اطلعت على مقال الكاتب غسان بادكوك القيم والمنشور في صحيفة «عكاظ» يوم الخميس 6 ذي القعدة. والذي تناول فيه موضوعا بالغ الأهمية عن «نقص الأيدي الحرفية والمهنية الوطنية في السوق السعودي»، وهو في تقديري على قدر كبير من الأهمية في المجتمع والاقتصاد السعوديين على حد سواء. حيث تفضل من خلاله بطرح مجموعة من التساؤلات المهمة التي تفتح الباب واسعا أمام نقاشات اجتماعية واقتصادية عميقة حول تأثر الاقتصاد بعزوف الشباب والأسر السعودية عن الالتحاق بالعمل الحرفي، ومدى انعكاسه على بنية المجتمع والاقتصاد، والذي حاول تعويض ذلك النقص باستقدام مئات الآلاف من العمالة الأجنبية، حتى غير المحترفة لشغل تلك الوظائف والأعمال المهمة. وتبرز أهمية ما طرحه خاصة وأن مجتمعنا كان إلى وقت قريب يعمل أفراده بشكل طبيعي في تلك الحرف اليدوية، بل إن كثيرا من العائلات كانت تنتسب إلى تلك المهن الشريفة حسب العادات الاجتماعية المنتشرة حينها. وأنا بدوري أتمنى مشاركته في تسليط الضوء من زاوية أخرى على طرق المعالجة، تتمثل في محاولة تغيير النظرة الاجتماعية السلبية والطارئة في مجتمعنا، التي لا تحترم ثقافة العمل الحرفي ولا تقيم له اعتبارا «للأسف الشديد». وفي ظني أن هذا المحور لابد أن يأخذ حيزا كبيرا من الاهتمام والعناية من جهات عدة مناط بها مسؤولية توليد الفرص الوظيفية، أو الإعداد والتهيئة لها. فالنظرة الدونية للأعمال الحرفية واليدوية، وعدم إعطاء من يقوم بها التشجيع والتحفيز اللازمين، تبدأ من الأسر أولا ومن المحيط الاجتماعي الأوسع ثانيا. لكن السؤال الضروري والملح الذي يجب طرحه في كل الأوساط التعليمية والمهتمة بالتدريب والتأهيل هو: ما هي أسباب العزوف؟ وكيفية معالجتها؟ مع ضرورة إقناع الأسر أولا ومن ثم المجتمع بأن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن العمل الشريف مهما كان ليس عيبا ولا يضير من يعمل به. وهذا الأمر يحتاج إلى مشروع وطني – هو مقترح أطرحه – يعمل على تهيئة كبرى تنطلق من التعليم، من خلال دمج ثقافة حب العمل في مراحل مبكرة من عمر الطالب، وبالذات في المراحل التمهيدية، على أن تستمر وتتطور مع تسلسل مراحل التعليم العام وحتى الجامعي. على أن يتعود النشء على استخدام يديه في العمل، وأن ينشأ وهو متجانس مع المهن الحرفية، ومع تعوده على لبس «الزي» الأزرق (رمز الأعمال الحرفية أو المهنية) من المرحلة الابتدائية، على أن تكون حصة من الحصص الإلزامية. إضافة إلى تكثيف تلك الحصص الإلزامية بجرعات مقننة على مدار الأعوام، واعتبارها مشاريع تخرج حتى المرحلة الثانوية (وهو ما سيؤدي حتما لكسر حاجز العيب، بالتالي يتعود الطالب وتتعود الأسر والمجتمع من خلفهم على أن يرتدي أبناؤهم زي الأعمال الحرفية المشهور)، كما كنا نجبر أولادنا على ارتداء ملابس الرياضة إيمانا منا بأهمية الرياضة في حياة الأبناء. تلك المبادرات تضمن لنا عدم استنكاف أبنائنا الطلاب من الانخراط في المجالات المهنية في حال عدم إكمال تعليمهم، وخروجهم المبكر من مسارات التعليم المتوسطة والثانوية. وهذه الفئة من الطلاب المتسربين من مراحل التعليم الأولي تمثل السواد الأعظم من الباحثين عن عمل ممن لم يكملوا مشوارهم التعليمي. لاشك أن ما ذكرته في تعقيبي لا يعدو كونه أفكارا أولية أرجو أن يكون لدى الكاتب بادكوك الوقت لتأملها، ولدعم برنامج وطني حقيقي تتبناه وزارة التربية والتعليم والمعاهد الفنية ومعاهد التدريب، وكل القطاعات المهتمة بتوليد فرص وظيفية للشباب والشابات. عدنان حسين مندورة * أمين عام الغرفة التجارية الصناعية في جدة