أمضى أبوبكر أدريس مسعود أكثر من نصف قرن في البحر وإصلاح محركات المراكب، متنقلا بين أكبر موانئ البحر الأحمر، يلجأ إليه أصحاب الزوارق في ورشته الصغيرة التي افتتحها خصيصا لإصلاح الأعطال التي تصيب مولدات مراكب الصيد. وبين العم مسعود أنه ذهب عام 1379 ه إلى ميناء مصوع في ارتيريا للعمل مهندسا في إحدى الشركات، وهناك أتقن اللغة الإيطالية، فيما كان يتنقل ما بين عدن والحديدة لإصلاح مراكب الصيد كما عمل متعاونا مع مصنع للزوارق البحرية في جازان. وروى مسعود العديد من المواقف القاسية التي عاشها أثناء مزاولته عمله، منها حين ضربت الشعب المرجانية قرب شواطئ القنفذة الجزء السفلي من مركبهم الذي يطلقون عليه «ليلى» وأحدثت فيه شرخا بطول أربعة أمتار، واضطروا لإغلاقه بوضع باب عليها وربطه مع براميل عدة حتى تمكنوا من سدها، واستغرقت رحلتهم آنذاك إلى جدة شهر بعد أن كانت لا تتجاوز الأسبوع. ويجيد العم مسعود إصلاح الزوارق البحرية والمواتير الكهربائية والزراعية ويحمد الله أنه طوال هذه الفترة لم يتشاجر مع أحد ولم يقف أمام أي عطل إلا وأصلحه، ومن المواقف التي لاينساها أن شخصا جاء منفعلا ويريد إصلاح المولد الكهربائي الخاص به في أسرع وقت، وقال العم مسعود: طلبت منه أن يعود بعد يوم وذهب وعاد وأن مازلت أصلح العطل فانفعل وصاح بأعلى صوته ولم أرد عليه، وجلس ينتظر حتى انتهيت من عملي وقلت له مولدك جاهز، فتوقع الرجل أن اتلفظ عليه ولكنني لم أتفوه بأي كلمة، فما كان منه إلا أن قبل رأسي، وسألني عن أجرتي، فقلت له سأقبل بأي مبلغ يأتي منك، فانهمرت عيناه بالدمع وقال: أنت أصلحت مولدي وعلمتني الأدب والاحترام وحفظ اللسان فجزاك الله خيرا. ولا ينسى العم مسعود الموقف الذي كاد أن يكلفه حياته في عدن، موضحا أنه كان يصلح عطلا في أحد مراكب الصيد هناك، وما أن فرغ من عمله حتى سقط من المركب وكاد أن يهوي في قاع البحر لولا تمكنه بفضل الله من التشبث بحبل كان قريبا منه. وعلى الرغم من الترحال الدائم الذي يعيشه العم مسعود إلا أنه تزوج 11 امرأة لم يبق منهن سوى ثلاث ولديه ولدان كانا يعملان معه في ورشته، وقد تعلما المهنة من والدهما وهما الآن يكملان دراساتهما الجامعية أحدهما في استراليا والآخر في تايلند، موضحا أنه متى ما أكملوا دراساتهما فالورشة في انتظارهما. وبين مسعود أن الفترة الطويلة التي قضاها في العمل عرفته بالكثير من الناس وعاداتهم وتعاملاتهم، مشيرا إلى أن أول أجر تقاضاه كان عشرين ريال فقط في عام 1381، والآن وصل إلى 1300ريال.