تختزن ذاكرة المهندس الثمانيني أبو بكر إدريس مسعود العديد من الأحداث المخيفة والمواقف المرعبة التي عاشها خلال مزاولته إصلاح مراكب الصيد ومولدات الكهرباء في منطقة جازان منذ أن كان في ال15 من عمره. وعلى الرغم من صعوبة المهنة التي يزاولها، إلا أنه اعتمد عليها في تدبير شؤون حياته، وتربية أبنائه الذين تبوأوا مناصب مرموقة في المجتمع. وبين مسعود أنه انطلق في مزاولة نشاطه بعد أن تخرج من المعهد المهني في مصوع عام 1950 ميلادية، حاملا شهادة ميكانيكي ديزل، وعمل في ورشة حوض البواخر، وفي عام 1381 هجرية قدم إلى جازان وعمل مع حرس الحدود لعام واحد لإصلاح المراكب الخاصة بهم، مشيرا إلى أنه بعدها افتتح ورشة مازالت تعمل حتى اليوم وعمرها 52 عاما. وذكر أنه كان يذهب إلى جدة قائدا للمراكب الكبيرة المحملة بالأغنام، ويعود بالبضائع، في مهمة تستغرق ثلاثة أسابيع ويعمل في الورشة أسبوعا، مشيرا إلى أن الله رزقه الأولاد والبنات والأحفاد فمنهم الطبيب والمهندس. وقال مسعود: «ابنتي أستاذة لغات في عمان، وأبنائي جامعيون في الفلبين وأستراليا، كما أن إحدى بناتي تعمل مديرة مدرسة ولديها من الأبناء أيمن (طبيب) وأبو بكر (مهندس) في الأرصاد بالمطار»، مؤكدا أنه عمل في البحر 47 عاما ولم يقف خلال تلك المدة مركب صيد أو مولد إلا وأصلحه. وذكر أن الزبائن كانوا يتوافدون على الورشة الصغيرة التي افتتحها خصيصا لإصلاح الأعطال التي تصيب مولدات الكهرباء ومراكب الصيد، لافتا إلى أنه توجه في عام 1379ه إلى ميناء مصوع وعمل مهندسا مع شركة إيطالية وخلال تلك المدة أتقن اللغة الطليانية، فيما كان يتنقل بين عدن والحديدة لإصلاح مراكب الصيد كما عمل متعاونا مع مصنع للزوارق البحرية في جازان. ويحتفظ العم مسعود في ذاكرته بكثير من الأحداث المهمة والقاسية طيلة عمله، لافتا إلى أنه لا ينسى حين ضربت شعب مرجانية على سواحل القنفذة مركبه فأحدثت فيه فتحة بطول أربعة أمتار، وسدوها بوضع الباب عليها وربط البراميل على الفتحة حتى تم إغلاقها، ما جعل رحلتهم تمتد لشهر إلى جدة على الرغم من أنها كانت لا تزيد على أسبوع في الظروف الطبيعية. وذكر أنه كاد أن يخسر حياته حين حاول إصلاح أحد المراكب في عدن، لافتا إلى أنه ما إن انتهى من إصلاح العطل كاد أن يسقط في قاع البحر لولا أنه تعلق بحبل فكتبت له النجاة. وروى أنه جاءه قبل نحو 30 عاما شخص من عدن، يبحث عن المهندس أبو بكر في جازان، وعندما وصل إليه، أخبرنه بأن لديه مركبا كبيرا، عمل على توظيبه ب11 مليون ريال يمني، على يد فنيين يابانيين، وحاولوا ولم يعرفوا العطل وأشاروا له إلى مهندس في جازان بالسعودية، ملمحا إلى أنه حين توجه معه إلى عدن وشاهد الباخرة وفحصها تبين له أن الخلل في طرمبة الديزل وأصلحها وعادت لطبيعتها. وذكر مسعود أنه جاءه ذات مرة شخص يدعى الغامدي وأبحر معه بمركبه الكبير إلى السودان لإصلاحه وتوظيبه، مشيرا إلى أنه قبل الوصول إلى السودان بست ساعات سقطت قطعة قماش في خزان الديزل الكبير، فأغلقت الفتحة التي يخرج منها الوقود، وتوقفت الماكينة وتعطل المركب، ملمحا إلى أنهم مكثوا ثلاث ساعات في خوف ورعب وخطر لوجود موج شديد، يدفع المركب يمينا وشمالا. وأضاف: «بعد أن بحثنا في الأمر اكتشفنا أن ضخ الديزل إلى الماكينة توقف بسبب انسداد الفتحة، فأصلحنا الخلل وتحرك المركب وواصل رحلته حتى وصل إلى السودان في رحلة استغرقت خمسة أيام». وأشار إلى أنه في عام 1405ه تعطلت مركب للمواطن محمد هاشم مساوى رحمه الله، في السقيد بفرسان ووصل الماء إلى الأبنص (السرعة)، ولم يعرف الخلل وعلى الفور أخذ فلوكة صغيرة وتوجه إليه مسرعا، وطلب منه التوجه معه بسرعة لإصلاح العطل، لافتا إلى أنه حين وصل إلى المركب طلب منه المكوث بجانبه حتى يتعلم إصلاح المركب في حال تعرض للعطل. وأضاف: «مكث مساوى بجانبي وأنا أصلح الخلل، ونزل معي تحت الماكينة أسفل المركب، وكان يدون كل خطوة أتخذها ليتعلم»، مشيرا إلى أنه يقدم دورات قصيرة لعدد من طلاب كلية الهندسة في جازان. وحصل أبو بكر على العديد من الشهادات أبرزها من قيادة حرس الحدود في جازان قسم الوحدات البحرية «الصيانة البحرية» تثني على كفاءته ونشاطه خلال عمله معهم، كما نال شهادة من مصنع زوارق اللؤلؤ تثبت مزاولة مهنة ميكانيكي محركات بحرية معهم من عام 1384ه إلى عام 1389ه. كما حصل على إشادة من مكتب العمل في جازان، ناصحا الشباب بالإقبال على المهن والحرف.