بين جموع الحجاج بمختلف ثقافتهم وأعراقهم وأجناسهم ولغاتهم تستهويك مجموعة من الصور الإنسانية تأخذك إلى آفاق تجبرك على أن تخرج القلم كي تصف هذه الصور، ولكن القلم يقف مندهشا من صور فاقت كل الإنسانية ومنها صورة الحاج الباكستاني محمد أمين، حيث وقف الجميع مكبرين ومهللين لمشهد هذا الحاج الذي أصر على حمل والدته على ظهره صاعدا بها السلالم المؤدية إلى القطار بمختلف مسارته الأسمنتية والمتحركة. كان محمد يمر ما بين الحجيج مرددا التكبير والتهليل وغير مبال بمن حوله إلا بوالدته الطاعنة في السن وهو يحملها على ظهره، سلطنا عدسة الكاميرا على هذا الحاج الباكستاني وهو ما زال غير مبال حتى بالتصوير، وما أن وصل إلى محطة القطار وجمع أنفاسه وقواه تحدثنا معه عن سر عدم الاكتراث بمن حوله ولماذا يهرول بوالدته، وهنا قال محمد «أخشى عليها من حرارة الشمس وكنت أسرع بها من أجل أن أظللها بسقف المحطة». بعد صعودنا القطار أكملنا حديثنا مع محمد أمين بعد أن أجلس والدته على المقعد، وهنا استطرد حديثه بالقول «كانت أمنيتي أن أحج بوالدتي وهي على ظهري، خاصة أن ولادتي كانت متعثرة أدخلت أمي في غيبوبة وكانت ستفقد حياتها من أجلي». وزاد، «بعد سماعي للقصة المأساوية قطعت عهدا على نفسي أن أحج بها على ظهري لعله يعوضها جزءا من المعاناة والتعب»، ويستمر محمد في سرد قصته بالقول «أتيت إلى المملكة حتى أجمع بعض المال وأعود إلى بلدي في باكستان وأحج بها». وأردف، «مكثت نحو خمسة أعوام في الغربة حتى وفقني الله وجمعت المبلغ المطلوب، فذهبت إلى بلادي وعدت بوالدتي إلى المشاعر المقدسة في أول حجة لي ولها.. وفي الوقت الذي كان يسرد فيه محمد قصته التي لم تكتمل توقف بنا القطار فحمل محمد والدته من جديد على ظهره متوجها بها إلى المخيم مرددا التكبير والتهليل».