"حرفة في اليد أمان من الفقر" هذه العبارة لم يعد لها وجود في ظل المفاهيم الخاطئة لدى جيل الشباب عن الأعمال المهنية التي يرون أن فيها شيئا من العيب ويفضلون البطالة عليها؛ في حين تشير أصابع الاتهام إلى المجتمع وأنه هو من عزز الصورة السلبية لدى النشء عن العمل المهني. وأمام هذا العزوف والمفاهيم التي يصعب تغييرها؛ تعالت أصوات عدد من التربويين والمختصين النفسيين مطالبين بإعادة صياغة مفاهيم النشء حول العمل المهني والحرفي وتبني مشاريع تربوية ومهنية تسهم في بناء مفاهيم جديدة صحيحة وإيجابية لدى الطلاب وأولياء الأمور تجاه العمل المهني. مفاهيم خاطئة يقول الطالب أحمد العتيبي "لا أتخيل نفسي يوما من الأيام مهنياً، فالمعاهد المهنية والكليات التقنية ارتبط القبول فيها بمن لم يحالفهم الحظ في القبول في الجامعات،" وأشار إلى أن طلاب تلك الكليات والمعاهد بعد تخرجهم يبحثون عن وظائف إدارية ولا يحبذون العمل المهني إطلاقا، بل هناك منهم من فضل البطالة على العمل المهني. ولا يعلم العتيبي سببا واضحا لعزوف الشباب عن الوظائف المهنية لكنه يعتقد أن "نظرة المجتمع للشاب الذي يمارس وظائف مهنية أقل من نظرتهم لذلك الشاب الذي يجلس على كرسي الوظيفة الحكومية." مشكلة المجتمع وأشار الشاب ياسر الزهراني إلى أن المشكلة ليست في الشباب بل في المجتمع، وقال "كثيرا من الذين ينادون بأهمية العمل المهني لا يحبذونه لأبنائهم؛ بل أن كثيرا من مسؤولي الكليات التقنية والمدربين فيها يحرصون كل الحرص ليلتحق أبناؤهم بالجامعات النظرية والعلمية الأخرى." واستغرب الزهراني من التناقض المجتمعي والنظرة التي تلاحق المهنيين، بقوله "نجد أن هناك من يطالب الشباب بالوظائف المهنية وهم لا يعملون فيها، وهذا ولد صورة سلبية لدى الشباب عن العمل المهني الذي أصبح في نظرهم أمرا غير مرغوب." التربية والمهنية من جهته، يرى مدير الإعلام التربوي في الإدارة العامة للتربية والتعليم بالطائف عبدالله بن عيضة أهمية إدراج مادة في منهج المرحلة الثانوية عن التربية المهنية، مشيراً إلى أهمية مثل هذه المادة التي تعزز ذهنية الطالب حول مفهوم العمل المهني وتصحح بعض المفاهيم الخاطئة التي تتولد لدى الطلاب وتبعدهم عن التوجه للكليات التقنية والمعاهد. وقال "إن التربية تشارك في كل عام في يوم المهنة العالمي ببرامج محددة منها الزيارات الميدانية لمعاهد التدريب المهني والكليات التقنية إضافة إلى البرامج الخاصة بالكشف عن الموهوبين مهنيا التي تتم طوال العام في مراكز الموهوبين وأقسام النشاط العلمي، إلا أن هذه البرامج لا تفي بالغرض ولا تزال الحاجة ماسة إلى تعزيز ذهنية الطلاب عن الأعمال المهنية." تبديل الاتجاهات إلى ذلك، قال الدكتور سالم الشهري المختص في التوجيه والإرشاد "إن للتربية دورا هاما في تغيير وتبديل الاتجاهات وتغيير وبناء المفاهيم والاعتقادات،" مشيرا إلى أن السواد الأعظم من الطلاب لديهم اتجاهات ومفاهيم سلبية تجاه الأعمال المهنية والحرفية وأضاف "يلاحظ عزوف الكثير من الطلاب عن الالتحاق بتلك التخصصات في المعاهد والكليات التقنية والمهنية، وكذلك عزوفهم عن البحث عن الوظائف المهنية والحرفية والالتحاق بها على الرغم من كل الجهود والدعم والمساندة من قبل الدولة تجاه تشجيع وتسهيل الالتحاق بتلك البرامج." ومضى الشهري يقول "كتربويين مؤمنين وقائمين على إعداد وبناء وتهيئة عقول وشخصيات الطلاب في مدارسنا ومؤسساتنا التربوية؛ فإننا ندرك جميعا ما لهذه المؤسسات وما للعاملين فيها من إمكانيات وفرص كبيرة وتأثير قوي وعميق في تعديل وتغيير وبناء اتجاهات الطلاب بشكل إيجابي وفعال تجاه العديد من القضايا ومن أهمها العمل المهني والحرفي وحاجة وطننا إلى الكوادر الفنية المؤهلة والمدربة والمعدة إعدادا جيدا وفي هذا المجال بالتحديد؛ لتستطيع معه الإسهام وبشكل إيجابي في بناء وتطور وتقدم مجتمعنا وبلدنا والوصول به إلى مصاف الدول المتقدمة." مشروع تربوي وكشف الشهري أنه تقدم بمشروع لتعديل وتغيير اتجاهات الطلاب السلبية تجاه الأعمال المهنية والحرفية كمشروع مشترك بين كل من وزارة التربية والتعليم ممثلة في الإدارة العامة للتربية والتعليم بالطائف والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وتم رفعه لإمارة منطقة مكةالمكرمة، وذلك بهدف "تغيير وتعديل المفاهيم والمعتقدات الخاطئة تجاه الأعمال المهنية والحرفية وبناء مفاهيم وأفكار ومعتقدات جديدة يمكن من خلالها تشجيع وتهيئة الفرص لأبنائنا الطلاب في الالتحاق بهذه الأعمال وسد الفجوة القائمة في الكثير من المجالات خصوصا، ونحن في عصر النمو والتطور مع وجود وإنشاء الكثير من المدن الصناعية والمشاريع التقنية والمهنية التي تحتاج بالفعل إلى سواعد وعقول أبنائنا الطلاب بعد تخرجهم من الثانوية العامة." كما يهدف المشروع إلى "بناء مفاهيم جديدة صحيحة وإيجابية لدى الطلاب وأولياء الأمور تجاه العمل المهني، وتصحيح وتعديل المفاهيم الخاطئة والمشوهة حول العمل المهني والحرفي، وإجراء الدراسات والأبحاث التي من شأنها تطوير وتسهيل إجراءات الالتحاق والبحث عن كل ما هو جديد في مجال العمل المهني والتقني بما يضمن استمرارية التواصل مع المستجدات في هذا المجال، والمساهمة في وضع وتخطيط البرامج التربوية والإرشادية التي من شأنها إشباع حاجات الطلاب ورغباتهم وتعمل على تنميه اتجاهاتهم إيجابيا تجاه العمل المهني والتقني." وبين الشهري أن الفئة المستهدفة من هذا المشروع هم طلاب الثانوية العامة في مدارس التعليم العام في المملكة، مؤكدا أن المشروع الذي تقدمه للجهات المختصة يعتبر نقلة نوعية في مجال بناء مفاهيم إيجابية جديدة لدى الطلاب المستهدفين ويختلف كليا عما قدم سابقا قي كونه يهدف إلى تغيير فكر وبناء قيم ومفاهيم جديدة وتعزيز للميول والاتجاهات الإيجابية تجاه الأعمال المهنية والذي سيسهم في الحد من البطالة المقنعة التي يعيشها الكثير من أبنائنا الطلاب رغم توفر الفرص الوظيفية المهنية والحرفية بكثرة. تعاون وعن دور المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني قال رئيس مجلس إدارة التدريب التقني والمهني بمنطقة مكةالمكرمة الدكتور راشد الزهراني "هناك تعاون بين المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني والتعليم العام، ولعل الدور الذي يقوم به مجلس التدريب التقني والمهني بمنطقة مكةالمكرمة من خلال برنامج مفهوم العمل التقني والمهني؛ ذلك البرنامج ينفذ لطلاب التعليم العام خير شاهد، حيث يلبس طالب التعليم العام في يوم أو يومين الزي المهني وكل ما يتعلق بالسلامة المهنية ويمارس العمل المهني بيده مع زملائه من طلاب المعهد والكلية وكأنهم فريق واحد بعيدا عن الزيارات التقليدية التي كانت تتم سابقا." وأشار الزهراني إلى أن هناك برنامجا آخر يتم من خلال زيارة المدربين للمدارس وإقامة ورش عمل بالتنسيق مع إدارات التربية والتعليم ومديري المدارس من خلال ورش عمل متنقلة وذلك لتعزيز الصورة الذهنية لدى الطلاب عن الأعمال المهنية والتعريف ببرامج المؤسسة. وتابع "لاحظنا خلال الفترة الماضية ارتفاع في نسبة الإقبال على الكليات والمعاهد وارتفاع الوعي لدى الطلاب حتى في اختيار التخصصات بعد تنفيذ البرنامج الذي يطبق للعام الثالث على التوالي وبدأ من محافظة جدةفمكة والطائف وتربة ورنية والخرمة وسينفذ خلال هذا العام في الفصل الدراسي الثاني." تعزيز ذهنية المتدربين وذكر الزهراني "أن للمؤسسة جهودا في تعزيز ذهنية المتدربين بكلياتها ومعاهدها عن العمل المهني، عن طريق أقسام التوجيه المهني، والسلوك الوظيفي، وكذلك التدريب التعاوني الذي يكون عادة في الفصل الأخير من العملية التدريبية ومن خلاله يقضي المتدرب فصلا كاملا في المنشأة يتعرف على أسلوب العمل ويمارسه لتهيئته لسوق العمل، وهذه الفترة تعد فرصة للشركات والمؤسسات لتبني هؤلاء المتدربين وحالات كثيرة انتهت بالتوظيف."