل الدعم الذي قدمته المملكة لجهود المنظمة في متابعتها لأحوال الأقليات في الصين وميانيمار والفلبين وغيرها، وربما يحضرنا ما قامت به المملكة من تعديل أوضاع الأقلية البورمية (مسلمي ميانيمار) في المملكة ومنحهم الإقامة الدائمة في قرار تاريخي صدر في منتصف العام الجاري. ولم تتجاهل المملكة الجانب الثقافي وجاءت المبادرات التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين مثل مركز الملك عبدالله للحوار بين الأديان والثقافات في فيينا لرفد جهود المنظمة في مجال إشاعة الحوار بين الأديان خدمة للتقريب بين الحضارات ودعم الصورة الصحيحة عن الإسلام إلى جانب الدعوة لإنشاء مركز للحوار بين المذاهب وإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب. حققت الكثير للمنظمة مع اقتراب انتهاء فترة رئاستكم للمنظمة.. ما الذي حققتموه لقضايا الأمة الإسلامية؟. أولا أحمد الله أن هيأ لي أن أكون في خدمة هذه المنظمة لتسع سنوات، ويسر لي بفضله ثم بعون قادة الأمة الإسلامية أن أنظم عقد قمتين استثنائيتين وقمتين اعتياديتين، كما نظمت أول قمة اقتصادية في تاريخ المنظمة، وأستطيع أن أقول وبكل ثقة إن المنظمة استطاعت خلال السنوات التسع الماضية أن تستنهض جزءا يسيرا من إمكاناتها، وتبرز بعض طاقاتها الكامنة، من خلال الانخراط المباشر في قضاياها المصيرية، وتعبيرها عن هموم أمتها، وأن تتبوأ مكانتها الطبيعية كثاني أكبر منظمة دولية في العالم، وتحولها إلى مركز اتصال وتواصل بين الشرق والغرب. وأقول أيضا إن ذلك لم يكن ليتحقق لولا تبني البرنامج العشري الصادر عن القمة الإسلامية الاستثنائية الثالثة في مكةالمكرمة، التي عقدت بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين، الذي استشرف حاجة الأمة الإسلامية إلى أفق أكثر رحابة وأهمية وضع خارطة طريق نسترشد بها خطواتنا في عالم التكتلات والمجموعات الدولية الكبيرة والنافذة. واستنادا لهذا البرنامج حققنا إنجازات كبيرة تمثلت في اعتماد ميثاق جديد للمنظمة استلهم منطق العصر ولغته، وحافظ على القيم الإسلامية النبيلة، ويشكل مرآة تعكس خطابا معتدلا، وحداثيا معاصرا، استطاعت المنظمة من خلاله أن تكون صوت العالم الإسلامي في المنابر الدولية، كما أنشأنا آليات جديدة مثل لجنة حقوق الإنسان ومركز المرأة وإدارة الشؤون الإنسانية وغيرها من الأجهزة التي تعكس التطور في عمل المنظمة. من جهة أخرى، أصبحت المنظمة شريكا مستحقا، ومفاوضا أساسيا، وتمكنت من أن توجد نقطة انطلاق لجهد جماعي، نحو القضاء على ظاهرة الإسلاموفوبيا، أو العداء للإسلام، لتنهي بذلك سنوات من الجهد المنفرد، وتشرع في مفاوضات ماراثونية تضم الغرب لأول مرة في تاريخ هذا السجال الثقافي. وبعد صدور القرار رقم 16/18 الذي يدين ممارسات التمييز ضد المسلمين على خلفية دينهم ومعتقداتهم، والذي انبنى على النقاط الثمان التي اقترحتها على مجلس حقوق الإنسان الدولي في جنيف، دخلت المنظمة نقطة تحول في طريق بحثها عن حلول جذرية للكراهية المبنية على أساس الدين والمعتقد. وحصلت المنظمة على اعتراف الدول الغربية بضرورة التحرك لإيجاد حل للمشكلة، عبر سلسلة اجتماعات عرفت بوتيرة إسطنبول. لقد نجحنا أيضا في صهر التباينات والخروج بموقف قوي وموحد لدولنا في الأممالمتحدة، لتصبح المجموعة الإسلامية كتلة تصويتية لا يستهان بها في الأممالمتحدة، وغيرها من المنابر الدولية. كما تمكنا من بناء شبكة من العلاقات الدولية القوية في سنوات قليلة، جعلت من المنظمة جزءا لا يتجزأ من الحلول المطروحة لمختلف القضايا الساخنة. مدني سيتبنى مبادرات جديدة وماذا تقولون للأمين العام الجديد معالي الأستاذ إياد أمين مدني والذي يتأهب لرئاسة الأمانة العامة للمنظمة مطلع شهر يناير؟. أود أن أنتهز هذه الفرصة السانحة لأجدد التهنئة الخالصة للأخ والصديق العزيز الأستاذ إياد مدني وتمنياتي الصادقة له بكامل التوفيق والسداد في مهمته الجديدة كأمين عام لمنظمة التعاون الإسلامي، وأنا على ثقة تامة بأنه سيواصل الجهد الذي بدأناه في تعزيز التعاون والتضامن بين الدول الأعضاء لمواجهة التحديات التي تواجه العالم الإسلامي، وسيتبنى مبادرات جديدة وبناءة لرفعة شأن المنظمة. وأؤكد له مجددا استعدادي التام لوضع تجربتي في العمل الإسلامي المشترك في المنظمة تحت تصرفه للاستفادة منها واستعدادي التام لمساعدة منظمة التعاون الإسلامي بكل السبل الممكنة وفي أي وقت لخدمة مصالح بلداننا الأعضاء وشعوبنا في جميع أنحاء العالم الإسلامي على النحو الأفضل. أخيرا.. ماذا تقولون في نهاية هذا الحوار الوداعي مع اقتراب انتهاء فترة رئاستكم للأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي؟. أشكر الجميع الذين تعاونوا معي كما أشكر المملكة دولة المقر التي دعمت المنظمة. كما أشكر جريدة «عكاظ» التي كانت بمثابة الوسيلة الإعلامية الرائدة التي سلطت الأضواء على قضايا الأمة الإسلامية، وأشكرك شخصيا وأتمنى لكم وللجميع التوفيق والنجاح.