تحدث السفير محمد أحمد طيب، مدير عام فرع وزارة الخارجية السعودية بمنطقة مكةالمكرمة، في مقر منظمة التعاون الإسلامي بجدة، اليوم الاثنين، 19 نوفمبر 2012 في ندوة بعنوان: (الأعمال المسيئة للإسلام: أبعاد الصدام وآفاق التعايش بين الإسلام والغرب)، وذلك بحضور الأمين العام للمنظمة، البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلي، وبمشاركة سيرجي كوزينسوف، القنصل العام لروسيا الاتحادية بجدة وآن كاسبار، القنصل العام للولايات المتحدةالأمريكيةبجدة، بالإضافة إلى قناصل وأعضاء السلك الدبلوماسي، ومهتمين وحضور متميز من الوسط الثقافي في جدة. وفي شرحه لظاهرة الإسلاموفوبيا، وسبل معالجتها، نوه السفير طيب بمبادرة خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، عام 2008، والذي كان من أوائل من بادروا إلى الدعوة للحوار بين الأديان، مؤكدا أن المبادرة لم تقف عند هذا الحد بل استتبعها عقد مؤتمر للحوار في مدريد في يونيو 2008، موضحا بأن المبادرات التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين سوف تتوج في 26 نوفمبر المقبل، بافتتاح المركز العالمي للحوار بين الأديان والثقافات في فيينا. وأشاد السفير طيب في الوقت نفسه بدور منظمة التعاون الإسلامي، وتحديدا ما قام به الأمين العام للمنظمة، البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلى، منذ انتخابه لهذا المنصب عام 2005، مشيدا كذلك بالجهود التي بذلها الأمين العام في هذا الصدد، وواصفا مسيرة المنظمة في التصدي لهذه الظاهرة خلال الأعوام السبعة الماضية بالتطور الملحوظ خاصة إثر إطلاق برنامج العمل العشري في القمة الإسلامية الاستثنائية الثالثة، في مكةالمكرمة، مشيرا إلى أن الخطة العشرية تعد نقلة نوعية في عمل المنظمة على الصعيدين الفكري والتطبيقي. وأكد السفير طيب في محاضرته على الخطوات التي قامت بها المنظمة منذ ذلك الوقت وحتى الآن، لافتا إلى إنشاء مرصد الإسلاموفوبيا التابع للمنظمة، والذي يرصد الانتهاكات ضد الرموز الإسلامية والمسلمين في مختلف أنحاء العالم. وسلط الضوء كذلك على دورالمنظمة في إصدار قرار دولي بالتعاون مع الدول الأعضاء ب (التعاون الإسلامي) في مجلس حقوق الإنسان الدولي، والجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، والذي يعرف بقرار 16/18، ويدعو بدوره إلى مناهضة الكراهية وبث الكراهية والتحريض على العنف على أساس الدين والمعتقد. كما أشار إلى مبادرات المنظمة المتعددة في دعوتها لإنشاء مرصد، يتابع الانتهاكات للأديان المختلفة في الأممالمتحدة، وتوقيع التعاون الإسلامي عدة مبادرات دولية، يأتي أبرزها مذكرة التفاهم التي جرى توقيعها مع تحالف الحضارات من أجل مكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا، مشددا على أن المنظمة لم تترك مجالا أو منبرا دوليا إلا وسعت من خلاله إلى التصدي لهذه الظاهرة. وأجمل السفير طيب في مستهل محاضرته، تسعة أبعاد تتعلق بظاهرة الإسلاموفوبيا في جملة من المواضيع، يأتي أبرزها المقدمات التاريخية ضمن ما وصفه بالتنافس بين الشرق والغرب، وما شاب ذلك من حروب تاريخية، ربما تكون الحملات الصليبية إحدى أبرز سماتها التي تركت أثرا في العلاقة بين الجانبين. وتطرق السفير طيب إلى قضية تتصل بالأبعاد التاريخية للظاهرة، والتي تتبلور في البعد الاستعماري، الذي ألقى بظلاله على مستقبل العلاقات الثنائية، مؤكدا أن الاستعمار الأوروبي يأتي استمرارا للحالة التاريخية التي حكمت تلك العلاقة.وجسد السفير طيب البعد الثالث في نشوء القضية الفلسطينية، بدءا بإعطاء وطن قومي لليهود على الأرض التاريخية لفلسطين، ومرورا بتبعات هذه القضية حتى الوقت الراهن، مشددا على أن أي حل جذري لظاهرة الإسلاموفوبيا لا يمكن أن يتأتى من دول حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، من شأنه أن ينهي جذور الخلاف بين الحضارتين. ولفت المحاضر أيضا إلى البعد العلماني، والموقف المسبق الذي تتخذه الدول الغربية من فكرة الدين على خلفية طغيان الكنيسة على السلطة في العصور الوسطى في أوروبا، وما خلفه ذلك من موقف سلبي تجاه الدين، الأمر الذي انعكس على بقية الأديان في العالم، مشددا على أن العالم الغربي لم يصل بعد إلى فهم حقيقي للدين الإسلامي، والاختلافات الجوهرية التي تنأى به عن الاتهامات التقليدية للمسيحية في عصور ما قبل التنوير في أوروبا. في سياق ذلك، أشار السفير طيب إلى غياب الفهم العميق للدين الإسلامي، وهو ما فتح الباب للعديد من التفسيرات والتأويلات، وأثار ضبابية حالت دون إدراك أعمق وأشمل يحول دون الشكوك التي تؤجج الريبة من الإسلام، وتفعل بالتالي ظاهرة الإسلاموفوبيا. ولم يغفل السفير طيب، البعد الاقتصادي، ودوره في تعظيم الظاهرة، حيث أدت الأزمات الاقتصادية في أوروبا، وتفشي البطالة بين الشباب إلى تزايد فرص اليمين الأوروبي في الانتخابات البرلمانية، وهو ما حذر منه مقتبسا من تقارير مرصد منظمة التعاون الإسلامي، حول الظاهرة والتي حذرت بدورها أكثر من مرة من مأسسة الظاهرة، والاستفادة منها في الانتخابات والاستفتاءات، كما جرى في الاستفتاء العام في سويسرا ضد إنشاء المزيد من المآذن في هذا البلد، لافتا أيضا إلى نشوء نظريات ساعدت على تمهيد الطريق لهذه الظاهرة مثل نظرية صدام الحضارات لصموئيل هانغننتون، وطروحات فوكوياما وغيره من المنظرين. من جهة ثانية، اتهم المحاضر الحركات الإسلامية المتطرفة، والتي اتخذت من العداء للغرب شعارا لها، وهو ما انعكس بصورة سلبية على الصورة العامة للمسلمين، وشرع الباب واسعا ل (التعميم) على المسلمين وفق قناعات واجتهادات هذه الحركات التي تعد مرفوضة في المجتمعات المسلمة. وأخيرا، حمّل السفير طيب الإعلام الغربي مسؤولية إذكاء العداء ضد المسلمين من خلال العديد من الأعمال المسيئة، والمشوهة للإسلام، وانعكاسات ذلك على الجاليات المسلمة في العديد من الدول الغربية، مستشهدا بالرسوم الكاريكاتورية المسيئة في الدنمارك، وما تبعها مثل الفيم المسيء وغيرها من الرسوم التي نشرت في صحف فرنسية.